تاريخ الأدب العربي
مفهوم تاريخ الأدب العربي
تاريخ الأدب هو رصْد مراحل تطوّر أدبٍ ما خلال مدةٍ زمنيّة معلومةٍ عبْر التاريخ، فيكون مفهوم تاريخ الأدب العربي هو بيان مراحل تطوّر هذا الأدب خلال التاريخ مع بيان أجناس هذا الأدب خلال كلّ مرحلة، إضافةً إلى السّمات التي امتاز بها الأدب في كل مرحلة من تلك المراحل التاريخية.
كان العرب قديمًا يُعبّرون عن هذا التقسيم من خلال مُصنفاتٍ يُقسّمون فيها الشعراء -مثلًا- إلى طبقات منذ الجاهلية وحتى عصرهم، وفيما بعد تأثّر العرب في هذا التأريخ والتقسيم بالغرب فكان الأدب الجاهليّ ، والأدب في عصر صدر الإسلام والعصر الأمويّ انتهاءً إلى الأدب الحديث.
هذا التأريخ -أي تاريخ الأدب العربي- يقتضي تقسيم الأدب العربي إلى عصور حسب الحقبة الزمنية المسيطرة على ذلك الوقت، وفي ذلك يتبين ما كان يمتاز به كلّ عصر من تلك العصور.
مراحل تطور تاريخ الأدب العربي
مرّ الأدب العربي منذ إبصاره النور بمراحل عديدة حتى يوم الناس هذا، وقد مضت عليه عصور متعددة مرّ فيها شعراء كثر، وتلك العصور هي:
الأدب العربي في العصر الجاهلي
يُقصد بالأدب في العصر الجاهلي هو الأدب الذي سبق ظهور الإسلام، وهذه المدة بين مئة وخمسين إلى مئتي عام كما يُشير الجاحظ في كتابه الحيوان، وكان الشعر في هذا العصر يُعدّ ديوان العرب الذي يُقرأ فيه كلّ شيء عنهم.
اعتنى القدامى بشعر هذا العصر عنايةً بالغةً، وألّفوا من أجله الكتب الكثيرة؛ إذ إنّ أوّل من قسّم أغراض الشعر في هذا العصر كان أبو تمام الطائي، غير أنّ تقسيمه جاء متداخلًا بعضه مع بعض.
التقسيم الأدّق منه هو تقسيم قدامة بن جعفر حين قسّم أغراض الشعر الجاهلي إلى المديح والهجاء والنسيب والمراثي والوصف والتشبيه، ومن أمثلة الشعر في العصر الجاهلي :
- قول امرئ القيس في معلقته:
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ
- بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ
فَتوضِحَ فَالمِقراةِ لَم يَعفُ رَسمُه
- لِما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمأَلِ
تَرى بَعَرَ الآرامِ في عَرَصاتِه
- وَقيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ
كَأَنّي غَداةَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلو
- لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ
وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُم
- يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَمَّلِ
وَإِنَّ شِفائي عَبرَةٌ مَهَراقَةٌ
- فَهَل عِندَ رَسمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ
- قول عمرو بن كلثوم :
أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا
- وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا
مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيها
- إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا
تَجورُ بِذي اللُبانَةِ عَن هَواهُ
- إِذا ما ذاقَها حَتّى يَلينا
تَرى اللَحِزَ الشَحيحَ إِذا أُمِرَّت
- عَلَيهِ لِمالِهِ فيها مُهينا
صَبَنتِ الكَأسَ عَنّا أُمَّ عَمرٍو
- وَكانَ الكَأَسُ مَجراها اليَمينا
وَما شَرُّ الثَلاثَةِ أُمَّ عَمرٍو
- بِصاحِبِكِ الَّذي لا تَصبَحينا
وَكَأسٍ قَد شَرِبتُ بِبَعلَبَكٍّ
- وَأُخرى في دِمَشقَ وَقاصِرينا
وَإِنّا سَوفَ تُدرِكُنا المَنايا
- مُقَدَّرَةً لَنا وَمُقَدَّرينا
الأدب العربي في صدر الإسلام والعصر الأموي
كان لعصر صدر الإسلام والعصر الأموي أدب خاص بهما، وتفصيل ذلك في النقاط الآتية:
- يبدأ عصر صدر الإسلام مع نشوء دولة المسلمين في المدينة المنورة بعد هجرة النبي -عليه الصلاة والسلام- إليها، فصارللمسلمين أدبهم الخاص الذي أخذ طابعًا جديدًا من خلال تأثّرهم بالدين الجديد.
- أضفى الإسلام على الشعر العربي طابعًا جديدًا، وذلك من خلال التأثير في المسلمين في القيم والأخلاق والتعاملات، وإدخال مفردات جديدة إلى أشعارهم لم تكن في لغتهم قبل ذلك، أو لم تكن تُستَعمَل في مثل هذا المقام.
- صار للمسلمين شعراء يدافعون عن الدعوة، ويذودون عن عرض الإسلام والنبي والمسلمين بألسنتهم، وعلى رأسهم حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وغيرهم.
- استمر عصر صدر الإسلام حتى نهاية الخلافة الراشدة بتنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهم- سنة 41هـ، ومن أمثلة الشعر في عصر صدر الإسلام ما يأتي:
- قول حسان بن ثابت وهو يرد على قريش:
عَدِمنا خَيلَنا إِن لَم تَرَوها
- تُثيرُ النَقعَ مَوعِدُها كَداءُ
يُبارينَ الأَسِنَّةِ مُصغِياتٍ
- عَلى أَكتافِها الأَسَلُ الظِماءُ
تَظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّراتٍ
- تُلَطِّمُهُنَّ بِالخُمُرِ النِساءُ
فَإِمّا تُعرِضوا عَنّا اِعتَمَرنا
- وَكانَ الفَتحُ وَاِنكَشَفَ الغِطاءُ
وَإِلّا فَاِصبِروا لِجَلادِ يَومٍ
- يُعينُ اللَهُ فيهِ مَن يَشاءُ
وَقالَ اللَهُ قَد يَسَّرتُ جُندًا
- هُمُ الأَنصارُ عُرضَتُها اللِقاءُ
لَنا في كُلِّ يَومٍ مِن مَعَدٍّ
- قِتالٌ أَو سِبابٌ أَو هِجاءُ
فَنُحكِمُ بِالقَوافي مَن هَجانا
- وَنَضرِبُ حينَ تَختَلِطُ الدِماءُ
أمّا العصر الأموي فيأتي بعد صدر الإسلام، وهو العصر الذي كان للسياسة فيه تأثير كبير على الشعر، فقد بدأت المُناحرات السياسية بين الأسرة الأموية من جهة، وبين المعارضين لهم من جهة أخرى.
ظهرت الأحزاب السياسية في العصر الأمويّ، ولكلّ حزبٍ من هذه الأحزاب شعراء يُدافعون عن حزبهم: مثل الشيعة، والخوارج، والزبيريّين، ومن أمثلة الشعر في العصر الأموي : هاشميات الكميت بن زيد الأسدي التي جعلها ليُثبت حقّ بني هاشم في الخلافة.
- قول الكميت الأسدي في قصيدة طربتُ وما شوقًا إلى البيض أطرب:
طَرِبتُ وما شَوقًا إلى البِيضِ أَطرَبُ
- ولاَ لَعِبًَا أذُو الشَّيبِ يَلعَبُ
ولم يُلهِنِي دارٌ ولا رَسمُ مَنزِلٍ
- ولم يَتَطَرَّبنِي بَنانٌ مُخَضَّبُ
وَلاَ أنَا مِمَّن يَزجرُ الطَّيرُ هَمُّهُ
- أصَاحَ غُرَابٌ أم تَعَرَّضَ ثَعلَبُ
ولا السَّانِحَاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّةً
- أمَرَّ سَلِيمُ القَرنِ أم مَرَّ أَعضَبُ
وَلكِنْ إِلى أهلِ الفَضَائِلِ والنُّهَى
- وَخَيرِ بَنِي حَوَّاءَ والخَيرُ يُطلَبُ
إلى النَّفَرِ البيضِ الذِينَ بِحُبِّهم
- إلى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ
بَنِي هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ فإنَّنِي
- بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَارًا وأغضَبُ
- قول عبيد الله بن قيس الرقيات مدافعًا عن الزبيريّين:
إِن تَعِش لا نَزَل بِخَيرٍ وَإِن تَهـ
- ـلِك نَزُل مِثلَ ما يَزولُ العَماءُ
إِنَّما مُصعَبٌ شِهابٌ مِنَ الـ
- ـلهِ تَجَلَّت عَن وَجهِهِ الظَلماءُ
مُلكُهُ مُلكُ قُوَّةٍ لَيسَ فيهِ
- جَبَروتٌ وَلا بِهِ كِبرِياءُ
يَتَّقي اللَهَ في الأُمورِ وَقَد أَفـ
- ـلَحَ مَن كانَ هَمَّهُ الإِتِّقاءُ
إِنَّ لِلَّهِ دَرَّ قَومٍ يُريدو
- نَكَ بِالنَقصِ وَالشَقاءُ شَقاءُ
بَعدَما أَحرَزَ الإِلَهُ بِكَ الرَتـ
- ـقَ وَهَرَّت كِلابَكَ الأَعداءُ
الأدب العربي في العصر العباسي
كان العصر العباسي في المشرق يُقابله العصر الأندلسي في المغرب، وتفصيل ذلك في النقاط الآتية:
- يبدأ العصر العباسي مع نهاية العصر الأموي باستيلاء العباسيين على الحكم سنة 132هـ بعد معركة الزاب الأعلى التي انتصر فيها جيش العباسيين على الأمويين وشتّتهم وهزمهم وهرب آخر خلفاء الأمويين مروان بن محمد.
- تأثّر الأدب والشعر في هذا العصر على نحو خاص بالمؤثرات الجديدة، سواء أكانت الفكريّة أم السياسيّة، فكان هناك شعراء للدعوة العباسية، وشعراء للشيعة، وشعراء للبرامكة، وشعراء للخوارج، وغير ذلك.
- ضمّ العصر العباسيّ كثيرًا من الشعراء الذين لمع اسمهم عاليًا في سماء الشعر العربي، مثل: المتنبي ، والبحتري، وأبو تمام، وأبو العلاء المعري، وأبو فراس الحمْداني، وغيرهم الكثير.
أبدع الشعراء العباسيون في قصائدهم، ومن الأمثلة على الشعر العباسي نستعرض النماذج الآتية:
- قول المتنبي:
واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ
- وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
مالي أُكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي
- وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ
إِن كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ
- فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ
قَد زُرتُهُ وَسُيوفُ الهِندِ مُغمَدَةٌ
- وَقَد نَظَرتُ إِلَيهِ وَالسُيوفُ دَمُ
فَكانَ أَحسَنَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ
- وَكانَ أَحسَنَ ما في الأَحسَنِ الشِيَمُ
فَوتُ العَدُوِّ الَّذي يَمَّمتَهُ ظَفَرٌ
- في طَيِّهِ أَسَفٌ في طَيِّهِ نِعَمُ
قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوفِ وَاِصطَنَعَت
- لَكَ المَهابَةُ مالا تَصنَعُ البُهَمُ
أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها
- أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ
أَكُلَّما رُمتَ جَيشاً فَاِنثَنى هَرَباً
- تَصَرَّفَت بِكَ في آثارِهِ الهِمَمُ
عَلَيكَ هَزمُهُمُ في كُلِّ مُعتَرَكٍ
- وَما عَلَيكَ بِهِم عارٌ إِذا اِنهَزَموا
أَما تَرى ظَفَراً حُلواً سِوى ظَفَرٍ
- تَصافَحَت فيهِ بيضُ الهِندِ وَاللِمَمُ
يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في مُعامَلَتي
- فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ
أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً
- أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ
وعلى الجانب الآخر من المشرق الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيريّة كان هنالك أدب منفصلٌ عن الأدب المشرقيّ؛ هو الأدب العربيّ في الأندلس أو الأدب الأندلسيّ ، بدأ هذا الأدب إثْر دخول المسلمين إلى الأندلس بعد فتْحها على يد طارق بن زياد وموسى بن نُصير سنة 92هـ.
بقي الشعر الأندلسي محافظًا على الطابع المشرقي حتى صار الحكم إلى الحكم الربضي الذي حكم بين عامي 180هـ و206هـ، وهنا يُمكن القول إنّ الأندلس صار لها أدبٌ خاصٌّ بها.
بدأ يتبلور أدبٌ جديدٌ للأندلس استقاه الشعراء من البيئة المحيطة ومن آداب الشعوب الأخرى التي تغلغلت في المجتمع الأندلسي؛ كالموشحات وشعر الطبيعة وشعر الممالك الزائلة.
- من أمثلة الشعر الأندلسيّ قول ابن زيدون :
أَضحى التَنائي بَديلًا مِن تَدانينا
- وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا
- حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا
مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ
- حُزنًا مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
- أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا
- بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا
فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا
- وَاِنبَتَّ ما كانَ مَوصولًا بِأَيدينا
وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا
- فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا
يا لَيتَ شِعري وَلَم نُعتِب أَعادِيَكُم
- هَل نالَ حَظّاً مِنَ العُتبى أَعادينا
لَم نَعتَقِد بَعدَكُم إِلّا الوَفاءَ لَكُم
- رَأياً وَلَم نَتَقَلَّد غَيرَهُ دينا
ما حَقَّنا أَن تُقِرّوا عَينَ ذي حَسَدٍ
- بِنا وَلا أَن تَسُرّوا كاشِحاً فينا
كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ
- وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا
بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا
- شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا
نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا
- يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا
- موشح الأعمى التطيلي الذي يقول فيه:
ضاحكٌ عن جُمانْ
- سافرٌ عن بَدرِ
ضَاقَ عنهُ الزمانْ
- وَحَواءُ صَدْري
آهْ ممَّا أجِدْ
- شَفَّني ما أجِدُ
قامَ بي وقعَدْ
- باطشٌ متَّئِدُ
كلما قلتُ قَدْ
- قالَ لي أينَ قَدُ
وَانثنىَ خُوطَ بانْ
- ذا مَهَّزٍ نَضْرِ
عابَثَتْهُ يَدَانْ
- للصَّبا والقَطْرِ
ليسَ ليْ مِنكَ بُدْ
- خذ فُؤاديَ عنْ يَدْ
لم تَدعْ لي جَلدْ
- غير أني أجْهَدْ
مَكرعٌ مِنْ شَهَدْ
- واشتياقي يَشْهَدْ
ما لِبِنْتِ الدِّنانْ
- وَلِذاكَ الثَّغْرِ
أين محيا الزّمان
- من مُحيَّا الجمر
الأدب العربي في العصر التركي
العصر التركي أو العصر العثماني هو العصر الذي خضع فيه الوطن العربي لحكم السلاطين العثمانيين منذ عام 1516م ولغاية سقوط الخلافة العثمانية سنة 1923م، وفي هذا العصر حدث تلاقح كبير للثقافات بين سكان الدولة العثمانية من العرب والفرس والأتراك، وغيرهم من سكان هذه الدولة مترامية الأطراف.
أمّا عن الأدب والشعر في هذا العصر، فيمكن القول إنّه امتدادٌ طبيعيّ للأدب في العصر المملوكي من حيث اعتناء شعرائه بالصنعة اللفظية أكثر من المعنى، فكان شعر الألغاز والمعمّيات والتطريز وغيره من فنون الشعر التي تعتمد على فنون البديع، إضافةً إلى ذيوع شعر المديح النبوي والشعر الصوفي وشعر الحب الإلهي ونحو ذلك.
أبدع شعراء هذا العصر في نظم القصائد، ومن تلك القصائد النماذج الآتية:
- قول ابن النقيب الحسني:
أيُّ قلبٍ يبقى على الحبِّ أيُّ
- طَرْفُ مَنْ قَدْ هَويتُهُ بابليُّ
ليس لي من هواه راقٍ وداءُ
- العِشْقِ بين الأَنام داءٌ قويّ
قادني نحوه الغَرامُ وفي جَفْنَيْـ
- ـهِ شيءٌ يدعو المحبَّ خفيُّ
هوَ من دونهِ الغَزالةُ جيدًا
- وبأعطافِه من الغُصْنِ زِيُّ
بدرُ تِمّ مُخَصّر الخَصْر أحوى
- حَدَثُ السنِّ مستجدُّ جَني
مُتْرفٌ ما يكاد يَخْطر إِلاّ
- بانَ في عطفه كلالٌ وعيّ
يشبه النَّور في نصاعَة وجهٍ
- عَنْدميِّ الخدودِ غِرٌّ حيّي
روضة للجمال صيغت من الدرِّ
- وغصن يعروه هَزٌّ وليّ
ليَ من مقلتَيْه رمزٌ خَلوبٌ
- وابتسام بادٍ ووحي نجيُّ
- قول عبد الغني النابلسي :
أرسل الله إلينا
- بالكرامات العظامْ
أحمد المختار طه
- سيد الرسل الكرامْ
فتهنوا يا رفاقي
- نلتمو كل المرام
والذي قد جاءكم يد
- عو إلى دار السلام
قالت اَقمار الدياجي
- قل لأرباب الغرام
كل من يعشقْ محمدْ
- ينبغي أن لا ينام
يا حبيب الله يا من
- نوره يملا الوجود
والذي من كفه قد
- فاض فينا بحرُ جود
أنت سر الله حقاً
- جئت من خير الجدود
لنجاة الخلق مما
- ضرهم تَهدي الأنام
قالت اَقمار الدياجي
- قل لأرباب الغرام
كل من يعشقْ محمدْ
- ينبغي أن لا ينام
الأدب العربي في العصر الحديث
يبدأ العصر الحديث للأدب العربي مع بزوغ فجر القرن التاسع عشر الذي حدثت فيه النهضة العربية، ويستمر حتى هذه الأيّام، وقد حدثت فيه نهضة أدبيّة كبيرة، وظهر فيه شعراء تركوا بصمةً كبيرةً في سماء الأدب العربي.
يُمكن التأريخ لبداية هذا الأدب حين تضافرت جهود جماعة الإحياء ونفضوا غبار البديع المُبالغ فيه عن الشعر العربي، وعادوا إلى دواوين الشعراء الفحول، وكتبوا قصائد تُعارضهم ليعيدوا الرّونق المفقود إلى الشعر العربي.
كان أبرز شعراء مدرسة الإحياء الشاعر المصري أحمد شوقي، والشاعر والوزير محمود سامي البارودي وغيرهم، ثمّ ظهر جماعة الرمزية والشعر الحديث وشعر التفعيلة والشعر المنثور، وغير ذلك إلى أنْ وصل الشعر إلى ما هو عليه اليوم.
- من أمثلة الشعر في هذا العصر قول أحمد شوقي في قصيدته التي يُعارض فيها سينية البحتري:
اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي
- اذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي
وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ
- صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ
عَصَفَت كَالصِبا اللَعوبِ وَمَرَّت
- سِنَةً حُلوَةً وَلَذَّةُ خَلسِ
وَسَلا مِصرَ هَل سَلا القَلبُ عَنها
- أَو أَسا جُرحَهُ الزَمانَ المُؤَسّي
كُلَّما مَرَّتِ اللَيالي عَلَيهِ
- رَقَّ وَالعَهدُ في اللَيالي تُقَسّي
مُستَطارٌ إِذا البَواخِرُ رَنَّت
- أَوَّلَ اللَيلِ أَو عَوَت بَعدَ جَرسِ
راهِبٌ في الضُلوعِ لِلسُفنِ فَطنُ
- كُلَّما ثُرنَ شاعَهُنَّ بِنَقسِ
يا اِبنَةَ اليَمِّ ما أَبوكِ بَخيلٌ
- ما لَهُ مولَعاً بِمَنعٍ وَحَبسِ
أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَو
- حُ حَلالٌ لِلطَيرِ مِن كُلِّ جِنسِ
كُلُّ دارٍ أَحَقُّ بِالأَهلِ إِلّا
- في خَبيثٍ مِنَ المَذاهِبِ رِجسِ
- قول نزار قباني في قصيدته من مفكرة عاشق دمشقي:
فرشت فوق ثراك الطاهـر الهدب
- فيا دمشق.. لماذا نبـدأ العتبـا؟
حبيبتي أنتِ.. فاستلقي كأغنيةٍ
- على ذراعي، ولا تستوضحي السببا
أنتِ النساء جميعًا.. ما من امرأةٍ
- أحببت بعدك.. إلا خلتها كذبا
يا شام، إنّ جراحي لا ضفاف لها
- فمسِّحي عن جبيني الحزن والتعبا
وأرجعيني إلى أسوار مدرستي
- وأرجعي الحبر والطبشور والكتبا
تلك الزواريب كم كنزٍ طمرت بها
- وكم تركت عليها ذكريات صبا
وكم رسمت على جدرانها صور
- وكم كسرت على أدراجها لعبا
أتيتُ من رحم الأحزان يا وطني
- أقبّل الأرضَ والأبواب والشهبا
حبي هنا.. وحبيباتي وُلِدنَ هنا
- فمن يعيد لي العمر الذي ذهبا؟
أنا قبيلة عشّاقٍ بأكملها
- ومن دموعي سقيت البحر والسحبا
فكل صفصافةٍ حولتها امرأةً
- وكل مئذنةٍ رصعتها ذهبا