تحليل قصيدة العيد للمتنبي
التحليل الموضوعي لقصيدة العيد للمتنبي
هذه القصيدة هي قصيدة هجاء لكافور الإخشيدي، بدأها الشاعر بسؤال العيد عن حاله الذي عاد به، والسبب بذلك أنّ هروبه من مصر قد تزامن مع ليلة عيد الأضحى، وقد وضع المُتنبي في قصيدته مجموعة لا بأس بها من صفات كافور، فمن الصفات الخُلقية أنّه وصفه كاذبًا خالف العهد، والدناءة في طبعه، فهو برأيه لا يتصف بصفات أصيلي النسب الكرام، فهو صاحب طبع لئيم، يقول المتنبي:
عِــيــدٌ بِــأَيَّــةِ حَــالٍ عُــدْتَ يَـا عِـيـدُ
:::بِـمَـا مَـضَـى أَمْ بِـأَمْـرٍ فِـيـكَ تَـجْـدِيـدُ
أَمَّــا الْأَحِــبَّــةُ فَــالْــبَــيْــدَاءُ دُونَــهُـمُ
:::فَــلَــيْــتَ دُونَــكَ بِــيـدًا دُونَـهَـا بِـيـدُ
أمّا الصفات الخَلقية فقد وصف لونه الأسود وجسمه المُترهّل والمُمتلئ، وأنّه مثقوب الشنعة، نتن الرائحة، وآذانه دامية من أثر يد النخاس فيها قبل بيعه، حيث يقول أبو الطيب المُتنبي :
مِـنْ كُـلِّ رِخْـوِ وِكَـاءِ الْـبَـطْـنِ مُـنْفَتِقٍ
:::لا فِـي الـرِّجَـالِ وَلَا الـنِّـسْوَانِ مَعْدُودُ
كما أورد الشاعر في قصيدته ما كان يُعانيه من ضيق وحزن بسبب الصعاب التي حلت عليه، وأنّه لم يلقَ في حياته غير القهر والهم، وقد وجّه الشاعر رسالة إلى أهل مصر بضرورة استعادة حكمهم من هذا العبد الذي وصل إلى الحكم بعد أن تآمر على سيّده، إذ يقول:
نَـامَـتْ نَـوَاطِـيـرُ مِـصْـرٍ عَـنْ ثَـعَـالِبِهَا
:::فَـقَـدْ بَـشِـمْـنَ وَمَـا تَـفْـنَـى الْـعَـنَـاقِيدُ
الْــعَــبْــدُ لَــيْــسَ لِــحُــرٍّ صَـالِـحٍ بِـأَخٍ
:::لَــوْ أَنَّــهُ فِــي ثِــيَــابِ الْـحُـرِّ مَـوْلُـودُ
التحليل الفني لقصيدة العيد للمتنبي
التحليل الفني لقصيدة العيد للمتنبي، والتي نُظمت على شكل القصيدة العمودية في العصر العباسي الثاني، فيما يأتي:لغة القصيدة | بحر القصيدة | روي القصيدة |
كُتبت باللغة الفصحى ، إلا أنّها كانت لغةً بسيطةً وقويةً بالوقت نفسه عبّر فيها الشاعر عمّا جال في خاطره من أفكار استوفاها بأبسط تعبير، ولعلّ السبب في ذلك أنّه يُوجهها إلى كافور الحاكم الأعجمي الذي لا يُدرك الفصحى بحق؛ فأراده أن يفهم ما أورده له فيها من هجاء، وقد قرّب المتنبي اللغة إلى المُتلقي من خلال الوصف الحسي الذي تعمّده في القصيدة عند وصفه لكافور. | اختار الشاعر أن ينظم القصيدة على البحر البسيط الذي يُعدّ من البحور الطويلة؛ لما له من جزالة الموسيقى ودقة الإيقاع الداخلي التي أضاف إليها المُتنبي من خلال اختياره لكلماتها وحروفها. | قام الشاعر ببناء قصيدته على روي حرف (الدال) الذي يُعدّ من الحروف الانفجارية، إذ يُنتج لفظه عن طريق الانطباق التام للسان مع أصول الثنايا العليا ثمّ الانفجار التام للصوت عند انفتاح اللسان عن أصول الثنايا، ولعلّ اختيار الشاعر لحرف الدال كان مقصودًا لما للحرف من تشابه مع ما جرى للشاعر من انحباس في أرض مصر تلاه انفجار كامل تمثّل في هروبه عن مصر وهجائه لكافور. |
نبذة عن علاقة الشاعر بكافور
تُعدّ قصيدة العيد للمُتنبي من أشهر القصائد، ودار حولها جدل نقدي وأدبي واسع، وحظيت بالتحليل عند نقّاد العرب، وقد نظمها المُتنبي بعد أن أقام مُدة من الزمن في مصر مُرغمًا على الإقامة في ظلّ حاكمٍ أعجميٍّ لم يُطق البقاء معه، لذا خطّط للهرب في ليلة عيد الأضحى هاربًا؛ ممّا لاقاه من ضغط نفسي، وهذا الضغط النفسي هو الذي دفعه إلى الإسهاب في ذمّ كافور الإخشيدي في القصيدة.
الهدف من قدوم المُتنبي إلى مصر هو طموحه بالحُكم عند كافور، إذ رغب في أن يُولّيه الإخشيدي إمارةً ما، وهذا ما دفعه إلى مدح كافور في مجموعةٍ من القصائد، لكن كافور كان يُدرك بذكائه عواقب الأمور وعَلِمَ ما قد يكون عليه الأمر لو أنّه أعطاه مُبتغاه، فظلّ يُؤمله ويُمنّيه دون الوفاء له بوعده، وعندما ملّ المُتنبي طالبه بالوفاء بوعده فأجابه كافور بالرفض.
شعر المُتنبي حينها بإذلال ما بعده إذلال، فها هو ذا الفتى العربي أصيل النسب يطلب الولاية من عبد حبشي ولا يعطاها، فتُصبح الدنيا حينئذ كافورية الثقل على صدره، كافورية اللون في عينه، وليس من الحكمة أن يُعبر عن مشاعره هذه وهو لا يزال في قبضته، فأصبح يصل الليل بالنهار تدبيرًا وتخطيطًا للفرار من مصر.
عندما سنحت له الفرصة أخيرًا، وها هو ذا الزمان الذي رمى به في أحضان كافور هو نفسه الذي ينقذه منه، وها هي ذي ليلة العيد تشغل كافورًا وعيونه وأهل مصر جميعًا، فيستغلها المُتنبي هاربًا مُخلفًا وراءه تهنئته لكافور بالعيد.