تحليل قصائد نزار قباني
التحليل الموضوعي لشعر نزار قباني
شغل أشعار نزار قباني موضوعان رئيسان، وهما: المرأة والوطن، فأمّا المرأة فقد ظهرت في أشكالٍ متعدّدة، أمّا الوطن فلم يظهر بشكل جلي إلّا بشكل متأخّر، ولعلّ أبرز الميّزات الواضحة في أشعار نزار قباني ، هي:
- الابتعاد عن الخيال وتصوير مشكلات الناس
فالشاعر نزار قباني هو شاعر واقعي، ابتعد عن الكلاسيكية في الأدب واتّجه إلى الشّارع ومشكلاته، وهذا الأمر يمكن اكتشافه من عناوين شعره السياسي، ومن ذلك "خبز وحشيش وقمر" التي يقول فيها:
:عندما يولد في الشرق القمر
:فالسطوح البيض تغفو
:تحت أكداس الزهر
:يترك الناس الحوانيت ويمضون زمر
:لملاقاة القمر
:يحملون الخبز والحاكي إلى رأس الجبال
:ومعدات الخدر
:ويبيعون ويشرون خيال
:وصور
:ويموتون إذا عاش القمر
- مؤازرة حركات التحرر السياسية والاجتماعية
فلم يكن بمنأى عن الأحداث السياسية التي تحيط به ومن ذلك ما جاء في قصيدته "ثلاثية أطفال الحجارة" إذ قال:
:بهروا الدنيا..
:وما في يدهم إلا الحجاره..
:وأضاؤوا كالقناديل، وجاؤوا كالبشاره
:قاوموا.. وانفجروا.. واستشهدوا
:وبقينا دببًا قطبيةً
:صفحت أجسادها ضد الحراره
- بساطة الكلمات
إذ إنّ معظم الكلمات المؤلّفة لأشعار نزار قبّاني هي كلمات بسيطة وقد تكون أقرب إلى العامية، منها قوله في قصيدة "خمس رسائل إلى أمي":
:صباح الخير يا حلوه..
:صباح الخير يا قديستي الحلوه
:مضى عامان يا أمي
:على الولد الذي أبحر
:برحلته الخرافيه
- الاهتمام برسم النموذج البطولي وإبرازه
وهذا الأمر كثير عند نزار، ومن ذلك رسم بطولية "جميلة بوحيرد" التي تكلّم عنها في قصيدته التي تحمل الاسم ذاته، يقول فيها:
:الاسم: جميلة بوحيرد
:رقم الزنزانة: تسعونا
:في السجن الحربيّ بوهران
:والعمر اثنان وعشرونا
- السّخرية
فقد عمد إليها لإبراز نقاط الضّعف أو التّخلّف، مثل شعره في قصيدة "خبز وحشيش وقمر" إذ يقول:
:ما الذي يفعله قرص ضياء؟
:ببلادي..
:ببلاد الأنبياء..
:وبلاد البسطاء..
:ماضغي التبغ وتجار الخدر
- التمرّد والرفض
رفض نزار قبّاني الواقع السّياسي والاجتماعي وثار عليه بأشعاره، ومثال ذلك كثير من أشعاره السياسية قصيدة "المهرولون" التي يقول فيها:
:سقطت آخر جدران الحياء
:وفرحنا.. ورقصنا
:وتباركنا بتوقيع سلام الجبناء
:لم يعد يرعبنا شيءٌ
:ولا يخجلنا شيءٌ.
- ماديّة شعره
فقد لجأ إلى المادّيات والمحسوسات، ففي غزله على سبيل المثال لجأ إلى الوصف المادي للمحبوبة، مثل قصيدة "صباحك سكر" إذ يقول:
إذا جئتني ذات يوم بثوبٍ
:::كعشب البحيرات.. أخضر.. أخضر
وشعرك ملقىً على كتفيك
:::كبحرٍ.. كأبعاد ليلٍ مبعثر
ونهدك.. تحت ارتفاف القميص
:::شهي. شهي. كطعنة خنجر
- استغلال التراث واستدعاء الشّخصيات التاريخية
استطاع نزار قباني أن يستخدم الرمز بشكل جيد في قصائده ووظّفه بما يدعم المعنى الذي يرنو إليه، مثل شخصية "عنترة" في القصيدة التي تحمل اسمه، يقول فيها:
:هـذي البلاد شقةٌ مفروشةٌ
:يملكها شخصٌ يسمى عنتره
:يسكر طوال الليل عند بابها
:ويجمع الإيجار من سكانها
:ويطلب الزواج من نسوانها
:ويطلق النار على الأشجار
:والأطفال.. والعيون.. والأثداء
:والضفائر المعطره
التحليل الإيقاعي لشعر نزار قباني
يُعدّ الإيقاع أمرًا مهمًّا رئيسًا في دراسة البنى الشّعرية، ولا سيّما أنّ الصوت يشكّل كما الجسد بالنسبة للإنسان، فهو جسد الشّعر، وبه يقوم المعنى ويصحّ التقطيع.
المادة الصوتية في السياق اللغوي هي عبارة عن الأصوات المتميّزة من تعاقب الرنات المختلفة للحركات والإيقاع والشدة وطول الأصوات والتكرار وتجانس الأصوات المتحرّكة والسّاكنة والسّكنات، وغير ذلك ممّا يثير الإيقاع ويغنيه، وينقسم الإيقاع في القصيدة إلى:
موسيقا داخلية
تنبع الموسيقا الداخليّة عن الاختيار الصّحيح للألفاظ التي تُوحي بالترابط بين المعاني والأفكار، فالموسيقا الدّاخلية إيقاع يصدر عن الكلمة الواحدة، ومن مصادر الموسيقا الدّاخليّة في أشعار نزار قبّاني:
- التّكرار الصوتي
هذا التكرار قد يكون تكرار شطر من الشّعر، وقد يكون تكرار مقطع من بيت، وقد يكون تكرار كلمة، وقد يكون تكرار حرف، ومن ذلك قوله في قصيدة بلقيس:
:بلقيس..
:يا بلقيس..
:يا بلقيس
:كل غمامةٍ تبكي عليك..
:فمن ترى يبكي عليا..
:بلقيس.. كيف رحلت صامتةً
:بلقيس..
:كيف تركتنا في الريح..
:نرجف مثل أوراق الشجر؟
- الجهر والهمس
إنّ الجهر هو اهتزاز الحبلين الصوتيين بقوة كافية وإحداثهما صوت موسيقي يختلف درجته بحسب مدة الاهتزاز، وأحرف الجهر هي: "ب- ج- د- ذ- ر- ز- ض- ظ- ع- غ- ل- م- ن- و- ي".
أمّا الهمس فهو الحروف التي لا يهتز عند النطق بها الوتران الصوتيان ولا يحدثان أيّ نين، وهذه الأحرف مجموعة في جملة "حثّه شخصٌ فسكت"، ومن ذلك قول نزار:
كميسِ الهوادجِ شرقيّةٌ
:::ترشّ على الشّمسِ حلو الحِدا
- الشّدة والرخاوة
الشّدة هي صوت شديد يحدث انقطاعًا للهواء في الرئتين عند إصداره، والأصوات الشديدة هي: "الهمزة، القاف، الجيم، الطاء، التاء، الدال، الباء" أمّا الرخاوة فهو صوت رخو لا يصحبه انقطاع للهواء في الرئتين، والأصوات الرخوة هي: الهاء، الحاء، العين، الشين، الصاد، الفاء، الزاي، السين، الظاء، التاء، الذال"، ومن أمثلة ذلك عند نزار:
:لا تمتقع
:هي كِلْمَةٌ عجلى
:إنّي لأشعر أنّني
:حبلى
موسيقا خارجية
الموسيقا الخارجية تنبع في القصيدة من خلال البحر الذي تُبنى عليه القصيدة، ومعظم شعر نزار كان موزونًا سواء أكان شطرين أم تفعيلة؛ فالتفعيلة هي شعر يُبنى على تفعيلة بحر معيّن، فيُعدّ هذا الشعر من الشعر الموزون، ومن ذلك قول نزار:
إنّي لأرفض أن أكون مهرجًا
:::قزمًا.. على كلماته يحتال
فإذا وقفتُ أمام حسنك صامتًا
:::فالصمتُ في حرم الجمال جمال
كلماتنا في الحب.. تقتل حبنا
:::إنّ الحروف تموت حين تقال
وقوله:
:إجلسي خمس دقائق
:لا يريد الشعر كي يسقط كالدرويش
:في الغيبوبة الكبرى
:سوى خمس دقائق
التحليل الصرفي لشعر نزار قباني
تعدّدت الصّيغ الصّرفية التي استخدمها نزار قبّاني، وتنوّت بتنوّع أغراضها وأسباب ورودها، فبالنسبة للأفعال فقد توزّعت الأفعال وتنوّعت بين الفعل الماضي والمضارع والأمر، وقد كان لكلّ فعل من هذه الأفعال دلالته الخاصّة به.
يُشير الفعل الماضي بحسب دلالته الحرفية إلى أمرٍ قد حدث في زمن الماضي، إلّا إن ظهر شيءٌ حوّل معنى الفعل الماضي إلى زمنٍ آخر، ومن ذلك قوله:
:عيناك.. آخر مركبين يسافران
:فهل هنالك من مكان؟
:إني تعبت من التسكع في محطات الجنون
:وما وصلت إلى مكان
:عيناك آخر فرصتين متاحتين
:لمن يفكر بالهروب
:وأنا.. أفكر بالهروب
يدلّ الماضي على الثّبات والتّحقّق، أمّا الفعل المضارع فهو يقوم على تصوير الأحداث وتجسيد الأفكار، فالفعل المضارع يقتضي تحديد المعنى والمزاولة وتحديد الصفة في الوقت، أمّا فعل الأمر فهو أحد الأساليب الإنشائيّة الطلبيّة ؛ إذ إنّه طلبٌ موجّه من المتكلّم إلى المخاطب يطلب منه من خلاله تنفيذ أمر ما على جهة الاستعلاء والإلزام.
قد يخرج فعل الأمر إلى دلالات أخرى في النص بحسب ما أقرّه البلاغيون، ومن أمثلة فعل الأمر عند نزار:
لا تطلبي منّي حسابَ حياتي
:::إنّ الحديثَ يطولُ يا مولاتي
المرأة في شعر نزار قباني
شغلت المرأة في الشعر العربي حيِّزًا ملحوظًا، فأصبح لها غرضٌ مستقلٌّ بذاته، وهو "الغزل" وهذا الغزل قد انقسم إلى قسمين، غزل عفيف وغزل صريح، ثمّ انتقل ذكر المرأة إلى أغراض شعريّة أخرى؛ فهي الأم والأخت.
تناول نزار قبّاني المرأة مطلقًا بأشعاره، ليست المحبوبة فحسب، بل الأم والأخت أيضًا، من ذلك قوله عن المرأة الأم:
:صباح الخير يا حلوه
:صباح الخير يا قديستي الحلوه
:مضى عامان يا أمي
:على الولد الذي أبحر
:برحلته الخرافيه
وقوله عن المرأة الجسد:
:مذعورة الفستان.. لا تهربي
:لي رأي فنان، وعينا نبي
:وألتف بالعقد.. وبالجورب
:وألتهم الخيط.. وما تحته
:واقتحم النهد.. وأسواره
السياسة في شعر نزار قباني
إنّ الوطن كان حاضرًا عند نزار قباني منذ بدايات شعره، وهو الهم الذي جعل من نزار يقول شعرًا في السياسة، وإن لم يكن ذلك بصورة جليّة، فقد ظهر في قصيدته الأولى "قالت لي السمراء"، وذلك حين قال:
:أنا لبلادي.. لجمالها
:لغيماتها.. للشذا.. للندى..
:سفحتُ قواريرًا لوني نهورًا
:على وطني الأخضر المفتدى
في شعره الغزلي قد ورد ذكره للوطن وتغنّى به كما يتغنّى بمحبوبته، وعبّر عن شوقه إليه، لكنّ شعر نزار قباني قبيل النكسة ليس كشعره السياسي بعد النكسة، إذ تحوّلت آراؤه ونظرته إلى اتجاهات أخرى.
نزار قباني هو شاعر الثورة والتمرد والتحريض، وأمّا سياسته الشعرية فقد قامت على اقتحام جميع المحرمات، ومن أمثلة شعره السّياسي ما جاء في ديوانه "قالت لي السمراء" فقد تقمّص شخصيّة الدّاعي للإصلاح؛ حيث يحثّ الحاكم العربي على الاستيقاظ من ذاتيته المتمثّلة في إشباع شهواته ورغباته، وذلك في قوله:
:أفيقي من الليلة الشاعلة
ثمّ يوضّح للحاكم العربي أن عيوبه قد انكشفت، فيقول:
:ورُدّي عباءتك المائلة
لم يقصد هنا المرأة؛ لأنّ المرأة في شعر نزار قباني هي من الطبقة البرجوازية، وهذه الطبقة لا تلبس العبايات، ثمّ يتوصّل أخيرًا إلى قمّة صورة الحاكم السلبية حتى يصل إلى نهايته، فيقول:
:أفيقي.. فإنّ الصباح المطلّ
:ستفضح شهوتك السافلة
ورد الوطن وقضاياه في بواكير قصائد نزار قباني ، ولكن رمز إليها رمزًا على عادة الشعراء حين يقولون شعرًا سياسيًّا ممنوعًا.
أبرز الآراء النقدية حول شعر نزار قباني
وقف النقاد من أشعار نزار قبّاني في موقفين مختلفين، فقسمٌ منهم رأى في أشعاره موقفًا رجعيًّا من حيث نظرته الذكورية للمرأة، ومنهم من رأى به مدرسة يحتذى بها، ورأوا أنّ في شعره ما هو أعمق من الظّاهر، ومن هؤلاء النقاد ما يأتي:
- الكيالي
يرى أنّ الشّاعر نزار قبّاني في دواوينه الأولى لم يكن هناك أيّ ذكر للقضايا السياسية فيها، بالرغم أنّه كان يعمل بالسلك الدّبلوماسي، حتّى استقلال سوريا وجلاء المستعمر الفرنسي عنها لم يحرّك من مشاعره ولم يدفعه لكتابة شيء، في حين كان جميع الشّعراء العرب والسوريين قد كتبوا لهذه المناسبة.
- نبيل أبو علي
سوّغ نبيل أبو علي ابتعاد نزار قبّاني عن الشّعر السّياسي واتّجاهه نحو شعر المرأة بسبب مقتل شقيقته؛ حيث أراد أن يخلّص المرأة من القيود والعادات البالية التي قتلت بسببها شقيقته، ولكن من غير الممكن على شاعر كنزار قبّاني أن ينسى وطنه كل هذه المدّة، بل إنّ الوطن كان قد ظهر بصورة المرأة في بداياته الشّعرية.
- ماهر حسني
فقد شبّهه بعمر بن أبي ربيعة حين أشار إلى أنّ معظم أشعاره إلى عام 1967م كانت غزليّة، لكنّها كانت مرتبطة بأحزان العصر وهمومه.
- إبراهيم حقيل
يرى أنّ نزار قباني قد كرّس أشعاره في المرأة والجنس، في حين كان العرب يقاومون ضد العدو الصهيوني، فبدأ بالصّحو سنة "56، ثمّ اكتملت صحوته سنة 1967م، وقد كانت هذه الصحوة نتيجة لعزوف الجماهير عن أشعاره الماجنة بسبب الواقع الظالم الذي كانوا يكابدونه من مرارة الاحتلال.
نماذج من قصائد نزار قباني
أمّا عن القصائد التي قالها نزار قباني، فهي تتمثل فيما يأتي:
- قال نزار قباني في قصيدة الحزن:
- علّمني حبّك.. أن أحزن
- وأنا محتاج منذ عصور
- لامرأةٍ تجعلني أحزن
- لامرأةٍ أبكي بين ذراعيها
- مثل العصفور
- لامرأة.. تجمع أجزائي
- كشظايا البلور المكسور
- قال نزار قباني في قصيدة أنا مع الإرهاب:
- متّهمون نحن بالإرهاب
كان نحن دافعنا عن بكلّ جرأة
- عن شعر بلقيس
- وعن شفاه ميسون
- وعن هند.. وعن دعد
- وعن لبنى.. وعن رباب
- عن مطر الكحل الذي
- ينزل كالوحي من الأهداب
- لن تجدوا في حوزتي
كقصيدة سرية
- أو لغة سرية
- أو كتبًا سرّية أسجنها في داخل
- الأبواب
- وليس عندي أبدًا قصيدة واحدة
- تسير في الشارع وهي ترتدي
- الحجاب
- قال نزار قباني في قصيدة الحب يا حبيبتي:
- الحب يا حبيبتي
- قصيدةٌ جميلةٌ مكتوبةٌ على القمر
- الحبّ مرسومٌ على جميع أوراق
- الشجر
- الحب منقوش على ريش العصافير
- وحبات المطر
- لكن أي امرأةٍ في وطني
- إذا أحبّت رجلًا
- ترمى بخمسين حجر