تاريخ التشريع الإسلامي
التشريع الإسلامي
التشريع مشتقٌّ من الشرع؛ وهو النهج والطريق الواضح، وشرّع تشريعًا؛ أي وضع الشرع؛ فالتشريع هو وضعه وحدّده الله -تعالى- من النظم والأحكام؛ ليسير عليها المسلمون في حياتهم، ويضبطون أفعالهم بها من عباداتٍ، ومعاملاتٍ، وعلاقاتٍ، وهذا يعني أنّ التشريع الإسلاميّ نظامٌ شاملٌ لنواحي الحياة كلّها؛ الاقتصاديّة، والسياسيّة، والاجتماعيّة، ونظام القضاء والعقوبات، وغيرها من القواعد والأحكام التي تنظم حياة الناس وتفاعلاتهم مع بعضهم ومع الكون من حولهم.
المراحل التاريخية للتشريع الإسلامي
مرّ التشريع الإسلاميّ منذ بدء دعوة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للإسلام بجملةٍ من المراحل والأطوار، فيما يأتي ذكرٌ لهذه المراحل والأطوار تبعًا لتقسيم بعض العلماء:
- عصر النبوّة: وعصر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- هو العصر الذي اعتمد فيه التشريع على النصّ المتمثّل في القرآن الكريم والسنّة النبويّة.
- عصر الخلفاء الراشدين: وتمثّل التشريع في هذا العصر بنقل وحفظ نصوص القرآن الكريم والسنة، وضبط فهمها، والاجتهاد في المسائل والوقائع المستجدّة.
- عصر التابعين: وتمتدّ هذه المرحلة من آخر الخلافة الراشدة إلى أوائل القرن الثاني الهجري.
- عصر تابعي التابعين: وتمتدّ هذه المرحلة من سنة مئة وواحد للهجرة إلى سنة ثلاثمئة وعشرة للهجرة، وتميّزت هذه الفترة بالكتابة، وتدوين السنة النبوية، والفقه الإسلامي، في عهد الفقهاء.
- عصر التقليد: وهي المرحلة الممتدّة من منتصف القرن الرابع الهجري إلى سقوط بغداد، وقد كانت فترة ركودٍ فقهيّ، التزم أغلب العلماء فيها التقليد وقلّ فيها الاجتهاد.
- العصر الحاليّ: ويمتدّ هذا العصر من سقوط بغداد إلى وقتنا الحالي، حيث مرّ التشريع في هذه الفترة بأحوالٍ بين الجمود والاقتصار في التصنيف والتأليف على شرح المتون الفقهية القديمة أو التهميش عليها أو اختصارها، إلى أنّ عملت الدولة العثمانيّة على تقنين الفقه في قوانين ضمن مجلة الأحكام العدلية، إلى النشاط والنهضة الفقهيّة التي بدأت في العصر الحديث بتدريس الفقه وأحكام التشريع في المدارس والجامعات.
مصادر التشريع الإسلامي
تنقسم مصادر التشريع بحسب اتّفاق العلماء عليها إلى مصادر متَّفقٍ عليها، ومصادر مختلفٍ فيها، وفيما يأتي توضيحٌ للمصادر المتّفق عليها بين العلماء: وهي القرآن الكريم، والسنة النبويّة، والإجماع، والقياس.
القرآن الكريم
هو المرجع الأول لأحكام التشريع الإسلامي؛ فعند البحث عن حكم مسألةٍ أو نازلةٍ، يجب الرجوع إلى القرآن الكريم أولًا؛ فهو المرجع الأساس لمعرفة الأحكام الشرعيّة، وقد ضمّ القرآن الكريم جملةً من الأحكام الفقهيّة العمليّة؛ كأحكام الميراث، وبعض الأحكام المتعلّقة بفرض العبادات، وبمسائل الزواج والطلاق ونحوها.
السنة النبوية الشريفة
هي المصدر الثاني لتشريع الأحكام بعد القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة: هي كل ما وردَ عن الرسول - صلى الله عليه وسلم- من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ، وقد تأتي السنة النبويّة مبيِّنةً ومفصِّلةً لأحكامٍ جاءت مجملةً في القرآن الكريم، فمثلًا: جاء الأمر في القرآن الكريم بالصلاة، ولكنه لم يبيّن كيفيّة أدائها؛ فجاءت السنة النبوية الشريفة، لتوضّح كيفيّة الصلاة، وقد تأتي السنة بأحكامٍ جديدةٍ لم ترد في القرآن الكريم.
الإجماع
هو المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي، ويعني ما اتفقَ عليه المجتهدون من أحكامٍ شرعيةٍ، ويصير من الواجب تطبيقها من قبل المسلمين، ويُرجع إلى الإجماع عند عدم ورود نصٍّ في القرآن الكريم أو السُنة النبوية الشريفة؛ فرأي علماء المسلمين حجَّةٌ ومصدرٌ تثبت به للأحكام الشرعيّة.
القياس
هو المصدر الرابع من مصادر التشريع الإسلامي، وهو إلحاق مسألةٍ فقهيَّةٍ لا يوجد فيها حُكمٌ شرعيّ بمسألةٍ فقهيَّةٍ أخرى لها حكمٌ؛ لاشتراكهما في العلة وسبب الحكم، ويُرجع إلى القياس في حال عدم ورود حُكمٍ شرعي في القرآن الكريم، أو السُنة النبوية الشريفة، أو الإجماع، ومن الأمثلة على القياس: تحريم شرب الخمر في القرآن الكريم، والسبب (العلة)؛ لأنّه شرابٌ مسكرٌ، أي يؤدّي إلى ذهاب العقل، وعند وجود شراب آخر يؤدي إلى السُكر، يأخذ حكم الخمر في الحرمة قياسًا عليه، وقد حرّم الفقهاء النبيذ قياسًا على الخمر؛ لأنّهما يشتركان في علّة الإسكار.