أحكام السهو في الصلاة
سجود السهو
الكمال صفةٌ من صفات الله تعالى، لا يشاركه فيها أحدٌ من خلقه، والنّقص من طبيعة البشر، وقد جاءت التّشريعات الإسلامية متوافقةً مع طبيعة الناس، ومعترفةً بقصورهم عن إدراك الكمال، ومن ذلك ما شرعه الإسلام من أمر سجود السهو للصلاة عند وقوع خللٍ في أدائها؛ ليجبر ما اختل من صفة إقامتها، سواء كان ذلك زيادةً أو نقصاً أو شكّاً، وهذا تأكيد على يُسرُ العبادات في الإسلام ، وأنّه سمةٌ جليّة في تشريعاته، وقد صحّ في الأحاديث أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- سها في صلاته، وسجد لأجل ذلك سجود السهو، وفي هذا يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إنما أنا بشرٌ أنسى كما تنسون، فإذا نسيتُ فذكروني، وإذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه فليتحرَّ الصوابَ، فلْيُتِمَّ عليه، ثم لِيسجدْ سجدتين)، وسجود السهو له أسبابه وأحكامه ومواضعه التي يجدر بكلّ مسلمٍ أن يحيط بها علماً، ليحقّق سلامة صلاته، ويحصل له أجرها، إذ أنه لا يعذر مسلم بجهالته في أمور العبادات المفروضة عيناً؛ لذا كان السؤال عن سجود السهو في الصلاة .
أحكام السهو في الصلاة
يرد الخلل في الصلاة وأقسامها، سواءٌ أكان الخلل في أركاناً أو واجبات أو سنن، وتصحيح الخلل الحاصل في الصلاة له أحكامه عند أهل الفقه، وبيان ذلك في العناوين الآتية.
السهو في أركان الصلاة القولية
من الممكن أنْ يترك المصلي ركناً في الصلاة أو ينقله، أويبدّله:
- إذا ترك المصلّي تكبيرة الإحرام ، وجب عليه إعادة الصلاة؛ لأنّها مفتاح الشروع في الصلاة، ولا يستطيع المصلي تداركُها.
- إذا نقل المصلي ركناً قوليّاً إلى موضع آخر غير موضعه المشروع في الصلاة، كأن يقرأ بالفاتحة في ركوعِه أو تشهده بدلاً من القيام، أو أن يقرأ بصيغة التشهُّد أثناء القيام أو الركوع، فهذا وما في حكمه عند الشافعية يُجبَرُ بسجود السهو، أمّا المالكية فقالوا: لا يلزمه السجود، وجوّزه بعض الحنابلة على الاستحباب، وأمّا الحنفية فقد فصّلوا في المسألة؛ فقالوا: قراءة المصلي سورة الفاتحة في ركوعه أو سجوده يلزمه السجود للسهو، خلافاً لو تشهّد المصلي في موضع القيام أو الركوع، فلا يلزمه؛ لأنّ الركوع والسجود في مذهبهم ليسا محلاً لقراءة الفاتحة، فوجب له السجود، أما التّشهد في القيام لا يوجب السجود؛ لأنه موضع ثناء عامّ على الله تعالى.
- إذا ترك المصلي الركن القوليّ فجمهور الفقهاء على أنّه يلزمه قضاء ركعةٍ مكانها وسجود السهو؛ وذلك لأنّ قراءة الفاتحة ركنٌ في كلّ الرّكعات عند الجمهور، خلافاً لما أجازه الحنفية إذا كان المتروك هو قراءة الفاتحة في أوّل ركعتين فللمصليّ أنْ يقضيها في آخر ركعتين مقرونة بسجود السهو، وإن كان الرّكن القولي الذي تركه المصلي هو التشهُّد الأخير، أو التسليمة، فعند الشافعية يجب الإتيان به، ثم يسجد للسهو، وعلى العموم فالفقهاء متّفقون على بطلان الصلاة في حال لم يسجد المصلي سجود السهو بعد أداء الرّكن الذي حصل فيه الخلل.
السهو في أركان الصلاة الفعلية
إذا ترك المصلي ركناً فعلياً؛ فهو إما يمكنه تداركه أو لا يمكنه، وفي المسألة عند أهل الفقه تفصيل:
- إن ترك سهواً ركناً فعليّاً قبل ختم الصلاة بالسلام؛ كأن يسجد قبل الركوع، أو يركع قبل القيام، لزمه قضاؤه وقت تذكّره، وعندها يتمّ صلاته من حيث قضى الركن الذي فاته، ثم يسجد للسهو في نهاية صلاته، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
- ذهب الحنفية إلى أنّ ترك المصلي لإحدى سجدتَي الركعة لا يُلغي الركعة كاملةً، بل يقضي السجدةَ التي نسيها آخر صلاته ثم يسجد للسهو، ووافق الشافعية والحنابلة فيما لو ترك السجدتين معاً أو الركوع؛ فيلزمه حينها قضاء ركعة كاملة، وهذا كلّه في حال تذكّر المصلي الركن الذي فاته قبل السلام.
- إذا لم يتذكّر المصلي الركن إلا بعد أن سلَّم وختم صلاته، فإن كان قد ظلّ في مكانه يعود إلى قضاء الركعة التي سها في أحد أركانها عند جمهور الشافعية والحنابلة، ووافقهم الحنفية باستثاء ركن السجود.
- إن طال الفصل بين إتمام الصلاة وتذكّره للركن الذي سها فيه أو انتقض وضوؤه قبل أنْ يتذكّر، لزمه إعادة الصلاة.
- جمهور العلماء على أنّ الكلام القليل في فترة الفصل بين التسليم وتذكّر الساهي لا يوجب الإعادة، وخالفهم الحنفية في هذا.
السهو في واجبات وسنن الصلاة
السهو في واجبات الصلاة مختلف عن السهو في سننها، وللعلماء في أحكام السهو فيهما تفصيلٌ على النحو الآتي:
- عدّا الحنفية والحنابلة أموراً من واجبات الصلاة، يلزم عندهم سجود السهو لمن نسيها، وبسجود السهو يسقط عن المصلي الواجب الذي نسيه، ومثاله: إذا نسي المصلي التشهد الأول وقام للركعة الثالثة بعد السجدة الثانية من الركعة الثانية؛ فإذا كان للجلوس أقرب منه إلى القيام لزمه أن يرجع للتشهد دون حاجةٍ لسجود السهو، وإذا كان للقيام أقرب يشرع في ركعته الثالثة ولا يلزمه أن يعود للتشهد، ويجبر الخلل الحاصل بسجود السهو، لما صحّ به الخبر عن رسول الله: (إذا صلَّى أحدُكم فقام من الجلوسِ فإنْ لم يستتمَّ قائمًا فليجلسْ، وليس عليه سجدتانِ، فإنِ استوَى قائمًا فليَمضِ في صلاتهِ وليسجدْ سجدتينِ وهو جالسٌ).
- ترك السنن سهواً أو عمداً لا تعدّ خللاً موجباً لسجود السهو، إلا في حالات قليلةٍ عند بعض العلماء، فترك دعاء القنوت في صلاة الفجر عند الشافعية يلزمه سجود السهو، وبعض أهل العلم تناولوا مسألة نسيان الجهر في الصلاة الجهرية أو نسيان الإسرار في الصلاة السّرية، وقالوا: يُجبر هذا بسجود السهو.
- من السنن التي يسجد فيها للسهو استثناءً؛ الجهر في الصلاة السرية، أو الإسرار في الصلاة الجهرية، خلافاً للشافعي وأحمد في رواية عنه.
- الأذكار والأدعية المأثورة في الصلاة لا يسجد فيها للسهو، إلا عند من عدّ بعضها في الواجبات كما في المذهب الحنبلي.
أحكام السهو بالزيادة في الصلاة
الزيادة في الصلاة خلل يحدث إما في جنس أقوال وأفعال الصلاة أو في غير جنسها، وبيان ذلك :
- إذا كانت الزيادة في الصلاة من جنس أفعالها وأقوالها كأن يأتي المصلي بركنٍ كالركوع أو السجود زيادة على المشروع في الصلاة، فهذا يلزمه السجود للسهو، وينجبر بذلك الخلل؛ لما صحّ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث قال: (إذا زادَ الرجلُ أو نَقَصَ فليَسْجُدْ سجدتين).
- إذا زاد المصلي ركعةً إلى صلاته بعد أدائه لركعاتها المفروضة، فتختلف أحكام سجود السهو تبعاً لوقت تذكّره لها كالآتي:
- إذا تذكّر أنّه شرع بركعةٍ زائدةٍ قبل سجود هذه الركعة عاد مباشرةٍ للتشهد الأخير، وإن لم يفعل ذلك عمداً بطلت صلاته.
- إذا تذكّر أنّه أتى بركعةٍ زائدةٍ بعد سجود هذه الركعة، فجميع المذاهب باستثناء الحنفية تُلزمه بالتشهد بعد الركعة الزائدة، ثمّ يسلم ويسجد للسهو؛ لما ثبت في الصحيح أنّ عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (صلى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الظهر خمسًا، فقالوا: أزيد في الصلاةِ؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليتَ خمسًا، فثنى رجليه، وسجد سجدتين).
- ذهب العلماء إلى أنّه إذا جاء المصلي بدعاءٍ أو ذكرٍ غير مأثورٍ في الصلاة مثل قوله في تكبيرات الصلاة: الله أكبر كبيرًا، فهذا لا يُفسِد الصلاةَ، ولا يلزم من فعله سجود السهو .
- إذا كانت الزيادة الحاصلة أقوالاً من جنس الصلاة، كالكلام أو ردّ السلام، فهذا تفسُد به الصلاة إذا كان عمداً لا سهواً عند جمهور الفقهاء، خلافاً لما عليه الحنفية من أنّ الكلام تفسُد به الصلاة سهواً كان أوعمداً.
- إذا كانت الزيادة أفعالاً من غير جنس الصلاة، كانتقال خطواتٍ أوحكّ الجسم وما في حكمها، فالصلاة تفسُد بكثرتها، ولا حرج في قليلها سهواً كان ذلك أوعمداً.
حكم السهو عند الشكّ في عدد ركعات الصلاة
إذا أصاب المصلي شكٌّ في معرفة عدد الركعات التي صلّاها، فإنّ للعلماء في المسألة بياناً:
- اتّفق جمهور الفقهاء على أنّ المصلي في حال التردّد والشكّ يبني على الأقل بإطلاق؛ لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا شَكَّ أحدُكُم في صلاتِهِ فلم يَدرِ كَم صلَّى؟ ثلاثًا أمْ أربعًا؟ فليطرَحِ الشَّكَّ، وليبنِ على ما استيقنَ، ثمَّ يسجُدُ سجدتينِ قبلَ أن يسلِّمَ؛ فإن كانَ صلَّى خَمسًا، شفَعنَ لَه صلاتَه، وإن كانَ صلَّى إتمامًا لأربعٍ كانتَا تَرغيمًا للشَّيطانِ).
- أمّا فقهاء الحنفية فذهبوا إلى وجوب إعادة الصلاة إذا كان الشكَّ أوَّل ما عرض له؛ بمعنى أنّه لا يتعرّض للشكّ في صلاته إلا نادراً، واستندوا لحديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنّ رسول الله سُئِل عن رجلٍ سها في صلاته، فلم يَدْرِ كم صلَّى، فقال: (ليُعِد صلاته وليسجُدْ سجدتين قاعدًا). أما إن كان الشكُّ كثيراً ما يعرض له، فهذا يبني على الأغلب في ظنّه، وإن استوى الظنّ عنده، ولم يرجّح جانباً على آخر يبني على الأقل، ويتمّ صلاته ويسجد للسهو، وكذلك قال الحنابلة، ولكن من غير تفريق كما عند الحنفية.
تعريف الصلاة وحكمها
- الصّلاة شرعاً: هي عبادةٌ مخصوصةٌ ومفروضة لله تعالى، يؤدّيها المسلم المكلّف على وجه الوجوب الشرعي بأقوالٍ وأفعالٍ محدّدة ومنضبطة، وصورتها أن تبدأ بالتكبير ، وتُختَتَم بالتسليم، وجاء تسميتها بالصلاة؛ لأنّها تتضمن الدعاء والوقوف بين يدي الله، والصلاة في أصل معناها اسم لكلّ دعاء.
- حُكم الصلاة: الصلاة من أهمّ المهمّات في الدين، بل هي عمود الإسلام، وقد أجمعت الأمة قاطبةً على أنّها من فروض الأعيان، حيث تجب بحقّ كلّ مسلم ومسلمة ضمن التكليف الشرعيّ المعتدّ به عند أهل العلم، وهو للرّجل العاقل بنزول المنيّ أو ما في حكمه، وبدء الحيض للمرأة العاقلة أو ما يقوم مقامه، ومن الأدلة على فرضية الصلاة في القرآن الكريم والسنّة النبويّة وفي إجماع المسلمين؛ حيث يقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)، وكتاباً بمعنى: مفروضاً، وأمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- بأنْ يُعلِم بوجوبها أهل اليمن؛ فقال عليه السلام: (فأَعْلِمْهم أن اللهَ قد افتَرَضَ عليهم خمسُ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ)، وأهل الفقه على اتّفاقٍ بكفر من أنكر وجحد فرضيّة الصلوات أو واحدةٍ منها، وأنّ كفره يكون كُفراً مُخرجاً من الملّة، وتُقام عليه أحكام أهل الردة ما لم يرجع عن جحوده وإنكاره للصلاة، ويعلنُ توبته، زذلك ما لم يكن قد دخل حديثاً في الإسلام كما أفاد بذلك أهل العلم، ولم يطّلع بعد على أركانه وفرائضه بعد.