تحليل رواية الغريب (أدب فلسفي)
التحليل الموضوعي لرواية الغريب
تُعدّ رواية الغريب للروائي والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو (1913م - 1957م)، من أهمّ الروايات التي كُتبت في القرن العشرين؛ وذلك لما تحمله من معانٍ فلسفية عميقة، وتدور أحداث القصة حول شخصية ميرسو الذي يبدو غريب الأطوار، وهو رمز للعبثية كتيار فلسفي ساد في أوروبا في القرن العشرين، بسبب الأحداث التي جرت فيه، ويعيش ميرسو على هامش المجتمع، بعيدًا عن القناعات والمعتقدات السائدة فيه.
كما أنه يتبنى أفكارًا خاصة به، ويعتبره الآخرون من الشخصيات اللامبالية، فهو يستقبل خبر وفاة والدته ببرود، ويرتكب جريمة قتل عمد، وعندما يُساق إلى المحكمة فلا يعرف بماذا يجيب عن الأسئلة التي يوجهها القاضي له، ولا يهتم بمصيره الذي سيُقاد إليه حتمًا، أما الجريمة التي ارتكبها ميرسو فهي حبكة الرواية، وتعد الحدث الرئيس فيها؛ لأن ميرسو ارتكبها دون مقابل، مما يعني أنها جريمة مجانية، بلا ثمن، إذ إنه فجأةً يجد نفسه يطلق الرصاص على شاب جزائري دون أن يعرف لماذا يطلق الرصاص عليه، ولا يسأل نفسه لماذا ضغطتُ على الزناد، وهذا الأمر يحمل الكثير من المعاني الفلسفية.
كتب كامو رواية الغريب في ظروف مأساوية جدًا، ويصفها بعض النقاد بأنها وُلدت من رحم المعاناة، فقد توفي والده في الحرب العالمية الأولى، أما المذابح التي حدثت خلال الحرب العالمية الثانية فهي جعلته يُشكك في معنى كونه موجودًا، وفي قيمة الحياة ذاتها، وتذكر المصادر أنّ سيرة حياة كامو كانت مليئة بالتخبط، لأنه عانى بسبب هويته، فهو في الأصل من مواليد دولة الجزائر.
وفي أثناء وجوده في الجزائر، لم يكن يُعامَل بشكل جيد من قبل الزائرين، وغالبًا ما يتم إسقاط هذه المعاناة على شخصية ميرسو الذي يتأرجح بين كونه عربيًّا أو فرنسيًّا، وأشار كامو إلى سوء المعاملة من خلال إطلاقه الاسم العربي على شخصية وحيدة تتصف بالسوء وهي شخصية العربي شقيق عشيقة صديقه ريموند، وذلك العربي هو نفسه الذي أطلق عليه النار.
التحليل الأسلوبي لرواية الغريب
يتضح للقارئ أنّ الرواية تتّصف بصغر حجمها، ففي ترجمتها العربية، تقع الرواية في حدود المئة والستيّن صفحة، وهي مقسّمة إلى أربعة فصول، ورغم صغر حجمها، فإنها تحتوي على العديد من التقنيات الروائية مثل الحوار الفلسفي، وهو أهم أسلوب اتّبعه الكاتب -خاصة في الفصل الأخير- الذي يدور حول الحوار الذي جرى بين ميرسو والراهب الذي أحضروه ليناقشه في جريمته، ولامبالاته تجاهها، ويلقي عليه بعض المواعظ الدينية، ليُفاجأ الراهب، بأنه وجد نفسه أمام إنسان لا يعي كيف تكون الحياة، فكل شيء متساوٍ بالنسبة إليه.
ومن خلال اتباع هذا الأسلوب في الكتابة، يتّضح أن الرواية تُناقش أهم الأفكار الوجودية التي ترتبط بمعنى الحياة، وسبيل العيش بسلام، وغالبًا ما يصنف ألبير كامو على أنه من التيار الوجودي العبثي، والإنسان بالنسبة إلى كامو كائن يعيش في عبثية، ويواجه الكثير من المواقف عبثية طيلة وجوده، وتتجلى النزعة اللاعقلانية والفردية في كل أعمال كامو إلى حدٍّ وُصف بأنه متطرّف.
الاستعارة والصور الفنية في رواية الغريب
وردت العديد من الاستعارات في رواية الغريب، أهمها استعارة الشمس، فقد ورد في الرواية أنّ ميرسو لا يرتاح للشمس، وقال: "لكن الحرارة كانت شديدة جدًا لدرجة أنها لا تزال تسبب العمى، بعدها عدت إلى الشاطئ وبدأت أمشي"، بحسب رأي النقاد والأدباء أنّ الشمس ترمز إلى المجتمع، وطبيعة العلاقة التي تربط ميرسو بالمجتمع، فقد اتسمت بالسوء، لأنه غير مرتاح لأفكار مجتمعه ومعتقداته، واتجاهه إلى الشاطئ يرمز إلى عدم مبالاته، وكذلك تجوله وحيدًا دائمًا.
كما أن هناك استعارة بارزة في بداية الرواية عندما يتم إبلاغ ميرسو أنّ والدته قد توفيت، فيقول: "اليوم ماتت أمي، أو لعلّها ماتت أمس، لستُ أدري!"، فعدم معرفته بتاريخ وفاة والدته على وجه التحديد دليل على بلادته، وعدم شعوره بالحزن على وفاتها، ويصفه النقاد بأنه لا يشعر بشيء على الإطلاق.
الحوار والسرد في رواية الغريب
السرد في رواية الغريب هو أبرز مثال على الأدب العبثي، كتيار أدبي يكشف عن التناقض بين رغبة الإنسان الكبيرة في معرفة معنى وهدف الحياة، في حين أنّ العالم لا يكترث إلى الإنسانية، ففي الفصل الأول يصل ميرسو رسالة تحمل له بلاغًا بوفاة والدته، وبعد طلب الإذن من مديره لأن يسافر في إجازة إلى مكان إقامة والدته في دار المسنين في مدينة أخرى، ولا يذكر له التفاصيل الدقيقة، وفي هذا المشهد البسيط، واقتصار السرد على الفكرة الرئيسة، نستنتج أن كامو يلجأ إلى اختزال السرد إلى حد كبير؛ وذلك لتجريد الرواية، ويجعلها أكثر تركيزًا على الفكرة الفلسفية، وهي العبثية، وانعدام المعنى.
ومن الملاحظ أن الحوار في الرواية بدأ بضمير المتكلم، ويُشير إلى الشخص الغريب ميرسو، لكن باقي الرواية، يكون السرد فيها وكأنه من وجهة نظر شخص آخر غير الشخوص الوجودة في الرواية، واختيار كامو البدء بالسرد بضمير المتكلم؛ لأنه يطرح وجهة نظر معينة، ويستبعد وجهات النظر الأخرى، ويظهر هذا الأمر بشكل جلي، في الفصل الأخير من الرواية الذي يدور الحوار فيه بين ميرسو والراهب.
آراء نقدية حول رواية الغريب
تمحورت آراء النقاد حول فكرة العبثية كتيار فلسفي، لكن هذه الرمزية بحسب النقاد لا تُشير إلا إلى شخص ميرسو، ونظرته إلى ذاته كإنسان وحيد، وليس كإنسان موجود في حضارة إنسانية في مرحلة ما، وكل الأحداث تثبت أنّ العبثية لا تظهر على شكل غرابة فقط، بل تمتد إلى أن يصبح إنسانًا منفصلًا تمامًا عن مجتمعه، وبهذا يظهر الإفراط في الذاتية، ومع هذا فإنّ هذا النقد لا يقلل من قيمة الرواية كعمل أدبي فلسفي فريد من نوعه.
إنّ رواية الغريب من أفضل الأعمال الروائية في القرن العشرين، فقد ناقشت معضلة فلسفية تتعلق بقيمة الوجود، ومعنى أن يكون الإنسان موجودًا، ألّفها كامو كردة فعل على المآسي التي عاشها، مثل وفاة والده في الحرب العالمية الأولى، والبشر الذين ماتوا في الحرب العالمية الثانية.