النثر في العصر الأندلسي وكتابه
يعدّ النثر واحدًا من أشكال الكتابة المعتمدة عند العرب منذ القدم، ويرجح العلماء أنه سابق على نظم الشعر، ذلك أن العرب كانت تستخدم الجملة العربية الفصيحة في حياتهم للتعبير عن حاجاتهم وفي خطاباتهم أيا كان شكلها، إضافة إلى أن نظم الشعر كان يحتاج إلى متخصصين فليس العرب جميعهم شعراء، بينما يستطيع جميعهم التعبير بعبارات وكلمات نثرية في ميادين الحياة المختلفة، ومرت الفنون النثرية بتطورات كبيرة نتيجة للاختلاف في العصور، ولاطلاع العرب على غيرهم من الأمم من أساليب فنية متعددة ناسبت الحياة المعاصرة لهم، وتعدد الكتّاب على أثر ذلك، وهذا ما سنلقي الضوء عليه في العصر الأندلسي.
الفنون النثرية في العصر الأندلسي وأساليبها
تعددت الفنون النثرية في العصر الأندلسي، وتطورت وقد جاءت على أنواع عديدة مثلت مراحل تطور هذه الأساليب، أولها طريقة الكتاب الأوائل الذين ظهروا في صدر الإسلام، وثانيها طريقة عبد الحميد و ابن المقفع ، والجاحظ وسهل بن هارون، وثالثها طريقة بديع الزمان الهمذاني وشمكير وغيرهم.
الخطابة
تعددت الفنون النثرية في العصر الأندلسي، فتناول الكتّاب مختلف الفنون التي كانت واردة في المشرق من خطب، ورسائل، ومناظرات، ومقامات، وزادوا عليها ما احتاجوا إليه في حياتهم اليومية، وتميزوا بقدرتهم على الجمع بين الشعر والنثر في كتاباتهم.
وقد بدأت الكتابة في الأندلس بالقليل من الشخصيات المشرقية الأصل التي دخلت واستقرت في الأندلس، وكانت أول الفنون النثرية التي دخلت ولا سيما بعد الفتح، ولحاجتهم لاستثارة النفوس وإذكاء روح الجهاد، وتطور فن الخطابة نظرًا لاختلاف الحياة، فظهرت الخطب المنمقة والمشتملة على أساليب بلاغية وفنية مثل التورية .
الرسائل
ظهر فن الرسائل، وكانت محددة في الأغراض، ولم يكن فيها التوشيح و السجع ، وبعد أن استقرت أحوال الدولة الإدارية والسياسية أوجب ذلك ظهور العديد من الكتّاب الذين يكلّفون بمهام الكتابة، وكان عليهم التحلّي بالكثير من المعرفة، والثقافة، والمعلومات العامة والخاصة، لأن رتبة الكاتب كانت رتبة عالية بين الناس.
وقد كانت الرسائل في هذه الفترة قصيرة أقرب ما تكون للتوقيعات المتسمة بالإيجاز والقصد في التعبير، وإثراء المعنى.إلى أن ظهرت الرسائل الديوانية والإخوانية، والأدبية والنبوية وغيرها.
المقامة
ظهرت المقامة في الأندلس أثناء الحركة الحياتية، والثقافية المتبادلة في الشرق والغرب على يد بديع الزمان الهمذاني ، وهي أقرب إلى الحكاية أو القصة المسجوعة المبنية على الخيال لإضفاء معلومات معينة للقارئ.
أدب الرحلة
نشط أدب الرحلة ب شكل كبير في العصر الأندلسي، وهو الفن القائم على تسجيل مجريات الأحداث، ووقائع الرحلات، وتميزت بروح المغامرة، وبعد المسافات المقطوعة.
المناظرة
المناظرة هي فن يهدف الكاتب فيه إلى إظهار مقدرته البيانية وبراعته الأسلوبية، وهي نوعان: خيالية، وغير خيالية، ومن أشهر المناظرات الخيالية مناظرة السيف والقلم لابن برد الأصغر، ومن المناظرات غير الخيالية ما تجري فيه المناظرة بين مدن الأندلس ومدن المغرب كمفاخرات مالقة وسلا للسان الدين بن الخطيب.
الأساليب الفنية لفنون النثر الأندلسي
تطورت الأساليب الفنية في العصر الأندلسي بناء على تطور العصر ودخول الأغراض المختلفة، فبدأت الفنون بسيطة خالية من التعقيد والتوشيح والزخارف اللفظية والسجع، ثم تطورت لتدخل في أساليب البلاغة والمجازات اللفظية والخيال الإبداعي، وحس الفكاهة والسخرية، وتضيف الاستعارات، و التعبير المجازي ، والمزج بين الحقيقة والخيال، وإدخال فن العجائبية ولاسيما في فن المقامات، والرحلات التي وصفت الوقائع بصورة نادرة وغريبة وبعيدة عن الواقع، وتسليط الضوء على الصورة الأدبية، والاستلهام من التراث والفكر الأدبي والديني.
كُتّاب النثر الأندلسي
برز في العصر الأندلسي من كتاب النثر كل من ابن برد الأكبر، وعبد الملك بن إدريس الجزيري، وابن دراج القسطلي، وابن شهد، وابنا حزم، وابن حيان، وابن زيدون. وخالد بن يزيد، فمن كتّاب الخطابة القاضي عياض، وعن كتاب الرسائل فقد ظهر ابن برد الأكبر وابن برد الأصغر، وأبو محمد بن عبد البر، وأبو المطرّف بن المثنى، ومحمد بن أيمن، وابن عياش الذي ظهر في عصر الموحدين، والقرطبي الذي جاء في عصر الطوائف، ونبغ لسان الدين بن الخطيب في القرن الثامن الهجري. وظهر ابن فضلان، وابن جبير، و ابن بطوطة ، في فن الرحلات، وغيرهم، وعن كتّاب المقامة اشتهر بديع الزمان الهمذاني، وابن الشهيد، والقرطبي، والهمذاني والحريري...