تشخيص مرض السكري
تشخيص مرض السكري
في الحقيقة يعتمد تشخيص مرض السكري بشكل أساسي على الأعراض الظاهرة على الفرد ونتائج فحوصات الدم المخبرية، ويمكن أن تتضمّن الأعراض كلًّا من زيادة العطش، وكثرة التبول، وزيادة الجوع، والتعب، وعدم وضوح الرؤية، والشعور بالخدران أو التنميل في القدمين أو اليدين، وفقدان الوزن دون وجود سبب واضح، والمعاناة من القروح التي يصعُب شفاؤها.
وفي سياق الحديث يجدر التنويه إلى أنّ مرض السكري يقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية شائعة هي؛ مرض السكري من النوع الأول ، ومرض السكري من النوع الثاني، وسكري الحمل، وفي الحقيقة تختلف الأعراض بينها، إذ أنّ أعراض مرض السكري من النوع الأول تظهر بشكل سريع ومفاجئ في غضون بضعة أسابيع فقط، الأمر الذي يُسبّب القلق لدى الفرد ويدفعه لفحص مستويات السكر في الدم في أغلب الأحيان، وفي المقابل تظهر أعراض مرض السكري من النوع الثاني وتتطوّر بشكل بطيء على مدى فترات زمنية طويلة تصل إلى عدّة سنوات، كما أنّه في كثير من حالات السكري قد لا تظهر أي أعراض واضحة على المريض أو قد تظهر أعراض خفيفة يصعّب ملاحظتها، إضافة إلى وجود العديد من الحالات الصحية التي تصنّف ضمن مرحلة ما قبل السكري (*) (بالإنجليزيّة: Prediabetes).
ونظرًا لما سبق فإنّ الجمعية الأمريكية للسكري (بالإنجليزيّة: American Diabetes Association) قد أوصت بمجموعة من الإرشادات والتوجيهات التي تهدف إلى ضرورة إجراء فحوصات لمستويات السكر في الدم لبعض الأفراد الذين تتوفر لديهم ظروف صحية معينة، ويمكن بيان فئات هؤلاء الأفراد كما يأتي:
- الأفراد الذين يرتفع لديهم مؤشر كتلة الجسم (بالإنجليزيّة: Body mass index)؛ حيث أن يكون أعلى من 25 بشكل عام، أو أعلى من 23 للأمريكيين من أصول آسيوية، وذلك بغضّ النظر عن أعمارهم، ممّن لديهم عوامل خطر إضافية للإصابة بالسكري مثل؛ المعاناة من ارتفاع ضغط الدم، ووجود مستويات غير طبيعية للكوليسترول، والأفراد الذين يتّبعون أنماط الحياة الخالية من الحركة والنشاط، والنساء اللاتي لديعنّ تاريخ طبي للإصابة بمتلازمة المبيض متعدّد الكيسات (بالإنجليزيّة: Polycystic ovary syndrome)، إضافة إلى الأفراد الذين لديهم تاريخ طبي شخصي للإصابة بأمراض القلب، وكذلك الذين لديهم تاريخ عائلي للمعاناة من مرض السكري.
- الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا؛ وفي حال كانت نتائج الفحوصات لديهم طبيعية يُنصح بإعادة الفحص كل ثلاث سنوات بعد ذلك.
- النساء اللاتي عانَين من الإصابة بسكري الحمل ؛ إذ ينصحن بإجراء فحص لمستوى السكر في الدم كل ثلاث سنوات.
- الأفراد الذين تمّ تشخيصهم بمرحلة ما قبل السكري؛ إذ يُنصح بإجرائهم فحص مستوى السكر في الدم كل سنة.
الفحوصات المخبرية للتشخيص
تتوفر مجموعة من الفحوصات المخبرية المخصّصة لتشخيص مرض السكري والتي يمكن إجراؤها في أحد مراكز الرعاية الصحية مثل؛ عيادة الطبيب أو المختبر، وغالبًا تحتاج هذه الفحوصات إلى تكرار إجرائها مرة أخرى في اليوم التالي من أجل تشخيص مرض السكري، وفي الحقيقة يمكن للطبيب في بعض الحالات تشخيص الفرد بإصابته بمرض السكري بعد إجراء الفحص المخبري لمرة واحدة فقط؛ وذلك في حال كانت نتائج الفحص الأول مرتفعة جدًّا أو في حال أظهرت نتائج فحص مخبري واحد ارتفاع مستوى السكر في الدم ورافق ذلك ظهور أعراض ارتفاع السكري الواضحة والمتعارف عليها على الشخص المعني.
تحليل السكر التراكمي
يمثّل اختبار خضاب الدم السكري أو الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي أو الهيموغلوبين السكري أو الهيموغلوبين المُتعسلن (بالإنجليزيّة: Glycosylated hemoglobin test) واختصارًا HbA1C والمعروف بين الأفراد باسم اختبار السكري التراكمي أحد الفحوصات المخبرية المُستخدمة في تشخيص مرض السكري ومرحلة ما قبل السكري، ويُمثّل قياس معدّل التحكّم بنسبة الجلوكوز في الدم خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر السابقة لموعد إجراء الفحص؛ حيث تُعبّر النسبة التي تتراوح بين 5.7% و6.4% عن مرحلة ما قبل السكري، كما يدلّ على أنّ الفرد معرّض للإصابة بمرض السكري، بينما يتم تشخيص الإصابة بمرض السكري في حال كانت النسبة 6.5% أو أكثر من ذلك، وفي الواقع يتميّز هذا الفحص بكونه ملائمٌ للأفراد؛ حيث أنّه لا يتطلّب صيامًا مُسبقًا قبل إجراء الفحص، ولكنّه في المقابل مقياس غير مباشر وقد يكون غير دقيق في تحديد معدّل مستوى الجلوكوز في الدم أحيانًا، وعليه فإنّ استخدامه كأداة لتشخيص السكري يُعتبر مثيرًا للجدل في بعض الحالات، ومنها؛ في حال وجود طفرة أو تغيّر في بنية الهيموغلوبين لدى الفرد، أو في حال وجود فقر دم حادّ؛ أي انخفاض كبير في عدد خلايا الدم الحمراء في الدم، أو في حال تم إجراء نقل دم للفرد، أو تم علاجه بأدوية معيّنة بهدف تحفيز إنتاج خلايا دم حمراء جديدة.
ولمعرفة المزيد عن تحليل السكر التراكمي يمكن قراءة المقال الآتي: ( تحليل السكر التراكمي ).
اختبار سكر الدم الصيامي
يتمثّل اختبار سكر الدم الصيامي (بالإنجليزيّة: Fasting Plasma sugar test) بقياس تركيز سكر الدم الأساسي لعينة من دم الفرد بعد قضاء فترة صيام طويلة نسبيًّا؛ تتضمن الامتناع عن تناول الطعام لفترة زمنية تصل إلى ثماني ساعات أو أكثر، وفي الحقيقة يتم إجراء هذا الفحص عادةً في الصباح الباكر، ويُعتبر هذا الفحص من أكثر الفحوصات شيوعًا واستخدامًا لتشخيص مرض السكري في عالم الطب، كما يُعدّ أحد الفحوصات العامة التي يتم إجراؤها بشكل دوريّ كل عام للبالغين، ويتم مقارنة نتيجة الفحص مع جداول ومخططات تبيّن قيم السكر في الدم لدى كل من الأفراد الأصحّاء، والأفراد الذين يقعون ضمن مرحلة ما قبل السكري، والأفراد المصابين بمرض السكري، وفي الحقيقة يجب إعادة إجراء الفحص في يوم آخر في حال كانت النتيجة غير طبيعية للتأكد من سلامة الفحص والنتيجة، ومن الجدير بالذكر أنّ تركيز السكر الصيامي الطبيعي في الجسم يجب أن يكون 99 ملليغرامًا لكل ديسيلتر من الدم أو أقل من ذلك، أما في حال كانت النتيجة تتراوح بين 100-125 ملليغرامًا لكل ديسيلتر فتكون تابعة لمرحلة ما قبل السكري، بينما تشير أي نتيجة أعلى من 125 ملليغرامًا لكل ديسيلتر إلى الإصابة بمرض السكري.
اختبار سكر الدم العشوائي
يتم استخدام اختبار سكر الدم العشوائي (بالإنجليزيّة: Random Plasma Glucose Test) بشكل حصري للمرضى الذين تظهر عليهم بعض الأعراض التقليدية لارتفاع سكر الجلوكوز في الدم؛ حيث يتم قياس مستوى السكر في عينة من دم الفرد بغض النظر عن تناول الطعام أو الصيام قبل إجراء الفحص أو عدمه، وذلك لأنّ التراكيز المرتفعة جدًا لمستوى السكر في الدم بشكل مستمرّ بأي وقت تشير إلى وجود مرض السكري، وتتم مقارنة نتائج الفحص مع جداول ومخططات تبيّن القيم المرتفعة والتي من الواضح أنّها تمثّل قيمًا غير طبيعية للسكر في الدم، وفي الحقيقة تدل نتيجة 200 ملليغرامًا لكل ديسيلتر أو أعلى من ذلك إلى احتمالية تشخيص الإصابة بمرض السكري، وتجدر الإشارة إلى أهميّة تكرار الفحص في وقت آخر للتأكد من تشخيص الحالة المرضية.
اختبار تحمّل الجلوكوز الفموي
يحتاج إجراء اختبار تحمّل الجلوكوز الفموي (بالإنجليزيّة: Oral glucose tolerance test) إلى الصيام لمدة ثماني ساعات قبل موعد إجراء الفحص، وفي الحقيقة يتم الاستعانة بفترة الليل للصيام في أغلب الأحيان، وفي الصباح الباكر تُقاس نسبة السكر في الدم لتسجيل سكر الدم الصيامي، ثم يتم إعطاء المريض شرابًا سكّريًّا يحتوي على 75 غرامًا من سكر الجلوكوز ليتناوله، ويتبع ذلك إجراء اختبار لمستوى السكر في الدم في أوقات محددة خلال الساعتين التاليتين، وتجدر الإشارة إلى أنّ القيم الطبيعية لمستويات السكر في الدم بعد ساعتين من تناول شراب الجلوكوز يجب أن تكون أقل من 140 ملليغرامًا لكل ديسيلتر أو أقل من 7.8 ميلليمول لكل لتر، بينما يتم تصنيف القيم الواقعة بين 140 و199 ملليغرامًا لكل ديسيلتر أو بين 7.8 و11.0 ميلليمول لكل لتر بأنّها ضمن مرحلة ما قبل السكري، أما القيم التي تتجاوز 200 ملليغرامًا لكل ديسيلتر أو 11.1 ميلليمول لكل لتر فتدلّ على وجود مرض السكري.
تجدر الإشارة إلى أنّ أهمية اختبار تحمّل سكر الجلوكوز تظهر في الحالات التي يُعاني منها الفرد من مرض السكري ممّن تظهر نتائج اختبار السكر الصيامي طبيعية لديهم بالرغم من وجود أعراض واضحة لمرض السكري، كما وُجِد أنّ اختبار تحمّل سكر الجلوكوز يُعدّ أكثر دقّة من اختبار سكر الدم الصيامي في تشخيص مرحلة ما قبل السكري ، ولكنّه في المقابل أقل ملائمة للفرد لكونه يحتاج لبعض التحضيرات المُسبقة، ومن الجدير بالذكر أنّ فحوصات السكري التشخيصية التي يجب استخدامها للمرضى المُؤكد إصابتهم بأمراض القلب والأوعية الدموية تشمل اختبار سكر الدم الصيامي أو اختبار السكر التراكمي أو كلا الاختبارين معًا، وفي حال لم تكن نتائج هذه الفحوصات حاسمة يمكن اللجوء إلى إجراء اختبار تحمّل سكر الجلوكوز.
فحوصات أخرى
قد يوصي الطبيب بإجراء المزيد من الفحوصات بعد التشخيص الأولي للفرد بمرض السكري، ومن هذه الفحوصات اختبار أجسام الضدّ الذاتية لناقل الزنك الثامن (بالإنجليزيّة: Zinc transporter 8 autoantibody test)؛ حيث توجد هذه الأجسام المضادة عادةً في أجسام الأطفال المصابين بمرض السكري من النوع الأول، بينما نادراً ما توجد في أجسام الأطفال المصابين بمرض السكري من النوع الثاني، وبالتالي يمكن استخدام نتائج هذا الفحص بالإضافة إلى المعلومات ونتائج الفحوصات السابقة لبيان ما إذا كان نوع السكري المصاب به الفرد هو النوع الأول أم لا، وفي الواقع يساهم هذا الفحص في الحصول على تشخيص دقيق وسريع وبالتالي البدء بالعلاج في الوقت المناسب، كما تجدر الإشارة إلى وجود العديد من الفحوصات الأخرى التي يمكن اللجوء إلى إجرائها لنفس الغرض أو لأغراض بحثية مثل: فحص الأجسام المضادة لخلايا بيتا (بالإنجليزية: Islet Autoantibodies) أو فحص الأجسام المضادة للإنزيم نازع كربوكسيل حمض الغلوتاميك (بالإنجليزية: Glutamic Acid Decarboxylase)، ومن جانب آخر، في حال كان من المتوقع وجود النوع الأول من مرض السكري لدى الفرد يلجأ الطبيب إلى إجراء اختبارات للبول، وذلك بهدف التحقق من وجود الكيتونات؛ وهي النواتج الثانوية لاستخدام الجسم للأنسجة العضلية والدهنية كمصدر للطاقة بدلاً من الجلوكوز المتوفر في الدم، وذلك بسبب عدم وجود كمية كافية من الإنسولين اللازم لاستخدام سكر الجلوكوز كمصدر للطاقة الأساسية.
تجدر الإشارة إلى أنّه عادةً ما يخضع الأطفال الذين تم تشخيصهم بمرض السكري من النوع الأول إلى إجراء فحوصات خاصة بأمراض المناعة الذاتية مثل؛ أمراض الغدة الدرقية، والداء البطني (*) (بالإنجليزيّة: Celiac disease)، أمّا بالنسبة للأطفال الذين تم تشخيصهم بمرض السكري من النوع الثاني فيتم عادةً إجراء فحوصات تتعلّق بمدى فعالية الكبد والكلى لديهم، بالإضافة إلى فحوصات البول، وهناك المزيد من الفحوصات التي يتم إجراؤها بناءً على الأعراض الظاهرة على المريض، وعلى سبيل المثال لا الحصر يجري الطبيب اختبار انقطاع النَفَس الانسدادي النومي (*) (بالإنجليزيّة: Obstructive sleep apnea) للأطفال الذين يُعانون من النعاس خلال النهار إضافة إلى الشخير، كما أنّه يتم التحقّق من وجود متلازمة المبيض متعدّد الكيسات لدى الفتيات اللواتي يعانين من كثرة شعر الجسم المرافق لحب الشباب أو عدم انتظام الدورة الشهرية، وفي الحقيقة تُعدّ هذه المتلازمة حالة شائعة مُنتشرة بين الإناث تؤثر في كيفية عمل المبيضين لديهنّ.
ملخص حول مرض السكري
يُعرّف مرض السكري (بالإنجليزيّة: Diabetes) بأنّه ارتفاع مستوى سكر الدم نتيجة عدم إنتاج الجسم لكميات كافية من الإنسولين، أو نتيجة لعجز الجسم عن الاستجابة بطريقة صحيحة للإنسولين الذي تم تصنيعه في الجسم، وفي الحقيقة إنّ الإنسولين يُعدّ أحد هرمونات الجسم المهمّة، والذي يتم تصنيعه داخل خلايا البنكرياس ، وتبرز أهميته بشكل كبير في مساعدة سكر الجلوكوز؛ أحد أنواع السكر البسيطة في الانتقال من مجرى الدم إلى خلايا الجسم المختلفة، إضافة إلى دوره في عمليات الأيض.
ولمعرفة المزيد عن مرض السكري يمكن قراءة المقال الآتي: ( ما هو مرض السكري ).
الهوامش: (*)مرحلة ما قبل السكري: حالة صحية خطيرة تتمثّل بوجود مستويات سكر مرتفعة عن الحد الطبيعي للسكر في الدم، ولكنّها لم ترتفع للحدّ الذي يتم فيه تشخيص الحالة بأنّها تابعة لمرض السكري من النوع الثاني، وفي الواقع فإنّ وجود الفرد ضمن مرحلة ما قبل السكري تجعله معرّضٌ بشكل أكبر لخطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
(*) الداء البطني: ويُعرف باسم حساسية القمح أيضًا، وهو عبارة عن مرض مناعي يمنع المريض المصاب به من تناول نوع معيّن من البروتينات يُطلق عليها اسم الغلوتين، وهي البروتينات الموجودة في بعض أنواع الحبوب أهمّها؛ القمح والشعير، وذلك لأنّها تُسبّب الضرر والتلف للأمعاء الدقيقة.
(*) انقطاع النَفَس الانسدادي النومي: ويمثّل انقطاع النَفَس الانسدادي النومي أحد اضطرابات التنفس المرتبطة بالنوم؛ الناتجة عن الانخفاض أو التوقّف الكامل لتدفّق الهواء في المجاري التنفسية بالرغم من جهود الجهاز التنفسي المستمرة للتنفس.
فيديو عن كيفيّة تشخيص مرض السكري
يتحدّث الفيديو عن تشخيص مرض السكري.