بحث عن نظرية المعرفة عند ديكارت
نظرية المعرفة عند رينيه ديكارت
أسس ديكارت نظريته في المعرفة على أساس يقيني، مما يعني أنه لا يمكن الشك فيه، ولكنه عمل على تفريغ العقل البشري من كافة العلوم التي تلقاها، ليبدأ التأسيس لمعارف يقينية، لذلك أكد ديكارت على ضرورة ابتداء نظريته في المعرفة بالشك في كل ما سبق، مما يعني أنه سيصبح خاضعًا للتمحيص، وبعد التمحيصات المطلوبة يمكن أن يبني نسقًا معرفيًا.
علاقة الشك بالمعرفة عند ديكارت
وعن أهمية الشك وعلاقته بالمعرفة من وجهة نظر ديكارت:
- تطرق ديكارت إلى أهمية البداية في الشك كخطوة أولى للتأسيس للمعارف في كتابيه تأملات في الفلسفة الأولى، ومقال في المنهج، وأشار إلى أنّ الشك الديكارتي يتميز بكونه شكًا منهجيًا، مما يعني أنه ليس شكًا مطلقًا كما يشك اللا أدريين، وكونه مؤقتًا يعني أنه شكٌ يهدف إلى الوصول إلى المعرفة، كما أنه شك إرادي، أي صادر عن إرادة تامة من الإنسان، وهو لا يقع ضمن طبيعته الإنسانية.
- شمل الشك الديكارتي المعرفة المستمدة من الحواس، وهذا الأمر نتيجة حتمية لكونه فيلسوفًا ينتمي إلى التيار العقلاني، مما يجعل ثقته ضعيفة جدًا في الحواس؛ لأنها تخدع العقل البشري وقد تظهر الأشياء على عكس ما هي عليه، وبذلك يظهر أنّ رأي ديكارت في الحواس مقاربٌ لرأي الغزالي، والقديس أوغسطين، فثلاثتهم على اختلاف فلسفاتهم، إلا أنهم أجمعوا على عدم الثقة بالحواس كمصدر للمعرفة .
- شمل الشك الديكارتي أيضًا المعرفة العقلية، والوجود بأكمله، ومن خلاله توصل ديكارت إلى الكوجيتو، "أنا أفكر إذن أنا موجود"، وهذه النتيجة هي إثبات لوجود ذات تفكر وهو أساس المعرفة، فبحسب وجهة نظر ديكارت يمكن للإنسان أن يشك في كل شيء، إلا أنه لا يمكنه أن يشك في وجود ذات تمارس الشك، والتفكير.
مراحل تشكل المعرفة عند ديكارت
تتميز المعرفة عند ديكارت بطابع منهجي، فبعد الشك في كل المعارف السابقة، تبدأ عملية ترتيب المعارف الجديدة، وبذلك تكون المعرفة يقينية، وأطلق ديكارت على الضوابط التي تخضع لها عملية تشكل المعرفة قواعد المنهج، وهي:
- القاعدة الأولى: لا يسلم الباحث بشيء إلا بعد التأكد من أنه حقيقة، وفي هذه القاعدة يعرف ديكارت الحق على أنه الإدراك بالحدس، المباشر، أو غير المباشر أو من خلال الاستنباط، وتتميز هذه السبل بالوضوح والبساطة، ويترتب على هذا التعريف إقصاء كل ما لا يقع ضمن أنواع الحدس والاستنباط، سواء كان ذلك في العلوم الإنسانية مثل التاريخ، أو العلوم الطبيعية، فقد استثنى ديكارت مفهوم القوة.
- القاعدة الثانية: تقسيم المشكلة إلى أجزاء صغيرة، وذلك لتسهيل البحث فيها، ومعرفة الحيثيات التي تخص إشكالية البحث، ويتم في هذه القاعدة الانتقال من الكل المركب إلى الأجزاء؛ أي الانتقال مما هو تابع لغيره ومعقول إلى استقلال الأجزاء، وهذا هو التحليل في فلسفة ديكارت.
- القاعدة الثالثة: إعادة ترتيب الأجزاء حسب التراتبية، والهرمية، فالبداية تكون بالأبسط، والأسهل، ويتم الانتقال من الأبسط إلى الأكثر تعقيدًا بالتدرج، ويطلق على هذه القاعدة التركيب بعد التحليل، واعتمد ديكارت في الاستنباط على نظام الأسباب، وقانون السببية في استنتاج النتائج، وبذلك أنهى ديكارت القاعدة الرابعة بقوله لا علم إلا بنظام، فالمعارف العلمية تعتمد على النسقية والسببية.
- القاعدة الرابعة: الإحصاءات الشاملة، ويقصد بها إعادة دراسة المشكلة من جديد وتقديم المراجعات الشاملة، والتأكد من عدم إغفال أي جانب من جوانبها، والهدف منها هو استيعاب كل ما يتعلق بإشكالية البحث، والتحقق من صدق النتائج، وعلى الباحث أن يتحلى بالمصداقية والموضوعية التامة، فلا يحابي نفسه، ويتأكد من سبل الانتقال والتدرج في الترتيب.
أهمية نظرية المعرفة عند ديكارت
إذا التزم الباحث بالترتيب وانتقل بنظام من مستوى إلى آخر، فإن هذا الانتقال سيقوم مقام الحدس بين نتيجة القضية ومقدمتها، وبهذا كان لديكارت أهمية كبرى في اختلاف منهجيته على المنهج الأرسطي، فالهدف من المنهج الديكارتي ليس الوصول إلى نتائج كلية نهائية، كما هو في المنهج الأرسطي في المعرفة؛ بل كان يهدف إلى الوصول إلى أقصى حد ممكن من النسقية بين حدود القضية وحيثياتها، مما يجعله مترابطًا ترابطًا منطقيًا، وبذلك يتضح أنّ المعرفة العلمية لا تقوم إلا من خلال المنهج الذي صاغ ديكارت قواعده، وخالف الفلاسفة الآخرين لأن الاستنباط الذي قوم به العقل هو أساس المعرفة لا الحواس.