القضايا الاجتماعية في الشعر في العصر الأموي
عدم تزويج المرأة للرجل الذي قال الشعر فيها
إنّ من القضايا الاجتماعية التي تعرض لها الشعراء في قصائدهم هي عدم تزويج الأهل للفتاة التي تغزل بها شاعر ما أو قال الشعر فيها، وكثيرًا ما كان يمضي أهل الفتاة إلى تزويجها من رجل آخر كرهًا من أجل ستر العائلة، وقد حصل ذلك مع الكثير من شعراء العصر الأموي ومن بينهم جميل بثينة و قيس بن الملوح مع ليلى، ولعل من أبرز القصائد التي وردت في ذلك الباب:
أَرى أَهلَ لَيلى أَورَثوني صَبابَةً
::: وَمالي سِوى لَيلى الغَداةَ طَبيبُ
إِذا ما رَأَوني أَظهَروا لي مَوَدَّةً
::: وَمِثلُ سُيوفِ الهِندِ حينَ أَغيبُ
فَإِن يَمنَعوا عَينَيَّ مِنها فَمَن لَهُم
::: بِقَلبٍ لَهُ بَينَ الضُلوعِ وَجيبُ
إِن كانَ يا لَيلى اِشتِياقي إِلَيكُمُ
::: ضَلالاً وَفي بُرئي لِأَهلِكِ حوبُ
فَما تُبتُ مِن ذَنبٍ إِذا تُبتُ مِنكُمُ
::: وَما الناسُ إِلّا مُخطِئٌ وَمُصيبُ
بِنَفسي وَأَهلي مَن إِذا عَرَضوا لَهُ
::: بِبَعضِ الأَذى لَم يَدرِ كَيفَ يُجيبُ
عقوق الوالدين
إنّ مسألة عقوق الوالدين هي من أهم الأمور التي تؤدي إلى تردي أوضاع المجتمع بسبب سوء أسمى العلاقات البشرية والتي حضّ الإسلام على الاهتمام بها وخفض الجناح للوالدين، إلا أنّ بعضًا منهم لم يلتزم بذلك وقد برزت مظاهر عقوق الوالدين في العصر الأموي بشكل كبير.
قد طالت الآباء أكثر من الأمهات، وقد ظهر التهاجي بين الآباء والأبناء إثر ذلك العقوق وبرز ذلك عندما هجا أبو وجزة السعدي ابنه عبيدًا، بسبب العقوق الذي بدر منه فقال:
يا راكِبَ العَنسِ كَمِرداةِ العَلَم
::: أَصلَحَكَ اللَهُ وَأَدنى وَرَحِم
إِن أَنتَ أَبلَغتَ وَأَدَّيتَ الكَلِم
::: عَنّي عُبَيدَ بنَ يَزيدَ لَو عَلِم
قَد عَلِم الأَقوامُ أَن سَيَنتَقِم
::: مِنكَ وَمِن أُم تَلَقَّتكَ وَعَمّ
رَبٌّ يُجازي السَيِّئاتِ مِن ظَلَم
::: أَنذرتكَ الشِدَّةِ مِن لَيثٍ أَضِم
عادٍ أَبي شبلَينِ فَرفارٍ لَحِم
::: فَاِرجِع إِلى أُمِّكَ تُفرشكَ وَنَم
إِلى عَجوزٍ رَأسُها مِثلُ الإِرَم
::: وَاِطعَم فَإِنَّ اللَهَ رَزّاقُ الطُعَم
عدم تزويج الموالي
إنّ نفس العربي في ذلك الزمان جُبلت على الأنفة والنظر إلى الذات على أنّها أعلى من الأقوام الأخرى التي دخلت في الإسلام، ولذلك فإنّ العربي كان يأنف من تزويج ابنته إلى أحد الموالي حيث إنّها تفوقه في الحسب والنسب وهو ليس بكفء لها.
حتى إنّ الوالد لو عاد من سفره ووجد ابنته قد عُقدت على أحد من الموالي لفسخ ذلك من فوره، وهو ما حدث مع العجير السلولي الذي أتى من سفر فوجد ابنته قد عقدت على أحد الموالي ففسخ ذلك، وقال:
أَلا هَل لِبَعجانِ الهِلاليِّ زاجرٌ
::: وَبَعجانُ مأَدومُ الطعامِ سَمينُ
أَليسَ أميرُ المُؤمنينَ ابنَ عَمِّها
::: وبالجِزعِ آسادٌ لَهُنَّ عَرينُ
وعاذَت بِحِقوَي خالدٍ وابنِ أُمه
::: وَللَهِ قضد بَتَّت عَلَيَّ يَمينُ
تَنالونَها أو تَنشَفَ الأرضُ منكُمُ
::: دمٌ خَرَّ مِنهُ ساعِدٌ وَجَبينُ
وأَنَّ امرأً في الناس كُنتَ ابن أمِّهِ
::: تبدَّلَ مِنّي طلَّةً لغبينُ
دَعَتكَ إلى هَجري فطاوعت أمرها
::: فنفسُكَ لا نَفسي بذاكَ تُهينُ
سوء العلاقة بين الأقارب
عادة العرب أن تكون العلاقة بينهم وبين أقاربهم قائمة على الرحمة والود، إلا أنّ بعضًا من حوادث الدهر كانت سببًا في تغيّر النفوس وتقلبها، حتى إنّ بعضهم كان يكيد لبعضهم الآخر حتى بين الإخوة أو أبناء العمومة وقد حدث ذلك مع عبد الله بن الزبير وأخيه عمرو بن الزبير.
قد كان يغذي بعض الواشين في حينٍ من الأحيان تلك الراهية، وقد سجّل التاريخ ما حدث بين يزيد بن الحكم وأخيه عبد ربه بن الحكم من مشاحنات عظيمة جدًّا، دفعت يزيد بن الحكم إلى قول الشعر في أخيه وهجائه فقال:
أَخي يُسِرُّ لِيَ الشَحناءَ يُضمرُها
:::حَتّى وَرى جَوفَهُ مِن غِمرِهِ الداءُ
حَرّانُ ذو غَصَّةٍ جَزَّعتُ غَصَّتَهُ
:::وَقَد تَعَرَّضَ دونَ الغَصَّةِ الماءُ
حَتّى إِذا ما أَساغَ الريقَ أَنزَلَني
:::مِنهُ كَما يُنزِلُ الأَعداءَ أَعداءُ
أَسعى فَيَكفُرُ سَعيِي ما سَعَيتُ لَهُ
:::إِنّي كَذاكَ مِنَ الإِخوانِ لَقّاءُ
وَكَم يَدٍ وَيَدٍ لي عِندَهُ وَيَدٍ
:::يَعُدُّهُنَّ تِراتٍ وَهيَ آلاءُ