تاريخ الرياضيات
الرياضيات عند البابليين
بدأ الرياضيات عند البابليين بتأسيسهم رموزًا للأرقام لتسهيل استخدامها في مختلف مجالات الحياة، وحافظ البابليون على جميع إنجازاتهم في الرياضيات من خلال التدوين بالنقش على الألواح الطينية التي تعود إلى 3000 ق.م، وتطورت الرياضيات عندهم باستحداثهم العمليات الحسابية؛ كالقسمة والضرب، فضلًا عن الكسور والمعادلات بمختلف درجاتها، إضافةً إلى المسائل الهندسية.
الرياضيات عند المصريين القدماء
كان نظام الأرقام المُستخدم لدى المصريين القدامى عشريًا، وكانت الأرقام تُكتَب في المراحل الأولى بطرق ورموز معقّدة في الكتابات الهيروغليفية، ثمّ تطوّرت الكتابة الهراطيقية التي استخدمت رموزًا أقل تعقيدًا للتعبير عن الأرقام، وكانوا يتعاملون مع العمليات الحسابية كالجمع والطرح؛ إلا أنّ الضرب لم يكن مباشرًا حينها بل كان جمعًا متكرّرًا، وكذلك القسمة التي لم تكن عمليةً مباشرة.
عرف المصريين القدامى الكسور وأجروا عليها العمليات الحسابية المختلفة، مع تدوين عدد من الكسور في جداول لتسهيل تعاملهم معها، كما برعوا في الهندسة وعلم الأشكال الهندسية ثلاثية وثنائية الأبعاد على وجه التحديد، وظهر هذا جليًا في الأهرامات التي تعاملوا معها واستطاعوا حساب أبعادها من خلالها ظلالها.
عمل المصريون عام 4200 ق.م على الدمج بين الرياضيات والفلك لتطوير تقويم خاص بهم، كما تكشف أوراق البردي القديمة التي تعود إلى القرنين 19 و17 ق.م إلى معرفة المصريين بالكسور والقسمة في المسائل الهندسية والحسابية، وكانت معرفتهم بهذا النوع من العلوم ناجم عن حاجتهم الملحّة آنذاك لحساب مساحات الأراضي ومعرفة آلية توزيع أجور العمال، وقياس أحجام الأهرامات والمواد الصلبة الأخرى.
الرياضيات عند الإغريق
ارتكز علم الرياضيات عند الإغريق على المنطق والبراهين الناتجة عن تنظيم البديهيات، أمّا عن العدّ والأرقام فقد عرفوها بشكلين مختلفين في الفترة الزمنية بين عامي (500-800) ق.م، وبقي هذا العلم محدودًا قبل 300 ق.م، وكانت عناصر إقليدس من أهم الأعمال حينها، ثمّ طوّر بطليموس علم المثلثات عام 150م من خلال كتاب المجسطي، ثمّ ظهر العالم فيثاغورس ليُضيف مساهمات عدّة في الرياضيات من خلال المدرسة التي أنشأها، ومن أهم نظرياته نظرية فيثاغورس الشهيرة التي نتجت عن التفكير في الجذر التربيعي للعدد 2.
الرياضيات في الصين
كانت الرياضيات في الصين عبارة عن مزيج بين علومهم وعلوم الغرب، إلا أنّ التاريخ يؤكد إنجازاتهم السباقة فيه، حيث تعود أقدم النصوص الرياضية في الصين إلى عام 1200 ق.م، ثمّ أمر الأباطرة الصينيون بحرق الكتب ممّا أدى إلى ضياع العلوم وجهود علمائهم التي تفوّقت على الغرب آنذاك، ومن أهم المجالات التي كانت تعتمد على الرياضيات لديهم:
- القياسات.
- حسابات الضرائب.
- البناء.
الرياضيات في الهند
هُمّش دور الهند في تطوير الرياضيات على الرغم من وجود أدلة تؤكّد اهتمامهم بها منذ الألفية الثالثة ق.م، ومن ذلك تطوير الأرقام العشرة، كما طوّروا فيما بعد الأرقام السالبة والصفر، بالإضافة إلى معرفتهم بالكسور العشرية، وكان الاهتمام بالرياضيات نابعًا من أهداف دينية بحتة، ثمّ ظهرت الديانة الجاينية التي ركّزت على فروع الرياضيات عام 150 ق.م.
الرياضيات عند المسلمين
تعدّ الفترة الممتدة بين القرنين (7-13) م فترةً ذهبيةً بالنسبة للمسلمين، ومن أهم إسهاماتهم في الرياضيات خلال تلك الفترة ما يأتي:
- ابتكار النظام العشري المعمول به حاليًا.
- تطوير العمليات الحسابية على النظام العشري والتي تتضمّن: الجمع، والطرح، والقسمة، والضرب.
- تطوير التعامل مع الأسس والجذور التربيعية والتكعيبية.
- إعطاء الصفر الرمز المُتعارف عليه، في القرن العاشر الميلادي.
انقسم علم الرياضيات في العصور الإسلامية إلى عدد من الفروع التي ترتبط بع وترتكز عليه، ومن ذلك: الجبر، الهندسة، والفلك، واستفاد المسلمون من الحضارات القديمة؛ كاليونانية والهندية، وحتى الصينية وطوّروا على ما توصّلوا إليه، ومن أشهر علماء المسلمين في علم الرياضيات: ثابت بن قرّة الذي نقد آراء أرسطو الرياضية، وعمر الخيام، بالإضافة إلى نصير الدين الطوسي، والخوارزمي.
ألّف الخوارزمي كتابه في الجبر الذي أسماه "الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة" عام 830م، وأوضّح من خلاله طرق حل المعادلات كثيرة الحدود من الدرجة الثانية بطريقة منظمة ومحدّدة، ومن أهم إسهاماته في الرياضيات أيضًا اهتمامه بالأعداد الهندوسية والعمل على اعتمادها لدى المسلمين، وبالفعل عُرفت هذه الأرقام فيما بعد في جميع أقطار العالم الإسلامي بالأرقام الهندوسية العربية، كما أنّه ابتكر طريقة لضرب الأعداد الكبيرة سُمّيت بالضرب الشبكي.
الرياضيات عند الحضارات الأمريكية القديمة
اهتمّت الحضارات الأمريكية القديمة؛ كالمايا، والأزتيك، والإنكا بالرياضيات، واستخدم كلّ منهم أنظمة رياضية لم تعتمد على الرياضيات المنتشرة في أوروبا أو في أي مكان في العالم، ومع ذلك استطاعت هذه الحضارات تطوير الرياضيات بصورة يمكن من خلالها تطبيقه عمليًا في البناء، والهندسة، والفلك، والتنجيم، كما أنّهم عملوا على تطوير تقويم بناءً على هذا العلم، وكانوا يعتمدون على كتابة وتدوين أهم ما يتوصلون إليه دائمًا.
عاش في أمريكا الشمالية تحديدًا عدد من القبائل البدوية التي لم تكن مستقرة في مكان واحد، وعلى الرغم من ذلك لم تقل أهمية الرياضيات لديهم عن غيرهم بل أولوا هذا العلم اهتمامًا كبيرًا انطلاقًا من حاجتهم لمعرفة مواسم الزراعة والحصاد والتي تتطلّب معرفة العدّ بالطبع، وكان العدّ من خلال الحبال أو خطوط الخشب أو حتى من خلال الأصابع، إلا أنّ العدّ بالأصابع ليس بالأمر البدائي بالنسبة لهم؛ فقد استطاعوا من خلال أصابعهم العشرة العدّ حتى الألف عن طريق فهمهم للضرب بمعناه العميق.
الرياضيات في العصور الوسطى في أوروبا
اقتصر علم الرياضيات لدى الأوروبيين خلال العصور الوسطى على ترجمة علوم اليونانيين القدامى؛ كإقليدس، وقامت تجارتهم وحساباتهم المالية على نظام العدّ الروماني القديم، بالإضافة إلى استخدامهم العدّاد اليدوي، وبداية تطوّرهم في الرياضيات كانت عند فتح تجارتهم مع الشرق في القرن 12م.
الرياضيات في عصر النهضة
بعد انقضاء العصور المظلمة التي شهدتها أوروبا، جاء عصر النهضة ليُعيد الحياة للعلوم من جديد، ومن بينها علم الرياضيات، وكان التسلسل كما يأتي:
- الكشف عن العديد من النصوص الرياضية التي تعود إلى الحضارة اليونانية وترجمتها في القرن 13م.
- ظهور الجامعات التي تدرّس الرياضيات في القرن 13م، مع الأخذ من جهود اليونانيين والمسلمين بسبب غياب الجهود الأوروبية لفترة طويلة.
- ابتكار آلة الطباعة عام 1450م، والتي يسّرت بدورها مهمّة الاحتفاظ بالنصوص والأبحاث العلمية.
- الكشف عن نصوص علمية رياضية في فترة سقوط القسطنطينية عام 1453م.
- البدء بتعليم التجّار أساليبًا رياضية متطوّرة في بريطانيا مع نهاية القرن 13م.
- التعبير عن الأرقام بالحروف عام 1591م.
- الدمج بين الهندسة والجبر، بصورة تمكّن من استخدام المعادلات هندسيًا عام 1637م.
- التوصّل إلى طرق حساب التفاضل والتكامل للمقادير المتناهية في الصغر في نهايات القرن 17م.
الرياضيات خلال الثورة العلمية
بدأت الثورة العلمية في القرن 17م، ومن أهم التطوّرات التي شهدها العالم في علم الرياضيات ما يأتي:
- ابتكار طرق الاشتقاق والتكامل خلال القرن 17م.
- التقدّم في مجال الجبر والحساب والهندسة التحليلية.
- زيادة الارتباط بين الرياضيات والعلوم الأخرى وخصوصًا الفيزياء على مدار القرن.
- العمل الجماعي بين علماء العصر للتباحث في أمور علمية رياضية بعد منتصف القرن 17م، مثل: باسكال، ديكارت، جاليليو، وغيرهم.
- إيجاد طرق جديدة في الحساب ساهمت في تطوّر الفلك والملاحة ممّا أدّى إلى ثورة عدديّة عام 1630م.
- عمل جون بيير على نشر جداول خاصة باللوغاريتمات عام 1614م.
- تأسيس كل من: الجمعية الملكيّة في لندن (1660م)، والأكاديمية الفرنسية للعلوم (1666م)، وأكاديمية برلين (1700م)، بهدف نشر ورعاية الأبحاث العلمية ودعم الرياضيات.
استكملت الثورة العلمية نجاحها في القرن 18م، وكان من أهم التطورات الخاصة بمجال الرياضيات في هذا القرن هو زيادة الارتباط بين الرياضيات والميكانيكا والعمل على جعل الرياضيات من العلوم العملية التي تميل إلى الهندسة بصورة أفضل، كما اتُّفق على فصل الرياضيات عن علم المنطق، وتسميتها بعلم الطبيعة، بالإضافة إلى تطور كل من التكامل والتفاضل ليصبح موضوعًا منفصلًا عن علم المنحنيات.
الرياضيات المعاصرة
اتّخذ الرياضيات منحىً جديدًا في القرن الـ19م، فأصبح مهنة، وأصبح علمًا قائمًا بذاته بالانفصال عن العلوم الفيزيائية الهندسية، ولم يعد هذا العلم مُرتكزًا على الأمور العملية القابلة للتطبيق فأصبح يميل إلى الجانب النظري بصورة واضحة، ومع حلول القرن الماضي بدأ العلماء بطرح العديد من الأسئلة التي تتعلّق بالمشاهدات العملية والمرتبطة بصورة مباشرة بالعلوم والهندسة، وتوصّلوا إلى العديد من الحلول بالاعتماد على طرق التحليل والحساب الرياضيّ، ومن ذلك التنبؤ العددي بالطقس.
يواصل العالم حاليًا في القرن 21م تطوّرًا ملحوظًا على الرياضيات التطبيقية العملية تماشيًا مع تنوّع المشاكل الجديدة المطروحة، وأصبحت الندوات والاجتماعات في جميع أنحاء العالم تناقش هذه المشاكل وحلولها المرتكزة على التسلسل الرياضي، كما سهّل هذا التطوّر دخول الحواسيب في إجراء العمليات الحسابية الدقيقة والمعقّدة.
مرّ علم الرياضيات بالعديد من المحطّات التاريخية، وساهمت العديد من الحضارات الإنسانية في تطوّره على مرّ العصور بدايةً من البابليين والمصريين، ومرورًا باليونانيين والصينيين والهنود، وانتهاءً بإنجازات المسلمين الهامّة في هذا المجال والتي اعتمدت عليها أوروبا لاحقًا، إلى جانب العلوم اليونانية بشكل أساسي، فقد عملت أوروبا في عصور النهضة والثورة العلمية على تقديم العديد من الإنجازات العلمية عمومًا والرياضية خصوصًا والتي لا زالت تُدرّس حتى وقتنا الحاضر ويُستفاد منها في فهم وتحليل المسائل التطبيقية.