تحليل قصيدة الحلاج في حب الرسول
تحليل قصيدة الحلاج في حب الرسول
تحليل الأبيات (1-4)
وَاللَه ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَرُبَت
:::إِلّا وَحُبُّكَ مَقرونٌ بِأَنفاسي
وَلا جَلستُ إِلى قَومٍ أُحَدِّثُهُم
:::إِلّا وَأَنتَ حَديثي بَينَ جُلّاسي
وَلا ذَكَرتُكَ مَحزوناً وَلا فَرِحاً
:::إِلّا وَأَنت بِقَلبي بَينَ وِسواسي
وَلا هَمَمتُ بِشُربِ الماءِ مِن عَطَشٍ
:::إِلّا رَأَيتُ خَيالاً مِنكَ في الكَأسِ
يفتتح الشاعر قصيدته باستخدام أسلوب القسم ، فيقسم بذات الله على استقرار حب ممدوحه الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- معززًا هذا القسم باستعمال أسلوب الحصر من خلال النفي والاستثناء، فالشاعر يحصر ويقسم بأنّ محبته وعشقه تكمن في الرسول، ولا يوجد أحد يشاركه فيها، فالرسول قد استحوذ على قلبه، ويعزز الشاعر ذلك بأن هذه المحبة لم تقترن بزمن، فلو غابت الشمس أو أشرقت لن تتغير هذه المحبة، وستظل دائمة له.
أمّا في البيت الثاني يفتتحه الشاعر باستعمال أسلوب الحصر أيضًا، فهذا الأسلوب له دلالة تتمثل بقصر الشيء على مقصورة وحصره به، وهنا نجد أنّ الشاعر يحصر الاهتمام والحديث فقط في موضوع الرسول الكريم، فالشاعر متيم بالنبي، ونرى هذا العشق حاضرًا بشغف من خلال تكرار استعمال أسلوب الحصر، وتركيز الحديث على النبي الكريم.
وفي البيت الثالث نجد أنّ الشاعر يعيد استعمال أسلوب الحصر للمرة الثالثة، لكن هنا نجد أنّ الشاعر يوظفه في منحى آخر وهو جعل ذكر الرسول سببًا في سعادة الشاعر، فها نجد أنّ الشاعر يعمق دلالات الحب، فحصر سعادته وذهاب حزنه وقرنها برؤية النبي الكريم.
أما البيت الرابع فقد كان آخر بيت يستحضر فيه الشاعر أسلوب الحصر، وفيه نجد أنّ دلالات وإشارات الحب قد تعمقت إلى أقصى الحدود، وذلك أنّ أبسط أفعال الشاعر صارت تذكره بالنبي، فحتى شرب الماء لا يفتأ يذكره بمحبوبه، فصار حب النبي ملازمًا له في كافة أحواله وظروفه، ولعلنا نستشف من قرأتنا للأبيات السابقة أنّ الشاعر يتدرج في وصف حبه للنبي، وكان وصفه تصاعديًا متزايدًا، فكلما تقدم الزمن، وأضيف بيت للقصيدة، زادت درجة الحب، وانتقلت من الجوارح إلى الروح.
تحليل الأبيات (4-7)
وَلَو قَدَرتُ عَلى الإِتيانِ جِئتُكُم
:::سَعياً عَلى الوَجهِ أَو مَشياً عَلى الرَأسِ
وَيا فَتى الحَيِّ إِن غَنّيتَ لي طَرَباً
:::فَغَنّنّي واسِفاً مِن قَلبِكَ القاسي
مالي وَلَلناسِ كَم يَلحونَني سَفَهاً
:::ديني لِنَفسي وَدينُ الناسِ لِلناسِ
في هذه الأبيات نجد أنّ الشاعر ينقطع عن أسلوب الحصر، وينتقل منوعًا في الأساليب اللغويّة، فيستعم أسلوب الشرط مستخدمًا حرف الشرط غير الجازم لو الذي يفيد معنى الامتناع لامتناع، فالشاعر يريد أن يذهب إلى حضرة النبي حتى لو كان يمشي رأسًا على عقب، أو يسير على وجهه. لكن هذا الأمر ممتنع، فالنبي الكريم انتقل إلى جوار الله تعالى، أمّا الشاعر فلا يستطيع أن يمشي على هذه الصورة، فالشاعر يحاول أن يعمّق مدى حبه للنبي.
أمّا في البيت التالي فنجد أنّ الشاعر يستعمل أسلوب النداء ، ويخاطب فتىً من فتيان الحي، ويطالبه بأن ينشد شعرًا يصف فيه تمنع المحبوب وتعززه عن حبيبه، فالشاعر يستعمل أسلوب النداء للبعيد لمخاطبة القريب، ولعل ذلك من باب تعزيز تقريب البعيد، فالشاعر قلبه معلق بسيدنا محمد مع أنّه بعيد عنه، لكنه قريب منه روحيًا.
أمّا في البيت الأخير نجد أنّ يكشف عن معاناته مع الناس، فالشاعر يعتنق الفكر الصوفي ، وهو فكر عليه بعض التحفظات من المجتمع، لا سيما في موضوع الحب والعشق، وأنّه أساس علاقة العبد بربه، فنرى أنّ الشاعر يصف لنا قول الناس في، وهو نعتهم له بالسفاهة، فالشاعر في حبه الشديد لسيدنا محمد، وتعلقه بذكره أصبح في أعين بعض الناس سفيهًا ومجنونًا، ومع ذلك يرفض الشاعر أن يرد عليهم، بل نده يذكر عبارة خطرة في نهاية القصيدة.
فهذه العبارة تتمثل بقوله ديني لنفسي ودين الناس للناس، فالشاعر هنا وقع في مأزق عَقَدَيّ وهو أنّه ادعى بأنّه له دين، وللناس دين، لكن الحقيقة أنّ التعبير خانه، فهو لا يقصد بأنّه يعتنق دينًا يختلف عن دين عامة المسلمين، وإنما يقصد الطريقة والمنهج، فالشاعر في علاقته الدينية يعلن حبّه للنبي الكريم، وبالتالي يعلن حبّه للخالق تعالى، فطريقته هي الحب، أمّا باقي الناس فطريقتهم الخوف والطمع، فالشاعر ينماز عن الناس بأنّه محب وعاشق للنبي الكريم.