تحليل قصيدة أحزان في الأندلس
تحليل قصيدة أحزان في الأندلس
أحزان في الأندلس قصيدة نظمها الشاعر العربي السوري نزار قباني ، وتحليلها فيما يأتي:
استخدام المفردات
استخدم نزار قباني في قصيدته، على الرغم من أهمية موضوعها وعمقها المفردات البسيطة السهلة، والتي يُمكن لأيّ منّا فهم المعنى المستفاد منها، وقد تعمل الكلمات على نسج جمل مفيدة تذهب بالقارئ بعيدًا، حيث التاريخ الذي طرقه نزار قباني دون الإخلال بالواقع المعاش، وذلك من خلال كلمات ذات طبيعة إيحائية تكون أحيانًا فعلًا ماضيًا بالتوازي مع الزمن الحاضر، ومن ذلك قوله:
- كتبت لي يا غالية
- كتبت تسألين عن إسبانية
شكل القصيدة
انتقل نزار قباني في شكل القصيدة (أحزان الأندلس) من القصيدة العمودية التي استخدمها الشعراء العرب منذ العصر الجاهلي، وحتى يومنا هذا والمنظومة على أبحر الشعر التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي، إلى شكل أبسط وأقرب إلى الغناء والموسيقى، وهو الشعر الحر ، والذي يعتمد نظام الأسطر، فالشطرة هي الأساس في هذا النظم وتتغير التفعيلات فيه حسب الموسيقى الشعرية في القصيدة المنظومة، ومنها قوله:
- كتبت لي يا غالية
- كتبت تسألين عن إسبانية
- عن طارق يفتح باسم الله دنيا ثانية
- عن عقبة بن نافع
- يزرع شتلة نخلة
- في قلب كل رابية
- سألت عن أمية
- سألت عن أميرها معاوية
- عن السرايا الزاهية
- تحمل من دمشق في ركابها
توظيف الرمز
يُعدّ الرمز من الأشكال الخاصة التي تربط بين الحالة النفسية للإنسان وبعض الأشياء من حوله، وهي كذلك تربط بين نفسية الشاعر والأشياء التي يتفاعل معها في حياته، وينقلها للقارئ في قصيدته، وتظهر هذه العلاقة بشكل غير مباشر، ونرى هذا بوضوح في قصيدة "أحزان الأندلس"، حيث يستمد الشاعر الرمز من الأحداث التاريخية التي سادت حكم العرب في الأندلس خلال فترة من الزمن.
في هذه الجزئية من التحليل نُلاحظ ذكر نزار قباني للقادة الذين كان لهم دور بارز في حكم الأندلس، وتثبيت الوجود العربي المسلم فيها، مثل: طارق بن زياد، صاحب البطولات والصمود في سبيل الهدف الذي يُريد تحقيقه، ولا ينسى عقبة بن نافع، عابر المحيط وفاتح طنجة وغيرها من دول المغرب العربي، وفي ذات المجال يذكر الأماكن التي ارتبطت بوجودهم فيها، ومن ذلك قوله:
- لم يبق من قرطبة
- سوى دموع المئذنان الباكية
التشكيل الموسيقي
قامت قصيدة أحزان في الأندلس على الوحدة الموسيقية في نظم القصيدة، ونرى الشطرة هي سيدة الموقف في قصيدة أحزان في الأندلس، هذا وقد اعتمد نزار قباني في قصيدة أحزان في الأندلس على بحر الرجز الذي يُعتبر من البحور الصافية المعبرة، ولها من التفعيلات تفعيلة واحدة هي: (مستفعلن)، حسب حاجة الشاعر، وما تقتضيه صياغة القصيدة.
الصورة الشعرية واستخدام التشبيه
كانت الصورة الشعرية تقوم على العلاقات التي تربط بين المشبه والمشبه به، ولكنها عند نزار قباني في قصيدته أحزان في الأندلس إلى نوع من الحضور والمشاهدة لما يحصل، بحيث تُعبر عن مشاعر ينقلها الشاعر، فترسم للمتلقي صورة الأندلس، وقد لفها الحزن كما أصاب جميع العرب من تدهور الحال فيها، ومدى حزن الشاعر نفسه وأسفه على ما حصل في حاضرة الحضارة الإسلامية (الأندلس).
تُلاحظ قدرة نزار قباني على رسم الصورة الشعرية لما حصل في الأندلس، وتدهور أحوالها، ويربط بينها وبين أوضاع العالم العربي، فتظهر الأحزان وعمق المشاعر التي يشعر بها الشاعر والعرب جميعًا معه، وذلك من خلال الأبيات الآتية:
- مضت قرون خمسة
- مذ رحل الخليفة الصغيرعن إسبانيه
- ولم تزل أحقادنا صغيرة
- كما هيه
- ولم تزل عقلية العشيره
- في دمنا كما هيه
- حوارنا اليومي بالخناجر
- أفكارنا أشبه بالأظافر
- مضت قرون خمسة
تكثر التشبيهات في قصيدة أحزان في الأندلس وربما السبب في ذلك طبيعة الموضوع، واستخدام الخيال في تقريب صورة حصول الوقائع، والحديث مع السائلة لتقريب الصورة أيضًا، مثل قوله: "أفكارنا أشبه بالأظافر"، فالمقصود منها حدة العربي على أخيه العربي، فالأظافر وسيلة دفاع ضعيفة تُستخدم لمواجهة القريب، وليس لها قيمة في الهجوم القوي البعيد.
التناص والخيال
يتعرض القارئ إلى تأويل النص الذي بين يديه من خلال الربط بين القراءة الاستكشافية والقراءة التأويلية للنص، وذلك باستخدام فهمه لهذا المقروء مع النصوص الأخرى، وهو المعني بكلمة التناص، ويكون الأحقية بالأفضلية للسابق؛ لأنّه صاحب السبق، ومن خلال هذا الفهم للمفردة نُلاحظ وجود علاقة واضحة بين قصيدة أحزان في الأندلس، وبين قصيدة ابن زيدون التي يقول فيها:
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
- وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا
- حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا
استخدم نزار قباني الخيال في أكثر من موقع بدايةً من خلال الحوارية بينه وبين السائلة، حيث تسأله عن إسبانيا ويُجيبها عن الأندلس، ويتخيل الفردوس المفقود للعرب، ويُركب من خلال ذلك صورًا جزئيةً عن الأحداث التي أحاطت خروج العرب من الأندلس، وتلك الحالة من الحزن التي غلفت مشاعر الشاعر والعرب في كل مكان، فكونت صورةً كليةً حول ما حصل باستخدام مخيلة الشاعر.