الموحدون في العصر الأندلسي
بداية دولة الموحدين وانتقالهم للأندلس
كانت بداية دولة الموحدين بظهور محمد ابن تومرت، الذي ظهر في عهد المرابطين وقد نشأ نشأةً دينية في قبيلة هرنمة، وقد سافر في طلب العلم إلى مراكز الثقافة في العالم الإسلامي في مطلع القرن السادس وقد استمر في رحلاته نحواً من خمسة عشر عاماً، وعندما عاد إلى المغرب بدأ بدعوته وقد ساعده تلميذه المخلص عبد المؤمن بن علي.
لم تنجح الدولة الموحدية في الوصول إلى السلطة في عهده، ولكن في عهد تلميذه الذي تولى زمام الأمور بعده نجح في القضاء على دولة المرابطين في المغرب واستولى على العاصمة مراكش وسيطر على الأندلس التي كانت تحت حكم المرابطين، وبعد وفاته في عام 558 هـ بويع ابنه يوسف بن عبد المؤمن على الخلافة ووجه جل اهتمامه للأندلس فأرسل عدداً من الحملات لمحاربة الصليبين.
وقد خرج في حملة منها مات فيها، ثم خلفه ابنه يعقوب ابن يوسف، ولقب نفسه بالمنصور ودعا نفسه بخليفة المسلمين ويمكن اعتبار عصره هو العصر الذهبي لدولة الموحدين حيث دخل مع الصليبين في معركة (الأرك) في الأندلس سنة 591هـ وانتصر عليهم وأوقف زحفهم على الأندلس، وزادت بهذا الانتصار هيبة الموحدين، وبوفاته عام 595هـ بدأ الضعف يدب في دولة الموحدين.
الأسباب التي ساعدت في دخول الموحدين للأندلس
ساعدت عدة عوامل في دخول الموحدين للأندلس، وهذه العوامل هي:
- انتصار الموحدين على المرابطين في المغرب وتغلبهم عليهم وبسط سلطانهم على جميع أنحاء المغرب.
- عدم مقدرة المرابطين على السيطرة على الأندلس.
- شدة المرابطين في تطبيق أحكام الشريعة وهو الأمر الذي لم يألفه أهل الأندلس.
مظاهر الحياة في عهد المرابطين
نعمت أراضي الموحدين ومن بينها الأندلس برخاء اقتصادي في الفترة الذهبية للموحدين على كافة المناحي الحياتية ومنها:
- وضع نظام اقتصادي دقيق ينظم الزكاة والمغانم، وأوجدوا وزارة المالية ووضعوا وزيراً لها أسموه بصاحب الأشغال.
- إنشاء المدن والحصون وغيرها من المنشآت، وقد كان المنصور مولعاً بالعمارة.
- الاهتمام بالزراعة وشجعوا المزارعين وأمدوهم بالمياه، فظهر الإنتاج من القمح والشعير والقطن وقصب السكر وغيرها، وأصناف الفواكه كالعنب والتفاح والكمثرى، وانتشرت الغابات في البلاد.
- الاهتمام بالصناعة كصناعة الصابون والتطريز والزجاج والفخار.
- الاهتمام بالتجارة الداخلية والخارجية فأنشأوا المراكز التجارية وموانئ السفن على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
- إشراك المرأة في الدولة وظهور عدد من النساء اللاتي شاركن في الحياة الفكرية والأدبية كزينب بنت يوسف بن عبد المؤمن والشاعرة العالمة حفصة بنت الحاج الركونية وفاطمة بنت عبد الرحمن.
- ازدهار الحياة الفكرية والعلمية في عهد الموحدين الذين أكرموا العلماء وقربوا طلبة العلم وأغدقوا عليهم بالهبات والعطايا.
النسيج الاجتماعي
ظهر في الدولة الموحدية عددٌ من الأعراق والأجناس وهي البربر سكان المغرب والعرب الذين دخلوا المغرب والأندلس وسكان الأندلس الأصليين، وأهل الذمة الذين تعاملوا معهم بالمسامحة وتقبلوهم في مجتمعهم.
عقيدة الموحدين
تسموا بهذا الاسم نسبةً للتوحيد، ويمكن اعتبارهم من المعتزلة، والتوحيد أصلٌ من أصولهم ويعنون به نفي جميع الصفات عن ذات الله تعالى، وكان فيه شيءٌ من أصول الشيعة حيث أخذ منهم قولهم بالإمام المعصوم، ولقب ابن تومرت نفسه بالمهدي، وقد أوجب طاعته على أتباعه واعتبرها من طاعة الله ورسوله لأنه المهدي المنتظر، وتمسك بالتفسير الظاهري للنصوص.
وقد خرج على الخلافة العباسية ونعتهم بالمجسمين وأوجب تكفيرهم، واقترب من الفاطميين واتخذ الراية الخضراء علامةً له وهي علامة الفاطميين، ونشر أفكاره في كتابين هما (أعز ما يطلب) وهو في أصول الدين وكانت عقيدته معتزلية شيعية، وكتاب (الموطأ) وكان في الفروع وجعله على فروع الشيعة.
ولأجل هذا فقد شن الموحدون هجمة شنعاء على المذهب المالكي وعلمائه وقاموا بسجنهم وتعذيبهم ومنهم من مات بسبب هذا، ومع هذا فقد ثبت المذهب المالكي في هذه البلاد إلى يومنا هذا.