تحليل الضوء الأبيض
الضّوء الأبيض
يُطلَق مصطلح الضّوء الأبيض (بالإنجليزيّة: White Light) على الضّوء الذي تندمج فيه الألوان المُكوِّنة للطّيف المرئيّ جميعها، وهي: الأحمر، والبرتقاليّ، والأصفر، والأخضر، والأزرق، والنّيلي، والبنفسجي.
ويُطلق على الضّوء الأبيض عادةً اسم الضّوء المرئيّ، أو الضّوء للتّبسيط؛ وهو الذي يُمكِّن الإنسان من رؤية الأشياء حوله، ومن مصادره: الشّمس، والنّجوم، وبعض أنواع المصابيح.
تحليل الضّوء الأبيض
ينتقل الضّوء على تردُّدات وأطوال موجيّة مُختلفة، ولكلّ طولٍ موجيٍّ سُرعة معيّنة، تختلف عند انتقال الضّوء من وسط إلى آخر، فعلى سبيل المثال: تختلف سُرعة الضّوء في الفراغ عنها في الهواء، أو الماء، أو الزّجاج، وعند مرور الضّوء في وسط مُختلف، فإنَّ الأطوال الموجيّة المُختلفة ستنكسر بزوايا مُختلفة، وكلّما زاد تردُّد الموجة قلّت زاوية انكسارها، والعكس صحيح.
فالانكسار يعتمد على التردُّد والطول الموجيّ للموجة، كما يعتمد على المادّة المُكوِّنة للوسط، وتكون هذه الانكسارات بزوايا مُختلفة للتردُّدات المُختلفة، وهذا ما يُظهِر ألوان الطّيف المُختلفة مُرَتّبةً حسبَ الطّول الموجيّ: أحمر (أكبر طول موجيّ)، وبرتقاليّ، وأصفر، وأخضر، وأزرق، ونيلي، وبنفسجي.
ويُمكن الحصول على هذه الألوان عن طريق جعل الضّوء ينكسر في منشور زجاجيّ عند مروره فيه.
إنَّ تشكُّل قوس قزح في أيّام العواصف المطريّة عندما يخترق ضوء الشّمس الغيوم المُمطِرة هو أحد الأمثلة على تحلُّل الضّوء الأبيض إلى الألوان المُكوِّنة له؛ ويحدُث ذلك بسبب انكسار ضوء الشّمس في قطرات المطر، وهذا شبيه بانكسار الضّوء في المنشور.
الألوان التكامليّة
إنَّ الألوان التكامليّة (بالإنجليزيّة: Complementary Colors) هي الألوان المُكمِّلة للطيف المرئي؛ أي بجمعها معاً يُمكن الحصول على الضوء الأبيض، وهذه الألوان هي: الأحمر، والأخضر، والأزرق. إنّ الضوء الأزرق -على سبيل المثال- يُشكِّل ثُلث ألوان الطيف المرئي.
واللون الأصفر يُشكِّل الثُّلثين المُتبقيين؛ حيثُ إنّه مزيج من الأحمر والأخضر، فعند مزج اللونين الأزرق والأصفر معاً؛ فذلك سيؤدّي إلى إنتاج ضوءاً أبيضاً، فيُمكن اعتبار الأزرق والأصفر زوجان تكامُليّان.
ومن الأمثلة الأخرى على مثل هذه الأزواج هما اللونين الأخضر والأرجواني، بالإضافة للأحمر والأزرق السماوي، فجمع كل زوج من هذه الألوان سينتج ضوءاً أبيضاً.
يمكن دمج الألوان أيضاً بشكلٍ طرحي، أي أنَّ كل لون يطرح لوناً آخراً؛ حيثُ يوجَد ثلاثة ألوان أساسيّة تُستخدَم في التحليل الطرحي وهي: الأزرق السماوي، والأرجواني، والأصفر، فاللون الأزرق السماوي يقوم بامتصاص (طرح) اللون الأحمر، أمّا اللون الأرجواني، فيقوم بامتصاص اللون الأخضر، واللون الأصفر يقوم بامتصاص اللون الأزرق.
فعلى سبيل المثال؛ عند وضع حبر أصفر على ورقة بيضاء، ففعليّاً لم يتم إضافة اللون الأصفر للورقة، بل تمَّ امتصاص اللون الأزرق من الضوء الأبيض، وما تبقّى هما اللونين الأخضر والأحمر، فيتمّ عكسهما لوحدهما حيثُ يُشكِّلان معاً اللون الأصفر.
كما أنّه عند مزج اللونين الأصفر والأرجواني على فَرَض، ومن ثُمَّ تعريض الضوء الأبيض لهما، فإنَّه بذلك يتمّ طرح اللونين الأخضر والأزرق من الألوان الأساسيّة للطيف المرئي، فبالتالي ما تبقّى هو الأحمر، وهو اللون الذي سيكون ظاهراً فقط.
النظريّات المُتعلِّقة بالضّوء
نظريات العلماء القدماء
اختلفت النظريّات حول طبيعة الضّوء على مرّ العصور، وقد وضع اليونانيّون القُدَماء أولى النظريّات المُتعلّقة بالضّوء، ووصفت معظم النظريّات الضّوء على أنّه عبارة عن شُعاع؛ أيّ خطّ مُستقيم ينتقل من نقطة إلى أخرى.
وقد وضع فيثاغورس نظريّةً تنصّ على أنَّ البصر هو نتاج أشعّة ضوئيّة تنبعث من عين الإنسان وتصطدم بالجسم، وقد نقض الفيلسوف إبيقور هذه النظريّة، وعدّ العكس تماماً هو الصّحيح؛ حيثُ نصّت نظريّته على أنَّ الجسم هو الذي يُشِعّ الضّوء الذي ينتقل بدوره إلى العين.
نظريات العلماء العرب
استفاد علماء العرب من هذه النظريّات وطوّروها؛ فقد اكتشفوا ما يُسمَّى بالبصريّات الهندسيّة، وهي عبارة عن تطبيق أُسُسٍ هندسيّة في علم البصريّات المُختصّ بالعدسات، والمرايا، والموشورات.
وكان العالم ابن الهيثم هو أشهر من طبّق البصريّات الهندسيّة؛ إذ شرح المكوّنات البصريّة في العين البشريّة، وشرح كذك آليّة البصر بطريقة صحيحة، ووضّح أنّها عمليّة تتضمَّن انعكاس الضّوء من الأجسام إلى الأعيُن البشريّة، كما وضع قوانين انكسار الضّوء، وظواهر أخرى مُتعلِّقة بالضّوء، مثل ظاهرتي: قوس قزح، وكسوف الشّمس.
نظرية العالم توماس يونغ
لا تستطيع نظريّة كون الضّوء عبارةً عن شُعاع أن تُفسِّر سلوكيّات الضّوء جميعها، لذلك أجرى عالم الفيزياء الإنجليزيّ توماس يونغ (بالإنجليزيّة: Thomas Young) إحدى أشهَر التّجارُب على مرّ التّاريخ.
وتُعرَف بتجربة شقَّي يونغ (بالإنجليزيّة: Double-Slit Experiment)، وتحتاج هذه التّجربة مصدراً للضّوء، وبطاقةً رقيقةً بثُقبين مثقوبَين جنباً إلى جنب، وشاشةً، حيث يُسمَح للضّوء بالعبور من خلال الثّقب؛ ليسقط على البطاقة، فإذا كان الضّوء عبارةً عن جزيئات أو أشعّة فسيسير في خطّ مُستقيم، ولن تحجبه البطاقة غير الشّفافة، بل سيُكمِل طريقه بخطٍّ مستقيم ويخترق الشّقوقن ومن ثمَّ يسقط على الشّاشة مُشكِّلاً بقعتَين مُشعَّتين.
ولكن ليس هذا ما حدث فعلاً، فقد شاهد يونغ نمطاً لأشرطة على الشّاشة، بعضها فاتح اللّون وبعضها الآخر داكن، وتوصّل من ذلك إلى أنَّ موجات الضّوء انتقلت عبر الشّقوق إلى الشّاشة، ومن هنا عُرِفت طبيعة الضّوء الموجيّة.
تردُّدات الضّوء
بعد توصُّل العالم ماكسويل لمبادئ الموجات الكهرومغناطيسيّة، أصبح بالإمكان تفسير ظواهر الضّوء جميعها، ومن ضمنها تردُّد الضّوء وأطواله الموجيّة، ويُعرَّف الطّول الموجيّ بأنّه المسافة بين نقطتين مُتقابلتين في موجاتٍ مُتتابعةٍ، ولا تستطيع العين البشريّة إلّا رؤية الأطوال الموجيّة المحصورة بين 400-700 نانومتر.
ولموجات الضّوء العديد من التردُّدات؛ حيث تتناسب طاقة الموجة تناسُباً طرديّاً مع تردُّدها، فكلّما زاد تردُّد الضّوء زادت طاقته، والعكس صحيح.
والتردُّد هو عدد الموجات التي تعبر نقطةً مُعيّنةً في الفراغ في فترة زمنيّة معيّنة، وعادةً ما تكون هذه الفترة هي ثانية واحدة، وتُقاس بالهيرتز، ويُسمّى تردُّد الضّوء المرئيّ باللّون، وينحصر بين الضّوء الأحمر ذي التردُّد 430 تريليون هيرتز، واللّون البنفسجيّ الذي يبلغ تردّده 750 تريليون هيرتز.
وتوجد أنواع أخرى من الموجات التي لا يمكن أن يراها الإنسان، وهي خارج التردُّدات المذكورة، ومن أمثلتها: موجات الرّاديو، وأشعّة غاما.
إنَّ وصف ماكسويل لمبادئ الموجات الكهرومغناطيسيّة كان كافياً لتفسير معظم ظواهر الضّوء، ولكن في بداية القرن العشرين توصَّل العالم ماكس بلانك إلى أنَّ الضّوء يحمل الطّاقة بكميّات مُنفصلة، وقد طوّر العالم ألبيرت أينشتاين نظريّة بلانك، حتّى توصّل إلى أنَّ الضّوء يحتوي جُسيماتٍ صغيرةً تُسمّى فوتونات.
طبيعة الضّوء وخواصّه
حينما عُدّ الضّوءُ شُعاعاً، فَسَّر ذلك ظواهِر الضّوء المعروفة جميعها، وهي: الانعكاس، والتشتُّت، والانكسار.
الانعكاس والتشتُّت
في الانعكاس تسقط أشعّة الضّوء على سطح أملس، وتنعكس عنه، وتكون زاوية الانعكاس مُساويِةً لزاوية السُّقوط، ويكون ذلك عند سقوط الضّوء على المرآة مثلاً، ولكن في حال كان السّطح خشناً كما معظم الأسطح في الواقع، فإنّ زاوية الانعكاس لن تساوي زاوية السّقوط.
أمّا ظاهرة تشتُّت أشعّة الضّوء فتحدث عند سقوطها على سطح خشن؛ حيث ينعكس الضّوء في الاتّجاهات جميعها، وتُعدّ هذه الظّاهرة مُهمَّةً جدّاً؛ فعند قراءة شخص من ورقة على سبيل المثال، سيستطيع أن يقرأ دون أيّة مشاكل حتّى وإن اختلفت زاوية رؤية العين لسطح الورقة.
الانكسار
يحدُث انكِسار الضّوء عند عبوره وسطَيْن شفّافَيْن مُختلفَين، مثل: الهواء، والماء، وعند حدوث ذلك، فإنَّ سرعة الضّوء ستختلف، ولذلك سينحني شعاع الضّوء السّاقط مُقترِباً أو مُبتعِداً عن الخطّ العموديّ على السّطح.
وتعتمد زاوية الانكسار (مقدار الانحناء) على المادّة المُكوِّنة للوسط، فعلى سبيل المثال: تكون حجارة الألماس لامعةً؛ بسبب إبطاء سُرعة الضّوء السّاقط عليها كثيراً، عند انكسار الأشعّة داخلها.
الموجات الكهرومغناطيسيّة
تُعَدّ موجات الضّوء الأبيض جزءاً من الطّيف الكهرومغناطيسيّ الذي يتكوَّن من موجات أخرى، مثل: أمواج الرّاديو، وموجات الميكروويف، والأشعّة السينيّة، وأشعّة غاما، والأشعّة تحت الحمراء، والأشعّة فوق البنفسجيّة؛ والضّوء الأبيض من بينها جميعها هو الوحيد الذي يستطيع الإنسان رؤيته دون اللّجوء إلى استخدام التّقنيات الحديثة.