النابغة الجعدي
النّابغة الجعدي هو شاعرٌ عربي معروف، وهو قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، أما أمه فهي فاخرة بنت عمرو بن شحنة بن جابر بن أسامة بن مالك بن نصر بن قعين بن الحارث بن دودان بن أسد، ولُقّب أبو ليلى.
نشأة النابغة الجعدي
كان النابغة الجعدي أحد المعمِّرين حيث قيل أنه قد عاش مئة وعشرين سنة، وهو أحد الشّعراء المخضرمين، الذي عاشوا في الجاهلية واستمرّت حياتهم حتى سنة 70 للهجرة تقريبًا، وقد عُرِف عن النابغة الجعدي أنه لم يقل الشعر إلى حين بلغ الثلاثين من عمره، فانفتحت قريحته الشّعرية وكتب قصائد تعدّ من أجود قصائد العربي وأفضلها، وهذا هو سبب تسميته بالنّابغة حيث نبغ في الشعر فجأة ودون مُقدِّمات.
إسلام النابغة الجعدي
وفَد النابغة الجعدي مع قومه إلى رسول الله وذلك في العام التاسع للهجرة، وأسلم حينها وحَسُن إسلامه، وعاش ليشهد عهد الخلفاء الراشدين فكان عندهم دائمًا موضع احترام وتقدير، وشهد فتح فارس، كما وقف في صف علي بن أبي طالب رضي الله في الموقعة الشهيرة في صفين، وقد عاقبه معاوية بن أبي سفيان على ذلك حين تولى الحكم فسلب أمنواله وأموال أهله، حتى هدده النابغة بأنه سيهجوه، فتراجع عن الأمر وأعاد له أمواله.
ونذكر أنه حين أسلم النابغة الجعدي أنشد للرسول محمد عليه الصلاة والسلام قصيدة استحسنها النبي منه وقال له: "لا يفضض فوك"، وقد كان مطلع هذه القصيدة قوله:
تبعتُ رسول الله إذ جاء بالهدي
- يتلو كتاباً كالمجرّة نيّراً
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا
- وإنا لنرجوا فوق ذلك مظهرًا
شعر النابغة الجعدي
كانت معظم أشعار النابغة الجعدي أشعارًا في الفخر، يفتخر فيها بقومه ونسبه وكتب كذلك شعرًا في المديح والهجاء وكتب في الحكمة، وقد امتاز شعره بقلة التكلف، حيث جاء سلسًا مطبوعاً في أكثره فلم يفرط في استخدام المحسنات البديعية، ولم يكثر من استخدام الألفاظ الغريبة، كما امتازت قصائده بطول النفس فكتب قصائد طويلة، وأخيرًا ظهر تأثُّره بالإسلام واضحًا في شعره، فأورد فيه ألفاظًا من القرآن الكريم وإشاراتٍ دينية.
وقد تميَّزت قصائد النّابغة الجعدي بأنها لم تحذو حذو القصيدة الجاهلية، فهو لم يقف على الأطلال ويبكيها ولم يمدح شرب الخمر، بل كانت مطالع قصائده تتكون من التأملات والأفكار والحكمة، ومن مطالع قصائده التي ظهرت فيها تأمّلاته وحكمته، ومن ذلك قوله:
خليليَّ عوجا ساعة وتهجَّرا
- ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا
ولا تجزعا إن الحياة دميمةٌ
- فخفَّا لروعات الحوادث أو قِرا
وإن جاء أمرٌ لا تطيقان دفعه
- فلا تجزعا مما قضى الله واصبرا
ألم تريا أن الملامة نفعها قليل
- إذا ما الشي ولى وأدبرا
تهيج البكاء والندامة ثم لا
- تغير شيئاً غير ما كان قدرا
ومن قصائده المشهورة قوله:
الحمد لله لا شريك له
- من لم يقلها فنفسه ظلما
المُولج الليل في النهار
- وفي الليل نهارا يُفَرِّج الظُلما
الخافض الرافع السماء على الأرض
- ولم يبن تحتها دَعَما
الخالق البارئ المصور في الأرحام
- ماء حتى يصير دما
من نطفة قدَّها مقدرها
- يخلق منها الأبشار والنسما
ثم عظاما أقامها عصبٌ
- ثُمَّتَ لحما كساه فالتأما
ثم كسا الريش والعقائق
- أبشارا وجلدا تخاله أَدَما
والصوت واللون والمعايش
- والأخلاق شتى وفرق الكَلِما
ثُمَّتَ لا بد أن سيجمعكم
- والله جهرا شهادةً قَسَما
فائتمروا الآن ما بدا لكم
- واعتصموا إن وجدتم عصما
في هذه الأرض والسماء ولا
- عصمة منه إلا لمن رحما
وفاة النابغة الجعدي
امتدّ العمر بالنّابغة الجعدي إلى ما بعد المئة، وقد قال بعض المؤرخين إنه قد عاش مئة وعشرين سنة، وقد احتاروا في زمن ولادته، لكن تقديرات المؤرخين أشارت إلى أنه قد عاصر زمن تأسيس سوق عكاظ في مكة المكرمة، وإلى أنه قد عاش في زمن النعمان بن المنذر، أمّا حياته فقد امتدت إلى زمن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه، حيث كانت وفاته عام 65 للهجرة.