تحليل رواية المقامر
التحليل الموضوعي لرواية المقامر
رواية المقامر ألفها الكاتب الروسي فيودور ديستوفيسكي، وقد عكس فيها تجربته الخاصة في إنفاق ماله في المقامرة، وكيف كان يلاحق موائد الروليت ويرتاد الكازينوهات، وكذلك يشرح التناقضات في شخصية المقامر الكسيس إيفانوفيتش، والذي لا يهدف في مقامرته إلى جني الأموال كباقي المقامرين، بل بسبب الطاقة الغريبة التي تجمعه بالمقامرة، فهو يقامر بجنون، ويربح الأموال، وينفقها في نفس اللحظة، وشخصيات هذه الرواية من جنسيات مختلفة، وجميعهم يترقبون وفاة الجدة صاحبة الثروة، أملا في الحصول على أموالها.
التحليل الأسلوبي ل رواية المقامر
الأسلوب في الرواية كلاسيكي، إلا أنه حماسي في ذات الوقت، فكلما تعمق القارىء فيها، كلما جُذب إلى معرفة الأحداث التي ستحصل تاليًا، والوصف الذي يقدمه الكاتب عن مشاعر بطل الرواية أثناء مغامرته في المقامرة هو وصف دقيق للمشاعر التي يمكن أن تنتاب أي مدمن، كذلك كان تصوير ديستويفسكي للعواطف للشخصيات المختلفة يبدو فريدًا، كما أنه برع في وصف تطور الشخصيات على مدار الرواية، من منظوره الخاص، لكن إيقاع الأحداث في الرواية بطيء في معظم الأحيان.
الاستعارة والصور الفنية لرواية المقامر
استخدم ديستوفيسكي الاستعارة والصور الفنية في مواقع عدة، أهمها استخدامه لعبة الروليت كرمز رئيسي لـ "المقامر"، فاللعبة في الواقع هي رمز للحياة والقدر، يمكنها أن تدمر حياة شخص ما تمامًا، وتنزع راحة البال وتسبب العديد من المشاكل والديون، ولكن إذا كان الشخص محظوظًا ، فإن لعبة الروليت تمنحه حياة فاخرة، وفي هذه الرواية، وترتبط رمزية لعبة الروليت ارتباطًا وثيقًا باستغلال الفرص، ويوضح أيضا أن الفرصة لا يمكن الاعتماد عليها، وقد تم إثبات ذلك في مثال الشخصية الرئيسية، فهي لم تجلب ثروة لألكسيس.
الحوار والسرد في رواية المقامر
ورد في الرواية حوارات كثيرة، منها ما هو مونولوج، يتحدث فيها البطل مع نفسه فيقول: " أنا امرؤ ضاع وكفى! إن وضعي لا يمكن أن يشبه بأي وضع البتة، ولن أتحدث الآن حديث الواعظ الناصح، فلا شيء أسخف من النصح والوعظ في لحظة كاللحظة التي أعيشها الآن! آه من أولئك الراضين عن أنفسهم! آه من ذلك الزهو المغرور الذي يصاحب كلام أولئك الثرثارين حين يأخذون يطلقون نصائحهم ومواعظهم وعباراتهم المأثورة! لو علموا مدى شعوري بما تتصف به حالتي الراهنة من ترد وسوء، لأصبحوا عاجزين عن العثور على كلمات يستعملونها في إسداء النصح وإزجاء الموعظة وإلقاء الدرس، وهل في وسعهم أن يقولوا لي أي شيء جديد لا أعرفه من قبل".
ومنها ما هو دايالوج، أي حواراً بين شخصين، ومن الأمثلة على الدايالوج حديث الكسيس إيفانوفيتش مع بولينا حيث قال لها: "وبما أني فقدت كل أمل، وبما أني مجرد صفر في نظرك، أستطيع أن أتكلّم بكل صراحة: إنني لا أرى في هذا العالم إلا أنت، وكل ماعداك لا يهمني في شيء. وحين أسأل نفسي: لماذا أحبك وكيف أحبك لا أحصل على أي جواب"، وحديثه مخاطباً الجنرال والفرنسي لستفزهما: "إني لأوثر طوال حياتي أن أعيش حياة بداوة مترحلة في خيمة من خيام الكرخيز على أن أعبد معبود الألمان"
شخصيات رواية المقامر
يُركز ديستوفيسكي في رواية المقامر على شخصيات الطبقة البرجوازية التي مجمل اهتمامهم هو المال والمنصب والمكانة الاجتماعية، وهم من جنسيات مختلفة، من روسيا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا، إلا أنه يجمعهم هدف مشترك، وهو الحصول على الأموال من الجدة.
- الكسيس إيفانوفيتش: هو بطل الرواية، وراويها، شاب روسي في مقتبل العمر، جامعي، قوي الشخصية، يعمل لدى الجنرال مدرساً لأبنائه، ويقع في حب ابنته بولينا، وهو في حيرة دائمة عما تكنه له بولينا من مشاعر، وهو معتد بنفسه ولا يطمع في المال بعكس باقي الشخصيات، إلا أنه يرتاد نوادي القمار للعب الروليت.
- أنتونيدا فاسيليفنا تاراسيفيتشا: عمة الجنرال، تسمى لا بابولينكا الجدة، سيدة غنية، تبلغ من العمر خمسة وسبعين عامًا، مالكة أرض في موسكو، مرحة، راضية عن نفسها، تصرخ بصوت عالٍ وبقوة وتقوم بتوبيخ الجميع، وتحب لعبة الروليت.
- السيد آستلي: رجل إنجليزي، وهو ابن شقيق اللورد بيبروك، يلعب دورًا ثابتًا في التأثير على أليكسي إيفانوفيتش، وهو أغنى بكثير من دي جريوكس.
- الجنرال: شخص روسي يعاني ضائقة مادية، أرمل عمره 55 عامًا، ويتعلق قلبه بالآنسة بلانش، ويتمنى موت عمته (الجدة) لينال من ثروتها، ويتصرف بخضوع مع ماركيز دي جرييو، لأن الأخيرعوض نقصًا في الأموال العامة، كان على الجنرال تغطيته قبل أن يتمكن من تسليم منصبه الحكومي.
- بولينا الكسندروفنا براسكوفيا: آنسة روسية، يقع في حبها الكسيس إيفانوفيتش، وهي ابنة زوجة الجنرال من زواج سابق، وهي لا تعبر لالكسيس إيفانوفيتش بشكل واضح عن مشاعرها، وكأنما تتلاعب بمشاعره وأفكاره.
- ماريا فيليبوفنا: هي أخت الجنرال.
- ماركيز دي جريوكس: رجل فرنسي صغير، شخصيته غامضة، متشوق لأن يقوم الجنرال بالحصول على ميراثه، ليتمكن سداد دي غريوكس دينه.
- الآنسة بلانش: آنسة فرنسة نبيلة، تتعلق بالجنرال وتوافق أن تكون خطيبته طمعا في المال، عمرها حوالي 25 عاما، طويلة ولها أكتاف رشيقة وشعرها أسود.
- البارونة ورمرهيلم: زوجة البارون، قصيرة وسمينة بشكل غير عادي، لها ذقن سمين ومتدلي بحيث لا يمكن رؤية رقبتها على الإطلاق، وجهها أرجواني وعيونها صغيرة شريرة ووقحة، تمشي كما لو أنها تشرّف الجميع.
- البارون ورمرهيلم: شخصية مرموقة في المجتمع الألماني، طويل، وجهه مغطى بآلاف التجاعيد الصغيرة، يرتدي نظارة طبية وعمره خمسة وأربعون سنة، وهو أخرق قليلا.
- بوتابيات: خادم الجدة
- مارفا: خادمة الجدة، عزباء تبلغ من العمر أربعين عامًا ،ذات خدود حمراء ولكنها في الرواية بدأت بالتحول إلى اللون الرمادي
- مدام دي كومينجز: لا حوار لها في الرواية، ويفترض أنها والدة الآنسة بلانش، ويطلق عليها الخدم اسم مدام لا كومتيس
- الأمير الصغير: لا حوار له في الرواية، وهو يرافق الآنسة بلانش
- فيدوسجا: مربية الجنرال
- الأمير نيلسكي: لا حوار له في الرواية
- ألبيرت: لا حوار له في الرواية، وهو ضابط جيش في باريس ،عاشق لبلانش
آراء النقاد حول رواية المقامر
- أشرف عبدالله الضباعين كاتب وروائي من الأردن يقول :"خطرت على بال دوستويفسكي أثناء رحلته إلى باريس، وهذه الرواية كُتبت على عجل، أملاها كاتبنا على سكرتيرته في ظرف خمس وعشرين يوما، بعد تهديدات الناشر الجشع ستيلوفسكي له بخسارة كل مؤلفاته السابقة واللاحقة بموجب عقدٍ ألزم فيه الناشر المذكور دوستوفيسكي بأن يقدم للناشر بتاريخ محدد رواية من القطع الكبير، ورغم الاستعجال في كتابتها إلا أنها رواية جميلة مع أن الكثير من النقاد اعتبروها الأسوأ بين روايات دوستويفسكي واتفق معهم بهذه النتيجة"
- الدكتورة دينا محمد عبده الأستاذة بكلية الألسن، أشارت في ندوة فيودور دستويفسكي.. إطلالة على الفكر والأدب التي عقدها مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية في مصر، أن رواية "المقامر" كانت رواية معبرة عن فترة حياة دوستويفسكى فى أوروبا، وهى فترة التحرر لديه سواء على المستوى الدينى أو السياسى والفكرى، وقالت: "إن النقاد اتفقوا أن رواياته (الجريمة والعقاب، الشيطان، المقامر، الأخوة كرامازوف) هي أعظم أعماله الروائية على الإطلاق".
- نيكولاي دوبروليوبوف ناقدٌ أدبي روسيّ وصحفي وشاعر وثوري ديمقراطي، انتقد ديستوفيسكي كثيرًا في مقال نشر له عام 1861 بعنوان "الأشخاص المضطهدون" ، كتب أن "دوستويفسكي يدرس الواقع الضعيف ويعبر عن إنساني الأفكار"، إلا أنه أشاد به لتصويره الطبيعة البشرية وإخراج النفوس في وسط العمق بعد أن تم حبسها.
المذهب الأدبي للرواية
تفرد ديستوفيسكي في كتاباته، فكأنما خلق مذهب وجودي خاص به، وهذا المذهب إنما هو خليط متجانس بين الواقعية والنص الديني، والنقاش الفلسفي، والعرض الساخر، الذي أعطى صورة عن الحياة من خلال دعوته للاصلاح الاجتماعي، ومع دخول الفلسفة الاشتراكية ثم الرمزية، يشتبك دوستويفسكي مع الإشكالات الفلسفية والاجتماعية العميقة بأدوات رواية المغامرات، كوسيلة لاختبار الفكرة وتعريضها لأقصى احتمالاتها.
الخلاصة
رواية المقامر للأديب الروسي ديستوفيسكي مُتخمة بالأفكار والتحليل النفسي، وهذه الرواية تحكي قصة شاب روسي الذي يتعرف على فتاة أرستقراطية، ويقع في حبها سراً، شخصيات الرواية كثيرة ومن جنسيات متعددة، وفي هذه الرواية يغوص ديستوفيسكي في أعماق النفس الإنسانية، وفهم دواخلها وخلجاتها وشهواتها المختلفة، ويُظهر فيها كم من المشاعر السلبية الموجود في الشخصيات، كما أنه يوضح مراحل السقوط التي يمر بها لاعب القمار المدمن على ارتياد نوادي القمار، خاصة لعبة الروليت التي يحبها الروس كثيراً.