متى كانت غزوة حنين
غزوة حُنين
الغزوات والمعارك التي وقعت في تاريخ الأمّة الإسلاميّة كثيرة، إلّا أنّ لغزوة حُنين خصائص تجعلها تختلف اختلافاً كُلياً عن باقي الغزوات التي خاضها المسلمون بقيادة الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم، لِما رافقها من وقائع والأحداث، ولما فيها من عِبر ودروس عديدة، ولتميّز الفترة الزمنية التي وقعت فيها غزوة حُنين؛ فقد تزامنت الغزوة مع ظهور قوة الدولة الإسلاميّة، وكان المسلمون وقتها في أبهى درجات القوة والمنَعة، وكان الناس جميعاً يخطِبون وُدَّهم، فمتى وقعت غزوة حُنين ، وما هي أسبابها ونتائجها، وما هي أبرز وقائعها؟
تاريخ غزوة حُنين
كانت غزوة حُنين من أواخر الغزوات التي خاضها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فقد حدثت في السنة الثامنة من الهجرة النبويّة الشريفة، في اليوم السابع من شهر شوال ، وكان عدد المسلمين يقارب اثني عشر ألف مقاتل؛ منهم عشرة آلاف من أهل المدينة ، وألفان من أهل مكّة، أمّا مكان حدوث وقائع غزوة حُنين فقد كان في وادي حُنين، الذي يقع جوار منطقة ذي المجَاز، ويفصل بينه وبين مكّة المكرمة ما يُقارب سبعة وعشرين كيلومتراً تقريباً.
أسباب غزوة حُنين
كان لاشتعال جذوة معركة حُنين عدّة أسباب، أهمّها ما يأتي:
- رغبت قبيلة ثقيف بغزو المسلمين ، قبل أن يعزم النبيّ -صلّى االله عليه وسلّم- على غزوهم، خوفاً من أن يؤثر الإسلام على سياستهم التي كانوا ينتهجونها في تلك الفترة، فقد عرض النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عليهم سابقاً أن يدخلوا في الإسلام لمّا زارهم في الطائف، فآذوه ورموه بالحجارة، وسخِروا منه، وأثاروا سُفهاءَهم وصغارهم حتّى لحقوا به وأدموا قدمَيْه بالحجارة، ممّا يُظهر العِداء المُتأصِّل في أنفسهم تجاه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ودعوة الإسلام ، وقد زادت حدّة تلك العداوة بعد أن قوِيت شوكة النبيّ ومن معه من المسلمين، فبدأت هوازن وثقيف تُعدّان العدّة لقتال المسلمين.
- خشِيث ثقيف على منزلتها الاجتماعيّة بين قبائل العرب لمّا رأت ما حصل في مكّة المكرّمة، وقد اعترضوا سابقاً على نزول الوحي على سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، فلم تكن لديهم رغبة بنزول الوحي على رجل من قريش، وامتياز قريش عنهم بالزَّعامة والنبوّة، ولذلك سعوا إلى معاداة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وقتاله.
- طمعت ثقيف في السيادة الدينية لمن لم يُسلم من المشركين بعد فتح مكّة وسقوط قريش، ولحفاظ ثقيف على السيادة كان لا بُدّ لها من مواجهة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
- طبيعة الطائف الجغرافيّة والطبيعيّة التي تتمثّل بخصوبة أرضها وصلاحيتها للزراعة واشتهارها بالخيرات العديدة، جعلت منها مكاناً يُشكِّل محطّ نظر أيّ قوّةٍ في تلك الفترة، فخشيت ثقيف أن يأتيها المسلمون فاتحين طمعاً في تلك الخصائص الفريدة التي تتميّز بها، فتؤول تلك الخيرات للمسلمين ليوزّعوها بعدالة بين أفراد المجتمع.
أحداث غزوة حُنين
عزمت ثقيف على استباق الأحداث عندما أدركت أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- سيتفرَّغ لهم بعد فراغه من قريش، وكان مالك بن عوف قائدهم، فرأى أن يسوق خلفه النساء والأولاد والأموال، حتّى لا يفِرَّ أحد من المقاتلين، فيسعوا جميعاً إلى النصر أو الموت ، أمّا جيش المسلمين فقد سار بقيادة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- مُتّجهين إلى حُنين للقاء ثقيف ومن معهم، وكان جيش هوازن وثقيف يفوق جيش المسلمين في العدد بما يقارب الضّعف، فاغترّ أفراد جيش هوازن وثقيف بأنفسهم، وقالوا: (لن نُغلَب اليومَ من قِلّة).
اتّخذ مالك بن عوف قائد جيش هوازن وثقيف العديد من الوسائل التي تُعينه على النَّصر على المسلمين، فشحَذ الهِمَم، ورفع الرّوح المعنويّة لجُنده بعد أن خطب بهم وحثَّهم على الثّبات لتحقيق النصر، فجرَّد السيوف من أغمادها، وحشر النِّساء والذراري والأموال خلف الجيش، وأعدَّ الكمائن للمسلمين، وبدأ جيشه بمهاجمة المسلمين ليدفعهم إلى الاستبسال وعدم الرَّهبة، وقد سعى مالك بن عوف أيضاً إلى الوصول بجيشه إلى أرض المعركة قبل المسلمين، فتحقّق لهم ذلك.
كانت خطة مالك تقوم على تجهيز الكمائن للمسلمين في أنحاء الوادي؛ ليُباغت بها المسلمين من بين الأشجار فور وصولهم إليه، وقد حصل ذلك فعلاً، حيث أمطر جيش مالك المسلمين بالسِّهام من جميع الاتجاهات حتى دبَّ الرُّعب في قلوب الكثير من جيش المسلمين، ممّا جعل النصر حليفاً لجيش هوازن وثقيف في بداية المعركة، ولم يثبت في ساحة المعركة إلّا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مع فئة قليلة من المسلمين، منهم العبّاس عمّ الرسول وأبو سفيان، فأمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عمّه العبّاس أن ينادي على جيش المسلمين للالتفاف حول النبيّ، وشَحذِ هِمَمهم، وتقوية عزيمتهم، فاستجابوا للنداء، وأعادوا تجميع صفوفهم، وحمِي الوطيس، فكان النصر حليفاً للمسلمين في آخر المعركة.
غزوة حُنين دروس وعِبر
يمكن استخلاص العديد من المواقف والدروس والعِبر، منها ما يأتي:
- الحكمة الكبيرة والحِنكة السياسية العميقة لدى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتمثَّل ذلك في طريقة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في تقسيم الغنائم وتوزيعها، حيث جعل النصيب الأكبر لمن أسلم حديثاً؛ ليستميل قلوبهم ويثبّتهم على الإسلام، فلم يُعمِل النبي مبدأ العدالة والمساواة في تقسيمه للغنائم، إنّما راعى مصلحة الدّعوة في دخول الناس في الإسلام ، وذلك يؤكد أنّ للإمام الحقّ في اتّخاذ جميع الوسائل التي يعتقد أنّ فيها مصلحةً عامةً للأمّة.
- ممّا يُستفاد من غزوة حُنين أنّ السبب الرئيس وراء مشروعيّة الجهاد ليس قتال الناس، أو تحقيق مقاصد اقتصادية وسياسية، وإنّما دعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى، وهدايتهم للسبيل الصحيح، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإرشادهم إلى دين الله الحقّ، ويدلّ على ذلك ما حصل بين النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ومالك بن عوف قائد جيش هوازن وثقيف؛ فقد جعل له النبي إن أسلم مئةً من الإبل، ويرُدُّ إليه أهله الذين أُسِروا في المعركة، ممّا دفع مالكاً إلى إعلان إسلامه.