تحليل رواية الزيني بركات لجمال الغيطاني
التحليل الموضوعي لرواية الزيني بركات
الزيني بركات من الروايات المصرية المشهورة التراثية التاريخية، من تأليف الكاتب والروائي الصحفي المصري جمال الغيطاني، وقد عمل مراسلًا حربيًا في أثناء حرب الاستنزاف بين مصر واسرائيل عام 1969، ونشرت هذه الرواية لأول مرة في السبعينات وأعادت نشرها دار الشروق للمرة الثانية عام 1994، وحقوق الكتاب محفوظة لصاحبها، وعدد صفحاتها 287.
وتجري أحداث الرواية في القرن 16 في القاهرة، إذ شهدت تلك الفترة صعود شخص غامض اسمه الزيني بركات، عينه والي المماليك محتسباً للمدينة، وهو منصب يجمع بين السلطة الدينية والمدنية، وتتلخص وظيفته في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
في البداية يُعجب الناس بنزاهة بركات وعدله، ولا يعلم أحد إن كان حبهم له صادقًا أم أنهم كانو يتظاهرون بذلك خوفًا منه، ويُعد الخوف هو أحد أهم سمات الرواية، خوف المحكوم من الحاكم، وخوف الحاكم من حاشيته، وخوف الناس من عيون الجواسيس، وخوف الجاسوس من الجواسيس الآخرين، وتسلط روايته الضوء على المراقبة الحكومية والعقاب.
التحليل الأسلوبي لرواية الزيني بركات
حاول الكاتب توحيد الحاضر والماضي وذلك من خلال شخصية الزيني بركات بطل الرواية، والرواية ليست سهلة القراءة، بسبب تعدد الأساليب الكتابية ما بين السرد والمراسلات والمذكرات الشخصية، لكن سلاسة لغة الغيطاني تخفف من تعقيد الأسلوب، كما أن الكاتب استخدم الرمزية التي يمكن إسقاطها على الحاضر، فكل تفاعلاتها وأحداثها وأبطالها هي كناية عن الواقع العربي.
إذ إنها تعري منظومة الاستبداد المهيمنة عليه، وتكشف خطورة تحول أجهزة الدولة إلى بيروقراطيات منفصلة، يطبعها التنافس وتدار بمنطق العصابات فوق سلطة القانون، وسواء كان الزيني بركات رمزًا للانتهازية والوصولية أو رمزًا لقمع البصاصين الجواسيس، فإنه يشير كذلك إلى المستبدين الذين دفعوا الشعب إلى حرب فاسدة.
وحصدوا الهزيمة والعار والذل المحلي والقومي والعنف السياسي.
الاستعارة والصور الفنية لرواية الزيني بركات
استند الكاتب جمال الغيطاني في روايته إلى تقنية الوصف، وذلك لتسليط الأضواء على الأمكنة والشخوص والأشياء والوسائل بطريقة مشهدية أو تقريرية جافة وحرفية، تتخللها أحيانًا سمات بيانية وبديعية مثل وصف القاهرة، ووصف الزيني بركات، ووصف طريقة تعذيب الزيني بركات للمساجين وصفًا مفصلًا.
شارحًا لابتكاره تصاميم الزنازين التي تضمن إذلال النزلاء؛ لاستخراج أكبر قدر ممكن من الاعترافات، كما أنه تمكن من وصف طرائق التعذيب والتصفية الجسدية بدقة. و من الاقتباسات التي وردت في الرواية والتي تحتوي صورًا فنية:
- "بيوت المدينة كلها مغلقة، مرعوشة تود لو توارت، تفيء إلى الأمان المرجو، شموع بيتي مطفأة، أخشى تراقص الضوء في أحداق العيون المتلصصة".
- "ويقف سعيد الجهيني كمرآة صقيلة للشخصية التي تنتمي إلى العوام، يتوق إلى العلم والعمل والمعرفة والمجتمع العادل، لكن انتماءه إلى جمع مبهم لا نسق له يقوده إلى لا مكان، إلى خيبة ملتاعة وهزيمة متكاثرة، ينهزم حلمه في تغيير الواقع إذ يعقد آمالًا خاسرة على الزيني".
- "الشمس تشرق لتغيب، النهار يطلع ليشيخ، ثم يعتصره الليل، والقمر لا يبقى في العيون مكتملًا، النهر يبدأ لينتهي، والغيث بعد حين ينقطع، والمسافة مهما طالت تقصر وتنتهي".
الحوار والسرد في رواية الزيني بركات
أوضح الكاتب ملامح النزعة الإجرامية عند الإنسان عن طريق المنولوج أو الحوار مع النفس، كمثال عليها الحوار الداخلي لكبير البصاصين في أحد فصول الرواية، حين يعترف لنفسه بجرائمه التي لم تقتصر على العامة فقط، بل وعلى اختطاف البعض منهم ثم تعذيبهم بغية إضفاء هالة من الخوف والرعب داخل المجتمع المملوكي.
كما أن الغيطاني لم يتبع الشكل التقليدي في الكتابة، الذي يقسم الرواية إلى فصول، إنما عمد إلى تقسيم الرواية لسرادقات، وقبل السرادق الأول مقدمة، واستخدام الغيطاني للسرادق له دلالاته، فالسرادق لغويًا، يعني مكان للاجتماع، حيث تتداخل فيه الأحاديث والأخبار.
كما أن سرده لأحداث الرواية كان مبنيًا على ما تعلمه من التراث، والذي بدوره قام بوظيفتين الدور الأول هو لعب دور القناع، والثاني هو انتهاك بنية الشكل الروائي بصورة تامة لتقديم مقامات وأحوال عصرية، وهكذا يصبح التراث السردي، وغير السردي كذلك، عاملًا خلافيًا ووسطًا خصبًا للتعبير الروائي العربي المعاصر، وباعثًا على انتهاك ما تواضعنا عليه في الشكل الروائي.
آراء النقاد حول رواية الزيني بركات
يوجد عدد من الآراء النقدية حول رواية الزيني بركات، نذكر منها ما يلي:
رأي المفكر المصري إبراهيم عوض حول رواية الزيني بركات
يقول المفكر المصري إبراهيم عوض أن في القصة أخطاء فاحشة لا يقع فيها أقل التلاميذ إلمامًا بتاريخ الإسلام وعقائده، يقول المؤلف على لسان كبير البصاصين: "ألم يكن خاتم المرسلين وسيد البشر مضطهَدًا من قومه؟ ألم يرمه اليهود بالحجارة من فوق أسوار الطائف فألهب الهجير باطن قدميه، وسال دمه؟ ألم يحاربوه وتأكل واحدة منهم كبد عمه حمزة نيئة؟.
ومن قبل ألم يثقلوا رأس المسيح عليه السلام بالشوك، ودقوا المسامير فى جسده وصلبوه؟" (ص150)، فاليهود لم يرموا النبى عليه الصلاة والسلام بالحجارة، لا فى الطائف ولا فى غيرها، بل الذين رَمَوْه بالحجارة إنما هم صبيان الطائف وعبيدها وسفهاؤها من المشركين الوثنيين.
رأي الباحث والكاتب إبراهيم أزروال حول رواية الزيني بركات
قال الكاتب إبراهيم أزروال أن الكاتب جمال الغيطاني قد تمكن طيلة مساره الروائي والإبداعي الطويل، من خلال التعلق والتفاعل مع نصوص وفنون نثرية تراثية كثيرة، من تنويع طرائق السرد وأساليبه ووسائله ولغاته، فقد قام باعتماد أنواع فرعية متعددة منها المذكرات والنداءات والتقارير والرسائل والخطب.
كما أكد أزروال أن الغيطاني تمكن في روايته الزيني بركات من إعادة صياغة واقعات الزمن المملوكي وعوالمه السياسية والاجتماعية والثقافية.
الناقدة سيزا قاسم
أكدت الناقدة والكاتبة سيزا قاسم أن جمال كتابة الغيطاني في أنه يحاكي قول ابن إياس التاريخي، أي أنه لا يلجأ إلى استخدام محتوى تاريخي يصوغه في لغة عصره، بل ينتقل بنصه الخاص إلى الحقبة التاريخية السالفة.
الدكتور بليغ حمدي إسماعيل
أكد الدكتور بليغ حمدي إسماعيل أن الغيطاني كان يقصد حالة التجلي وهو يخط رواياته، وتحديدًا روايته الأولى الزيني بركات، فقد استطاع أن ينقل قارئه صوب مشاعره السردية، بمعنى أنه نجح بامتياز وكفاءة في انتزاع الانفعال من القارئ، وهي نتيجة قلما تتحق لدى روائيين.
رواية الزيني بركات لجمال الغيطاني من أبرز الروايات العربية التي تناولت ظاهرة القمع والخوف، وحللت أسبابها وبينت مظاهرها المرعبة في حياة الشعوب العربية، فالغيطاني حين يمارس أقسى أشكال العنف والرعب والقهر في السجن المعاصر.
فإنما هو يذكرنا بتاريخ ابن إياس، فيكفي أن نقرأ عن تعذيب التاجرعلي أبي الجود وكيف تفنن بتعذيبه ليحصل منه على المال، وكيف أن وسيلة إرغامه على الإقرار كانت بتعذيب الفلاحين على مدى سبعة أيام أمامه، بغية اخافته وترويعه.