بحث عن حقوق المرأة في الإسلام
حقوق المرأة في الإسلام
حق المساواة في الحقوق
الإسلام دينٌ شُموليٌّ، ومن هذه الشُموليَّة أنَّه قد وَضع كافَّة الحُقوق المتعلِّقة بالرَّجل والمرأة على السَّواء، والتي من خلالها تتحقَّق الكرامة الإنسانيَّة لهُما بدون تفضيل أحد الجنسين على الآخر، وقد جَعل مقياس التفاضل الوحيد بينهما هو التَّقوى ، قال الله -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وقسَّم الإسلام الحقوق والواجبات على كلّ من المرأة والرَّجل بطريقةٍ تُحقِّق التَّكامليّة بينهما، ممَّا يؤدِّي إلى نجاح واستدامة الحياة الزَّوجيّة والأسريّة؛ فأُعطي الرَّجل مثلاً حقَّ الطَّلاق ، وأُعطيت المرأة في المقابل حقَّ الخُروج من الزَّوجيّة التي تضرُّها، وطلب التَّطليق من زوجها، كما لها حق العمل إن احتاجت إليه، ولها أيضاً ذمّة ماليَّة مُستقلة، وبهذا تتحقّق المساواة بين الرَّجل والمرأة، ولا أدلَّ على هذه المساواة من قول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنَّما النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ).
وبالإضافة إلى المساواة بين الرَّجل والمرأة، قام الإسلام أيضاً بتكريم المرأة أيَّما تكريم ورفع المظالم عنها؛ فقد كرَّمها أولاً كإنسانة بأن أكَّد أهليَّتها للتَّكليف والمُحاسبة ودُخول الجنَّة، كما جاء في قول الله -تعالى-: (مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ)، وكرَّمها كأُمّ، قال الله -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ)، وكرَّمها كبنت، فقد حرَّم وَأد البنات الذي كان في الجاهليَّة، وكرّمها كزوجة، فقال -سبحانه-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
وتجدر الإشارة إلى وجود العديد من أشكال المُساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام، ونذكر بعضها فيما يأتي:
- المُساواة في أصل النَّشأة: حيث إنَّ كُلاًّ من الرَّجل والمرأة خُلقا من نَّفسٍ واحدةٍ، كما جاء في قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)..
- المساواة في المصير: حيث إنَّ كُلاًّ الرَّجل والمرأة سيعودون إلى الله -تعالى- وسَيتمُّ حسابهم وجزاؤهم كُلاًّ بحسب عمله خيراً كان أو شراً، قال -تعالى-: (وَكُلُّهُم آتيهِ يَومَ القِيامَةِ فَردًا).
- المساواة في أهليَّة الخطاب الشَّرعيّ: حيث إنَّ الخطاب الشَّرعي والتّكاليف الشَّرعية جاءت تُخاطب المرأة كما تخاطب الرَّجل، فالمرأة مُستقلّة عن الرَّجل في ذلك وليست تبعاً له؛ إذ إنَّ عليها هي بذاتها أن تُؤمن بالله -عزّ وجلّ- وبأركان الإيمان كافَّة، وعليها أداء جميع التَّكاليف الشَّرعية المُتعلِّقة فيها، وهي التي ستتحمَّل المسؤوليّة والحساب بناءً على ذلك، وكما جاء الخطاب في القرآن الكريم مُوجَّهاً للرَّجل، جاء أيضاً في العديد من الآيات مُوجَّهاً للمرأة أيضاً.
- المساواة أمام القضاء: إذ إنَّ للمرأة الحَصانة القانونيّة، ولها حقُّ التَّقاضي والمطالبة برفع الظُّلم عنها؛ وهناك العديد من الأمثلة للنِّساء اللاَّتي احتكمن إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وطلبن منه رفع الظّلم الواقع عليهنَّ، وقام الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- بإنصافهنَّ وإعطائهنَّ حقوقهنَّ.
- المساواة بين الرَّجل والمرأة في الأُسرة : وذلك من خلال التّوزيع المُتكافئ للحقوق والواجبات على الطَّرفين على السّواء، ومن حقوقها المتعلِّقة في الأسرة وجوب مشاورتها في أمور الأبناء وتربيتهم ومنها فِطام الأبناء، حيث قال -تعالى-: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا).
الحقوق الدينية
تمتلك المرأة الأهليَّة الكاملة للتّكاليف الشَّرعية مثلها مثل الرَّجل تماماً؛ حيث يجب على وليِّ أمرها أن يُعوِّدها على العبادات منذ صغرها ويعلمها إيَّاها، كما جاء في الحديث الشريف: (مروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ وفرِّقوا بينهُم في المضاجعِ)، والبنت الأنثى تدخل في الحديث بلا خلاف كما قال النَّووي. كما أنَّها مُكلَّفة بكلِّ العبادات التي تجب عليها بعد البلوغ، ولا يملك أحدٌ منعها من مُمارسة العبادات، فكلُّ العبادات المُخاطبة فيها المرأة عليها أداؤها وسُتحاسب عليها كما الرَّجل تماماً.
وللمرأة العديد من الحقوق الفكريَّة والدِّينية؛ حيث تكفَّل الإسلام للمرأة بحقِّ التَّفكير والاعتقاد ، بل وأوجب التَّفكير والنَّظر في الكون والتفكُّر في مظاهر قُدرة الله -تعالى- عليها، لما لذلك من فائدةٍ عظيمةٍ على قوة الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- وقدرته ووحدانيته، كما تكفَّل الإسلام للمرأة بحقِّ الاعتقاد، ومَنَع إكراهها من قِبل أي طرفٍ على تغيير مُعتقدها، قال الله -تعالى-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّيّ) وهناك العديد من النّماذج من الصَّحابيَّات اللَّاتي أسلمنَ وتركنَ أزواجهنُّ من الكفَّار وهاجرن مع بقية المسلمين، بل وبعضهنُّ أثَّرنَ في أزواجهنّ فدخلوا الإسلام بسببهنُّ، مثل أمُّ سليم زوجة أبي طلحة الأنصاري.
الحق في التربية والتعليم
إنّ للتّربية والتعليم أثراً عظيماً على الإنسان، وللمرأة حقٌّ فيه كما للرَّجل تماماً، وتعليم البنت مُنذ الصِّغر يوسِّع مداركها العقليّة والنفسيّة، ويزيد الوعي لديها اتّجاه دورها في المجتمع، والمسؤوليّات المُوكّلة لها، فتصبح عضواً فعَّالاً بالمجتمع، تُؤدِّي ما عليها من الواجبات، وتُطالب بحُقوقها بوعي، كما أنَّ تعليم المرأة يُساهم في تطوُّر المجتمع بشكلٍ عام، ويُسرِّع عجلة النُّمو الاقتصاديّ والاجتماعيّ والحضاري، ويُساعدها في المستقبل على إنشاء جيلٍ واعٍ، وهناك العديد من الأدلّة على نجاح المرأة، وتفوُّقها في كسب العديد من الشَّهادات العلميّة في مختلف المجالات.
وهذا الأمر ليس بجديد، بل هناك العديد من الأمثلة على نساءٍ مسلماتٍ بَرزن وتفوَّقن في عِلمهنَّ واجتهادهنَّ، ومنهُنَّ السيِّدة عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنها-؛ فقد عُرفت باجتهادها في العديد من الأحكام الشرعية ، كما روت العديد من الأحاديث النبويَّة، وفسّرت بعض الآيات الكريمة، وعُرفت بدرايتها في الأنساب وقولها الشّعر، وفي هذا دليلٌ على تساوي القُدرات العقليّة لدى كلٍّ من المرأة والرَّجل. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الإسلام ضمِن حقَّ التعليم لكلٍّ من المرأة والرَّجل، فقد جاء في الحديث الشريف: (طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ)، وهذا يَصدُق على المسلمة أيضاً.
وقد كانت النِّساء في زمن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- يطلبنَ العلم ويَسعينَ إليه، بل ويطلُبنَ بحقهنَّ في تخصيص يومٍ لهنَّ لسؤال الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- والتَّعلُّم منه كما يفعل الرَّجال معه، حيث جاءت امرأة للرسول فقالت: (يا رَسولَ اللَّهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بحَديثِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا مِن نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فيه تُعَلِّمُنَا ممَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، فَقالَ: اجْتَمِعْنَ في يَومِ كَذَا وكَذَا في مَكَانِ كَذَا وكَذَا، فَاجْتَمَعْنَ، فأتَاهُنَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَعَلَّمَهُنَّ ممَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ)، فهذا دليلٌ على أهمية طلب العلم الشرعيِّ للمرأة. كما يوجد من العلوم الدنيوية ما يتعلَّق بالمرأة ويُعتبر ضرورةً في حقِّها؛ مثل طب النِّساء، وذلك لئلَّا يطَّلع الرّجالُ على عورات النَّساءِ، وغيرها من العلوم الدنيوية التي تستطيع المرأة طلبها، ولكن يُقيَّد ذلك بأمورٍ عدَّة؛ منها أن تتجنَّب الاختلاط بالرِّجال قدر الإمكان، فلا تجلس بجانبهم مثلاً، والأفضل أن يُخصَّص مكاناً لها، وأن تكون مُحتشمة في لباسها وغير متزيِّنة بزينةٍ مُحرَّمة.
حق المرأة في العمل والتملك
أثبت الإسلام للمرأة حقَّ التَّملك بأنواعه المختلفة، وأبطل ما كان سائداً في الجاهليّة من حرمان المرأة من التَّملك، وأثبت لها أيضاً التّصرفات الماليّة بأنواعها، ولها حقُّ الوصيَّة والإرث كالرَّجل، بل وعلى الرِّجال أعباءٌ ماليّة إضافية ليست على المرأة؛ مثل المهر والنَّفقة على المرأة والأولاد، وإنْ كانت المرأة غنيَّة، حيث إنَّ الإسلام قد تكفَّل بنفقة المرأة المسلمة منذ ولادتها إلى موتها، كما أعطى الإسلام للمرأة حقَّ البيع، والشراء ، والإجازة، والهِبة، والصَّدقة، ولها أيضاً حقّ التَّقاضي للدِّفاع عن حُقوقها الماليّة ورفع الظلم عنها.
وتكفَّل الإسلام بحقِّ المرأة في العمل خارج البيت، لأنَّ الإسلام في أساسه دين عملٍ، واجتهادٍ، وبذلٍ، وسَعيّ، وحثَّ الإسلام على العمل والسَّعي في العديد من الآيات، لأنَّ الإنسان إنَّما خُلق ليعمل ومن ثمَّ يُحاسب على عمله خيراً كان أو شراً، قال -تعالى-: (وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ)، وحقُّ العمل والكسب يتساوى فيه الرَّجل والمرأة إن كان العمل والكسب مشروعاً في ذاته، ومن ذلك أباح الإسلام للمرأة الأعمال المشروعة والتي تتناسب مع طبيعتها وأنوثتها، ولم يُحرِّم عليها أيُّ عملٍ مشروع، ولكن تمّ تقييدُه بُما يحافظ على كرامتها ويَحميها من التّواجد بمكانٍ لا يَليق بها، أو القيام بأعمالٍ لا تُناسب رِقَّتها، كما أنَّ الإسلام لم يَمنع المرأة من مُمارسة عملها والاستمرار فيه أثناء عِدَّتها إن كان عَملها ضرورياً ونافعا لهاً.
حق المرأة في اختيار الزوج
ضمن الإسلام للمرأة حقّ اختيار زوجها الذي ترضاه شريكاً لها، ومنع إجبارها على الزَّواج ممَّن لا ترضاه، كما أوجب الإسلام على وليِّ الأمر أن يَستأذن ابنته في أمر زواجها، ورضاها يكون من خلال سكوتها إن كانت بكراً، لِما جاء في حديث في حديث السّيدة عائشة أمّ المؤمنين -رضيَ الله عنها-: (قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، يُسْتَأْمَرُ النِّساءُ في أبْضاعِهِنَّ؟ قالَ: نَعَمْ قُلتُ: فإنَّ البِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحْيِي فَتَسْكُتُ؟ قالَ: سُكاتُها إذْنُها)، ويُعدُّ احترام الإسلام لحقِّ المرأة في اختيار زوجها دليلاً على مدى أهميّة الرّضا في هذا القرار بالذّات، لِما له من آثارٍ مستقبليّة طويلة المدى، وتؤثّر عليها لبقية حياتها.
الحق في العمل
حثّ الإسلام على العمل ، بل ورفع مقامه لمرتبة العبادة، وجعله دليلاً على الصَّلاح والإيمان، ووسيلةً لدخول الجنَّة، والمرأة تدخل في كلِّ ذلك، حيث يقول الله -تعالى-: (مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ)، وبعد أن أُعطيت المرأة الفرصة، وفُتحت لها الأبواب، أثبتت نفسها في مجال العمل وبَرعت فيه، بل واستخدمت ما وهبها الله -تعالى- من جوانب غريزيّة وأحاسيس فطريَّة في إنجاح أعمالها، فصارت بذلك شريكاً فاعلاً في بناء المجتمع جنباً إلى جنبٍ مع الرَّجل، ولم يقم الإسلام بمنع المرأة من العمل، بل أعطاها حقَّ البيع والشراء والوكالة ، وغيرها من التّصرفات، كما أنّها تستطيع أن تتصرَّف بمالها وتُتاجر فيه دون أن يَمنعها أحدٌ من ذلك، ما دامت تراعي أحكام الشّريعة الإسلاميّة وآدابها.
الحق في المشاركة السياسية
ضمن الإسلام للمرأة حقَّها في المشاركة السياسيّة، وإبداء رأيها في الأمور السياسيّة مثلُها مثل الرَّجل، ومثال ذلك عندما بايعت المؤمنات رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كبقيّة الصّحابة -رضوان الله عليهم جميعاً-، وقد أخذ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- منهُنَّ العهد على السَّمع والطَّاعة كما فعل مع الرِّجال، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّـهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
والمرأةُ في يومنا الحاضر تمتلك من المُؤهّلات التعليميّة والمهارات الحياتيَّة ما يُؤهّلها لإبداء رأيها السياسيّ، بل والمشاركة الفعليّة في الحياة السياسيّة؛ مثل دُخول المجالس الوزاريّة، والنِّيابية، والبلديَّة، والنّجاح فيها، ومشروعيَّة المشاركة في الحياة السياسيّة تنطبق على الرَّجل والمرأة على السَّواء، كما تُطبَّق عليهما ضوابط المشاركة السياسيّة على السَّواء أيضاً؛ فيجب على كلٍّ منها أن يتحلَّى أثناء مُشاركته السياسيّة بالقواعد الشَّرعيّة، والأخلاقيّة، والقانونيّة.
الحقوق المالية
أبطل الإسلام ما اعتادت عليه الجاهليّة من حِرمان المرأة من التَّملّك، أوالتَّضييق عليها في التّصرفات الماليّة، فشَرع لها من الحُقوق الماليّة ما يُمكِّنُها من التَّملك، وإنشاء التّصرفات المالية من بيعٍ، وشراءٍ، ووصيةٍ، ووكالةٍ، وغيرها من أنواع التّصرفات الماليّة المشروعة، كما أنَّ الإسلام أعطى للمرأة ذمَّةً ماليَّة مُستقلَّة، مثلها مثل الرَّجل تماماً، ويجب إعطاء أموالها إليها، وعدم منعها من التَّصرف فيها ما دامت رشيدة، ولها أن تعقد من العقود الماليّة دون إذن أحد وهذا باتفاق الفقهاء، ومن أهمِّ الحُقوق الماليّة التي قام الإسلام بتشريعها وإثباتها للمرأة حقُّ المِيراث ؛ حيث فرض الله -سبحانه وتعالى- للمرأة نصيباً من الإرث، وحذَّر من حرمان المرأة من نصيبها من الإرث، وتوعَّد بالعُقوبة لمن يفعل ذلك.
تكريم المرأة في الإسلام
قام الدّين الإسلامي بتكريم المرأة أيّما تكريم، وأعلى شأنها، ورفع مَكانتها، وأعطاها كامل حُقوقها، ونستيطع رؤية ذلك في العديد من النُّصوص الشّرعيّة والتَّوصيات النبويّة في الإحسان للمرأة، وإعطائها حُقوقها، ومن ذلك قول النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ؛ فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ)، كما أنّ الله -تعالى- خصّ النّساء بسورةٍ كاملةٍ في القرآن الكريم سُميّت بسورة النّساء.
وقد شمل التَّكريم جميع مراحل الأنثى في حياتها، سواء كانت بنتاً؛ كما في قول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: (مَنِ ابْتُلِيَ مِن هذِه البَنَاتِ بشيءٍ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ)، أو كانت زوجةً، كما في قول النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: (خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي)، أو أُمَّاً ، كما ذُكر في حديث أبي هريرة -رضيّ الله عنه- عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: (جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ). وتجدر الإشارة إلى أنّ مظاهر تكريم الإسلام للمرأة عديدة ومُتنوّعة لا تعدُّ ولا تُحصى، ونذكر بعضها فيما يأتي:
- عدم اعتبار المرأة على أنَّها مُهانة كما كانت في الجاهليّة، بل هي شريكة الرَّجل في الإنسانيَّة والتَّكريم.
- تسوية المرأة مع الرَّجل في أهليَّة الوُجوب والأداء، وإعطاؤها حُقوقها الماليّة وحُرِّية التَّصرف في مالها.
- تكريم المرأة في أصل خِلقتها، إذ إنَّها والرَّجل خُلقا من نفسٍ واحدةٍ، فلا يُوجد جنس أفضل من الآخر، ومِعيار الأفضلية الوحيد عند الله -تعالى- هو التَّقوى، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
- الاهتمام بتعليم المرأة، وتربيتها تربيةً صالحةً مُنذ الصِّغر.
- توجيه الخطاب في القرآن الكريم في العديد من الآيات الكريمة للمرأة والرَّجل جنباً إلى جنب.
- تسمية سورة باسم النِّساء في القرآن الكريم، وفي هذا تكريمٌ للمرأة؛ وخاصَّة أنَّ هذه السُّورة تحدَّثت عن العديد من حُقوق النِّساء .
- التَّوصية بحقوق يتامى النِّساء في القرآن الكريم.
- توصية الرَّجل بالاقتصار على زوجةٍ واحدةٍ عند الخَشية من عدم العدل بين زوجاته.
- فرض نَصيبٍ مُقدَّرٍ للنِّساء من الميراث، قال -تعالى-: (وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا).
- إيجاب المهر والنَّفقة على الرَّجل للمرأة.
- أمْر الأزواج بالإحسان إلى زوجاتهنَّ، وأن يُعاشروهنَّ بالمعروف، حتّى في حال كُره الزُّوج لزوجته، قال -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
- عدم تجويز استرداد المهر بعد الطّلاق، قال -تعالى-: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).
- تحريم النِّساء المَحارم من النَّسب أو الرِّضاع على الرَّجل، فلا يستطيع الرَّجل مثلاً الجمع بين الأختين، وهذا التَّحريم جاء تكريماً للنِّساء ومشاعرهُنَّ، ولئلَّا تقع العداوة بينهُنَّ.
- من تكريم الإسلام للمرأة قَوامة الرَّجل عليها؛ إذ إنَّ قوامته تعني أنَّ مسؤوليته في تنظيم الحياة، والإشراف عليها، وتحمُّل أعبائها ونفقاتها أكبر وأعظم من مسؤولية المرأة في ذلك.
- إعطاء الأُمّ مكانة مُتميَّزة، والحضُّ على برِّها والإحسان إليها، والتَّوصية بها في العديد من النَّصوص الشَّرعيّة، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
- الحفاظ على حياة المرأة، وتَحريم وَأدها كما كان يُفعل في الجاهليّة، قال الله -تعالى-: ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)، وتَغيير المفهوم السَّائد في تفضيل إنجاب الذّكور على الإناث، قال الله -عز وجل-: (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا وَهُوَ كَظيمٌ* يَتَوارى مِنَ القَومِ مِن سوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمسِكُهُ عَلى هونٍ أَم يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحكُمونَ).
- ضمان حقِّ الاعتقاد، والعبادة، ومُمارسة الشَّعائر الدِّينيّة للمرأة، وتَرتيب كامل الأجر لها على ذلك.
- سهَّل الإسلام على المرأة التَّفرُّغ للإنجاب، وإنشاء الأسرة، وتربية الأبناء، من خلال عدم إلزامها بالنَّفقة أو الأعباء الماليّة المُلقاة على عاتق الرّجل.