تحليل معلقة زهير بن أبي سلمى
تحليل معلقة زهير بن أبي سلمى
تحليل المقدمة الطللية
مِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ
:::بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّها
:::مَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ
بِها العَينُ وَالأَرآمُ يَمشينَ خِلفَةً
:::وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِمِ
وَقَفتُ بِها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً
:::فَلَأياً عَرَفتُ الدارَ بَعدَ التَوَهُّمِ
أَثافِيَّ سُفعاً في مُعَرَّسِ مِرجَلٍ
:::وَنُؤياً كَجِذمِ الحَوضِ لَم يَتَثَلَّمِ
فَلَمّا عَرَفتُ الدارَ قُلتُ لِرَبعِها
:::أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الرَبعُ وَاِسلَمِ.
نرى الشاعر في هذه المقدمة يتحدث عن أطلال الديار التي خلفتها حرب داحس والغبراء التي استمرت لأكثر من عشرين عامًا، بين قبيلة عبس وذبيان، اللتين اقتتلتا طويلًا إلى أن عُقد الصلح بينهما بحضور وجهاء العرب، وشاعر الحكمة زهير بن أبي سلمى الذي يريد في هذه القصيدة وصف ما آلت إليه الأوضاع بعد انتهاء الحرب وانتشار السلام.
ونرى الشاعر يصف هذه الديار بأنها مدمرة قد انمحت آثارها، حتى صارت مثل بقايا الوشم على اليد، ويقول إنّ الغزلان وأولادها انتشرن في هذه البلاد بعد أن كانت منطقة حرب، حتى أنّ الشاعر نفسه يعلن أنه يمشي في هذه البقعة من الأرض بعد عشرين عامًا كاملة، حتى أنّه بالكاد عرف هذه الديار، لكنه سعيد لحلول السلام، ويدعو لأصحاب هذه الديار وسكانها بالسلام والنعيم.
تحليل لوحة الظعائن (النساء)
تَبَصَّر خَليلي هَل تَرى مِن ظَعائِنٍ
:::تَحَمَّلنَ بِالعَلياءِ مِن فَوقِ جُرثُمِ
عَلَونَ بِأَنماطٍ عِتاقٍ وَكِلَّةٍ
:::وِرادٍ حَواشيها مُشاكِهَةِ الدَمِ
وَفيهِنَّ مَلهىً لِلصَديقِ وَمَنظَرٌ
:::أَنيقٌ لِعَينِ الناظِرِ المُتَوَسِّمِ
بَكَرنَ بُكوراً وَاِستَحَرنَ بِسُحرَةٍ
:::فَهُنَّ لِوادي الرَسِّ كَاليَدِ لِلفَمِ
جَعَلنَ القَنانَ عَن يَمينٍ وَحَزنَهُ
:::وَمَن بِالقَنانِ مِن مُحِلٍّ وَمُحرِمِ
ظَهَرنَ مِنَ السوبانِ ثُمَّ جَزَعنَهُ
:::عَلى كُلِّ قَينِيٍّ قَشيبٍ مُفَأَّمِ
كَأَنَّ فُتاتَ العِهنِ في كُلِّ مَنزِلٍ
:::نَزَلنَ بِهِ حَبُّ الفَنا لَم يُحَطَّمِ
فَلَمّا وَرَدنَ الماءَ زُرقاً جِمامُهُ
:::وَضَعنَ عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيِّمِ.
في هذه اللوحة نجد أنّ الشاعر يطلب من صديقيه الوقوف على الأطلال معه، فهذه عادة جرت عند الشعراء، فهذين الصديقين من خيال الشاعر، ونرى الشاعر يرسم لنا صورة النساء وهن ينزلن من كل جبل، ويأتين من كل وادٍ وهنّ آمنات على حياتهن، منظر النساء وهن مقبلات في الصباح الباكر منظر يسر العين، وهنّ ذاهبات لعيون الماء للشرب والاستمتاع.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ الشاعر لا يتغزل ولا يتصبب فهو شيخ طاعن بالسن، وإنما يريد أن يحكي لنا عن جمال نعمة الأمن بعد حرب طاحنة، فرؤية النساء في هذه المنطقة، وفي الوقت الباكر دون حماية لهن، هو دليل انتشار الأمن، فالشاعر يريد أن يشغف قلوب القوم بجمال السلام الذي حل بينهم.
تحليل لوحة المديح
سَعى ساعِيا غَيظِ بنِ مُرَّةَ بَعدَما
:::تَبَزَّلَ ما بَينَ العَشيرَةِ بِالدَمِ
فَأَقسَمتُ بِالبَيتِ الَّذي طافَ حَولَهُ
:::رِجالٌ بَنَوهُ مِن قُرَيشٍ وَجُرهُمِ
يَميناً لَنِعمَ السَيِّدانِ وُجِدتُما
:::عَلى كُلِّ حالٍ مِن سَحيلٍ وَمُبرَمِ
تَدارَكتُما عَبساً وَذُبيانَ بَعدَما
:::تَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ
وَقَد قُلتُما إِن نُدرِكِ السِلمَ واسِعاً
:::بِمالٍ وَمَعروفٍ مِنَ الأَمرِ نَسلَمِ
فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍ
:::بَعيدَينِ فيها مِن عُقوقٍ وَمَأثَمِ
عَظيمَينِ في عُليا مَعَدٍّ وَغَيرِها
:::وَمَن يَستَبِح كَنزاً مِنَ المَجدِ يَعظُمِ
فَأَصبَحَ يَجري فيهُمُ مِن تِلادِكُم
:::مَغانِمُ شَتّى مِن إِفالِ المُزَنَّمِ.
في هذه اللوحة نجد أنّ الشاعر يمتدح هرم بن سنان، والحارث بن عوف اللذين كان لهما الفضل في انتهاء حرب داحس والغبراء ، إذ دفعا دية قتلاها جميعهم، فنجد أنّ الشاعر يقسم برب البيت الحرام، بأنّ هذين الرجلين لم يأتِ على العرب مثلهما، فهما قد تداركا فناء قبيلتين، وأنهيا حربًا عظيمة.
وهنا يشير الشاعر إلى عظم دورهما، فصحيح أنهما دفعا مبالغ مالية كبيرة، إلا أنهما خلّدا اسميهما في التاريخ، فلا زالت قصتهما تُحكى إلى اليوم، فالمال يزول لكن السمعة والسيط الطيب يبقيان آخر العمر، فقد كانت تجارتهما رابحة.
تحليل لوحة مدح قبيلتي عبس وذبيان
تُعَفّى الكُلومُ بِالمِئينَ فَأَصبَحَت
:::يُنَجِّمُها مَن لَيسَ فيها بِمُجرِمِ
يُنَجِّمُها قَومٌ لِقَومٍ غَرامَةً
:::وَلَم يُهَريقوا بَينَهُم مِلءَ مِحجَمِ
فَمِن مُبلِغُ الأَحلافِ عَنّي رِسالَةً
:::وَذُبيانَ هَل أَقسَمتُمُ كُلَّ مُقسَمِ
فَلا تَكتُمُنَّ اللَهَ ما في نُفوسِكُم
:::لِيَخفى وَمَهما يُكتَمِ اللَهُ يَعلَمِ
يُؤَخَّر فَيوضَع في كِتابٍ فَيُدَّخَر
:::لِيَومِ الحِسابِ أَو يُعَجَّل فَيُنقَمِ
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
:::وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً
:::وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها
:::وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم
:::كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ
فَتُغلِل لَكُم ما لا تُغِلُّ لِأَهلِها
:::قُرىً بِالعِراقِ مِن قَفيزٍ وَدِرهَمِ
لَعَمري لَنِعمَ الحَيُّ جَرَّ عَلَيهِمُ
:::بِما لا يُواتيهِم حُصَينُ بنُ ضَمضَمِ
وَكانَ طَوى كَشحاً عَلى مُستَكِنَّةٍ
:::فَلا هُوَ أَبداها وَلَم يَتَجَمجَمِ
وَقالَ سَأَقضي حاجَتي ثُمَّ أَتَّقي
:::عَدُوّي بِأَلفٍ مِن وَرائِيَ مُلجَمِ
فَشَدَّ وَلَم تَفزَع بُيوتٌ كَثيرَةٌ
:::لَدى حَيثُ أَلقَت رَحلَها أُمُّ قَشعَمِ
لَدى أَسَدٍ شاكي السِلاحِ مُقَذَّفٍ
:::لَهُ لِبَدٌ أَظفارُهُ لَم تُقَلَّمِ
جَريءٍ مَتى يُظلَم يُعاقِب بِظُلمِهِ
:::سَريعاً وَإِلّا يُبدَ بِالظُلمِ يَظلِمِ
رَعَوا ما رَعَوا مِن ظِمئِهِم ثُمَّ أَورَدوا
:::غِماراً تَسيلُ بِالرِماحِ وَبِالدَمِ
فَقَضَّوا مَنايا بَينَهُم ثُمَّ أَصدَروا
:::إِلى كَلَأٍ مُستَوبِلٍ مُتَوَخَّمِ
لَعَمرُكَ ما جَرَّت عَلَيهِم رِماحُهُم
:::دَمَ اِبنِ نَهيكٍ أَو قَتيلِ المُثَلَّمِ
وَلا شارَكوا في القَومِ في دَمِ نَوفَلٍ
:::وَلا وَهَبٍ مِنهُم وَلا اِبنِ المُحَزَّمِ
فَكُلّاً أَراهُم أَصبَحوا يَعقِلونَهُم
:::عُلالَةَ أَلفٍ بَعدَ أَلفٍ مُصَتَّمِ
تُساقُ إِلى قَومٍ لِقَومٍ غَرامَةً
:::صَحيحاتِ مالٍ طالِعاتٍ بِمَخرِمِ
لِحَيٍّ حِلالٍ يَعصِمُ الناسَ أَمرُهُم
:::إِذا طَلَعَت إِحدى اللَيالي بِمُعظَمِ
كِرامٍ فَلا ذو الوِترِ يُدرِكُ وِترَهُ
:::لَدَيهِم وَلا الجاني عَلَيهِم بِمُسلَمِ.
في هذه اللوحة يبدأ الشاعر حديثه عن كمية القتلى الذين سقطوا في هذه الحرب، فيذكر أنهم بالمئات، لكن على الرغم من ذلك فقد حلّ السلام في هذه الربوع، ونرى الشاعر يخاطب قبيلة ذبيان، ويطالبها بالكشف عن نواياها إن أرادت نقض هذا العهد، ونجد أنّ الشاعر يذكرها بأن الله تعالى يعلم ما في النفوس، وأنه يعاقب كل خائن.
ومن ثم يعود لتذكير الطرفين بأن الحرب ثقيلة على النفوس، فهي تخطف الأنفاس، وتفرق الأحبة، وأن كلا الطرفين قد ذاقا من كأس هذه الحرب وأحسا بقسوتها، لكن هذه الحرب أفرزت فرسانًا عظامًا مثل حُصَينُ بنُ ضَمضَمِ، الذي كان تسير وراءه آلاف الفرسان.
ومن ثمَّ نجد أنّ الشاعر يتغنى بأفراد هاتين القبيلتين، ويذكر أنّهم أهل للثقة فلن يخلف أحدٌ أيًا كان العهد والسلام حتى لو لقي غريمه وصاحب ثأره، فقد انقضت الأثآر وانتهت العداوات، فهم أصحاب الكرم وحفظة العهد.
تحليل لوحة الحكمة
سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش
:::ثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ
رَأَيتُ المَنايا خَبطَ عَشواءَ مَن تُصِب
:::تُمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّر فَيَهرَمِ
وَأَعلَمُ عِلمَ اليَومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ
:::وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي
وَمَن لا يُصانِع في أُمورٍ كَثيرَةٍ
::: يُضَرَّس بِأَنيابٍ وَيوطَأ بِمَنسِمِ
وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِ
:::عَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ
وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ
:::يَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ
وَمَن لا يَذُد عَن حَوضِهِ بِسِلاحِهِ
:::يُهَدَّم وَ مَن لا يَظلِمِ الناسَ يُظلَمِ
وَمَن هابَ أَسبابَ المَنِيَّةِ يَلقَها
::: وَلَو رامَ أَسبابَ السَماءِ بِسُلَّمِ
وَمَن يَعصِ أَطرافَ الزُجاجِ فَإِنَّهُ
::: يُطيعُ العَوالي رُكِّبَت كُلَّ لَهذَمِ
وَمَن يوفِ لا يُذمَم وَمَن يُفضِ قَلبُهُ
:::إِلى مُطمَئِنِّ البِرِّ لا يَتَجَمجَمِ
وَمَن يَغتَرِب يَحسِب عَدُوّاً صَديقَهُ
:::وَمَن لا يُكَرِّم نَفسَهُ لا يُكَرَّمِ
وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ
::: وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ
وَمَن لا يَزَل يَستَحمِلُ الناسَ نَفسَهُ
:::وَلا يُغنِها يَوماً مِنَ الدَهرِ يُسأَمِ.
في هذه الأبيات نجد أنّ الشاعر ينهي قصيدته بلوحة اختزلت معاني الحكمة ، ففي البداية يشير إلى كونه شيخًا كبيرًا بلغ الثمانين من عمره، فقد خبِر الحياة وعلم تفاصيلها، ويشير إلى أنه تترتب على الإنسان واجبات كثيرة منها العمل الصالح، واحترام نفسه، واتقاء الشتائم، وذلك بأن يجعل لنفسه وقارًا وهيبة، ويتدارك الأخطاء والعيوب.
ويشير الشاعر إلى ثنائية الحياة والموت، فالموت قادم على جميع البشر دون استثناء، حتى وإن صعد الإنسان إلى السماء بسلم فلن يفلت من تقادير الموت، فالشاعر يحذر الإنسان من الموت قبل أن يترك عملا صالحًا، وأثرًا إيجابيًا في حياته.