الفصل والوصل في سورة الإخلاص
الفصل والوصل في سورة الإخلاص
عند قراءة سورة الإخلاص ؛ نجد بأنّ الفصل في آياتَها كلها إلا في آية واحدة؛ فلا نرى "الواو العاطفة" بين الآية الأولى والثانية، ولا بين الثانية والثالثة، ولكنها أتت بين الآية الثالثة والرابعة، ووصل بين الثلاث المتأخرة لأنها سيقت لغرض ومعنى واحد؛ وهو نفي المناسبة والمماثلة عنه عزَّ وجلَّ بأيِّ وجه من الوجوه، ومعاني الفصل والوصل هنا كثيرة، ومِن معاني الجمال والجلال فيها الآتي:
- "قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ"
وهي جملةٌ متفرّدة والتي تعني الأحديَّةُ لله عزَّ وجلَّ.
- " اللَّـهُ الصَّمَدُ "
وهنا تأتي صمديَّتُه لدرء ما تُوهمه الأحديَّة أو تظهره من لبس؛ فقد يتبادر لأحدهم أنَّ هذه الوحدانيَّةَ قد تعني القِلَّة، لأن الواحدَ أقلُّ العدد؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ صمدٌ متفرِّدٌ غنيٌّ لا يحتاج لأحد.
- "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ"
وهي مفصولة أيضًا؛ لأنها تعود إلى الأولى والتي بدورها تثبت وتؤكد الأحديَّة، ولا يصحُّ العطفُ هنا؛ لأن العطفَ يعلم بالتخالف؛ فتمَّ فصلها لدرء التوهّم.
- "وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ"
ثم أتت الآية الرابعة موصولة بالواو العاطفة؛ وإنما عُطفت لأن التخالُفَ هنا موجود؛ حيث أن نفيَ الكفء يعود إلى الصمديَّة وليس إلى الأحديَّة، حيث أنَّ الآية الثالثة " لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ" تؤكِّد الأحديَّة، والآية الرابعة " وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" تعود إلى الصمديَّة، وهما جهتان منفصلان في قسم الاستدلال على أحديَّة الله وعلى صمديَّته عزَّ وجلَّ.
الفصل والوصل
يمكن تعريف الوصل على أنَّه: عطف جملة على جملة أخرى بحرف العطف ألا وهو "الواو"، والفصل ترك هذا العطف بين تلك الجملتين والإتيان بها منثورة، تستأنف واحدة منها بعد الثانية؛ فالجملة الثانية غالباً ما تأتي مفصولة في الأساليب البليغة، وأحياناً تأتي موصولة.
فكلٌّ من الفصل والوصل يأتي لأسباب بلاغية، ونعلم من هذا بأنَّ الوصل جمع وربط بين جملتين - خاصة بالواو - لصلة بينهما في المعنى والصورة، أو لدفع الالتباس، والفصل: ترك الوصل والربط بين الجملتين؛ إما لأنهما متحدتان معنى وصورة، أو بمنزلة المتحدتين، وإما لأنه لا صلة بينهما في المعنى أو في الصورة.
بلاغة الوصل
أمَّا بلاغة الوصل فهي لا تتحصّل إلا بـ"الواو العاطفة" فقط؛ لأن "الواو العاطفة" هي الحرف الذي تحتاج إليه، والعطف بها يحتاج إلى سلاسة في الفهم، ودقة في الإدراك؛ حيث إنها لا ينتج عنها إلا الربط والوصل فقط، وتشريك ما سبقها بما لحقها في الحكم، نحو:" ذهب وقت النوم، وجاء زمن العمل".
بخلاف العطف بغير "الواو" فيرمز مع التشريك إلى معانٍ أخرى، ومن جملة تلك المعاني ما يأتي:
- المعنى الذي يفيد الترتيب مع التراخي في "ثمَّ".
- المعنى الذي يفيد الترتيب مع التعقيب الذي تفيده "الفاء".
والشرط في العطف بالواو أن يكون بين الجملتين ما يسمى بـ"جامع" مثل الآتي:
- الموافقة في: "يأكل ويشرب"
- المضادة في: "يضحك ويبكي"
إنما كانت المضادة في حكم الموافقة؛ لأن الذهن يتصور أحد الضدين عند تصور الآخر، فـ"الشرب" يتبادر إلى الذهن عند ذكر "الأكل"، كما يتبادر "البكاء" عند ذكر "الضحك".