تحليل قصة الشقاء لأنطون تشيخوف
التحليل الموضوعي لقصة الشقاء
تتحدث قصة الشقاء حول الشخصية الرئيسة أيونا بابتوف الرجل المسنّ الفقير الذي كان قد فقد ابنه منذ أسبوع، ولكن بسبب صعوبة العيش والفقر يضطر إلى الذهاب إلى عمله، وهو قيادة المركبة التي يجرّها الحصان، وبسبب أنّ قلبه مكلوم بالفقد والحزن يعتصره يودّ لو أنّ أحدًا من الركاب الذين ينقلهم يستمعون إلى قصته.
ويبدأ الرجل المسنّ بالبوح عن الألم الذي يشعر به، لكنه لا يجد الاستماع والتعاطف اللذين كان ينشدهما من النّاس، حتّى إنّه كان ينقص من أجرة بعض الرّكاب أحيانًا رغم عَوَزه للمال، ولكن فداء للتعاطف الذي يحتاجه في أزمته، وبعد أن يشعر بالخذلان واليأس من أن يلقى الدعم من الرّكاب الذين لم يكونوا يفكرون سوى في وجهتهم، يقرّر الشكوى إلى حصانه الذي يبدي استعداده للاستماع.
التحليل الأسلوبي لقصة الشقاء
من خلال أسلوبه في الكتابة والتصوير، يُظهر أنطون تشيخوف بشكل فعّال اليأس من التفاعل والمحاولة القاتلة لاستجداء العواطف من الآخرين دون جدوى، وقد كتب تشيخوف القصة وفقًا للمذهب الواقعي في الأدب، للتعبير بكل شفافية عن الحزن العميق الذي قد يحمله صدر رجلٍ فقد ولده؛ إذ إن الكاتب هيّأ القارئ لجو الحزن من خلال أسلوبه الذكي، باستعمال المجاز، والخلفيات، والظروف، كأن يتحدث عن شفق المساء، والظلمة التي تصل للموت في نهاية الطريق، مما ساعد على خلق مزاج كئيب للقارئ.
الاستعارة والصور الفنية لقصة الشقاء
حاول أنطون تشيخوف جعل المشهد القصصي البائس يُعبّر عن الشقاء من خلال الظروف والتفاصيل في القصة والاستعارات والصور الفنية، فاختار أن يكون الجو ثلجًا شديد البرودة؛ إذ إنّ الثلج يتساقط والشخصيات ثابتة وإيونا بطل القصة ثابت الأسى غير قادر على المشاركة، فصورة الثلج عبّرت بدقة عن برودة العالم، والعواطف، والوحدة.
كما أنّ استعارة "الجلوس على الشوك" وهي الجملة التي قدّمها أحد الرّكاب إلى أيونا تُعبّر عن الوضع الماديّ الشحيح له، كما استخدم تشيخوف في القصة تعبيرًا عن حاجة أيونا للكلام بالظمآن الذي يحتاج إلى الارتواء.
الحوار والسرد في قصة الشقاء
استخدم تشيخوف أسلوبًا مميزًا في القصة؛ إذ إنّه لا يفشي أفكار الشخصيات ولا أًصواتهم الداخلية من خلال المونولوج، فلا يمكن لنا تحليل صفات الشخصية أو فهم أهدافها ومشاعرها إلّا عن طريق الحوار الصريح المباشر، أو من خلال سّرد الأحداث والظروف التي يصنعها الرّاوي في القصة، ويمكننا القول إنّ أسلوب تشيخوف في السرد يصنّف على أنّه عرضٌ للمشهد لا توصيفٌ له، وكأنّ الأسلوب السّردي المتّبع حوّل القصة إلى مشهد يتم تمثيله على خشبة المسرح، نظرًا لشدّة وضوحه وواقعِيته غير المحصورة في صفحات الكتاب.
آراء النقاد حول قصة الشقاء
لا بدّ لأيّ عمل أن يتعرّض للنقد سواء أكان إيجابيًّا أم سلبيًّا، ومن آراء النقاد حول قصة الشقاء ما يأتي:
- تكشف سيرة أنطون تشيخوف عن معاناته في السنوات الثلاث التي عاشها وحيدًا بسبب تركه المنزل نتيجة للفقر الذين عاناه، فمن يقرأ البؤس يستطيع أن يعرف أنّ تشيخوف لم يخرج من حدود تجربته الشخصية ليسقطها على إيونا.
- تبيّن الرواية وتفصح عن شخصية كاتبها وعن حزنه على البشر في المجتمعات الليبرالية، الذين يخافون أن يثقوا في أحد وتملأ قلوبهم البرودة.
- تبرز هذه القصة باحترافية خوف النّاس من البقاء بمفردهم، وتبين أنّ الحاجة الاجتماعية أساسية للتقدم في الحياة.
شخصيات قصة الشقاء
لم تكن قصة الشقاء كثيرة الشخصيات، فلم يكن التركيز على عددهم بقدر أدوار كلٍّ منهم في أحداث القصة وخدمة فكرتها، أمّا عن الشخصيات فهي كالآتي:
- إيونا: وهو الشخصية الرئيسة في القصة، رجل كبير في السنّ يبدو على مظهره الشقاء والفقر، بداخله أسىً كبير بسبب فقدانه لابنه بشكل مفاجئ، وتملأه الحاجة النفسية إلى كسب تعاطف الناس والتحدث معهم.
- ضابط الشرطة: الذي يسأل عن الطريقة التي مات بها ابن إيونا، ثم يختفي تعاطفه المؤقت ليطلب من إيونا أن يجعل عينيه على الطريق ويتحرك، لأنه شخصية غير مبالية بمشاعر الآخرين.
- ثلاثة شبان ركّاب: يبدأ الرجل القصير بينهم في السخرية من فقر إيونا ومظهره وثيابه، وعندما يخبرهم بوفاة ابنه يقولون: كلّنا سنموت متجاهلين بذلك حزنه، شخصيات غير مكترثة تملأها القسوة، والرغبة في التنمر على الآخرين.
- الحصان: ويكمن دوره في القصة عدا عن كونه محرّك العربة التي يعمل عليها إيونا، في أنه الشخصية الوحيدة التي استطاع البطل التحدث إليها عن حزنه، معبرًا بذلك عن أنّه لم يجد الخير المنشود في البشر ولقيه عند الحيوان.
أهم الدروس المستفادة من قصة الشقاء
انطوت قصة الشقاء على العديد من العبر الإنسانية والدروس التي يمكن الأخذ بها، ومنها:
- هدفت هذه القصة إلى جعل الإنسان اللامبالي منتبهًا وواعيًا لمعاناة الآخرين، فنحن نعيش في عالم مكتظٍ دائم الانشغال، ويسير بسرعة كبيرة ينسى النّاس معها أن يلتفتوا إلى بعضهم.
- بيّنت القصة في جوانبها العاطفية أنّ البشر لا يفهمون أنّ الآخرين قد يغرقون في المعاناة وأنّ كلمة منهم أو لحظة استماع قد تساعدهم، فقد بيّن تشيخوف أنّ في قلب البشر جميعًا ما يجعلهم مثيرين للشفقة.
- تقدم القصة بناءً على البؤس الواقعي الذي قدمه تشيخوف نصيحة للبشر أجمعين أنّه لا بد أن نكون رحماءَ ببعضنا بعضًا، وإن لم نستطع المساندة بالفعل فقد يكون كافيًا ألّا نزيد من معاناة الآخرين.
- يطرح تشيخوف فكرةً تنتهي بها القصة قد تكون مؤذية في حدث لجوء إيونا إلى الحديث مع حصانه، أنّ الحيوانات قد تكون رحيمة بالإنسان وداعمةً له أكثر من بني جنسه.
تُعدّ قصة الشقاء من القصص الواقعية في الأدب، والتي تصوّر معاناة الإنسان في البحث عن التعاطف والمشاركة داخل مجتمع لا يبالي، وفي وسط بشر مشغولين دائمًا بأنفسهم غير مستعدين للعطاء ولو بالوقت والاستماع، وقد استخدم أنطون تشيخوف في القصة لغته القوية وأسلوبه المميز للتعبير عن البؤس والشقاء في الظرف العام للقصة ومناخها وهيئة البطل شديد الفقر والكدح، معبّرًا عن الحاجة النفسية لدى البشر في المشاركة الاجتماعية وتلّقي التعاطف والدّعم، منوّهًا عن ضرورة مساندة البشر لبعضهم والتعامل معهم بمبالاة مستَحَقة.