الفرق بين العفو والصفح
العفو
العفو هو ترك العقاب والتجاوز عنه مع إمكان بقاء أثر ذلك في النفس؛ وأصله المحو والطمس، قال الخليل: "وكل من استحق عقوبة فتركته فقد عفوت عنه"، وقد يكون عفو الإنسان عن الشيء بمعنى الترك ولا يكون ذلك عن استحقاق، وقال الراغب: "العفو هو التجافي عن الذنب"؛ والعفو من صفات الله.
الصفح
أما الصفح فهو أبلغ من العفو؛ وذلك لأن الإنسان قد يعفو ولا يصفح؛ فالصفح يعني التجاوز عن الخطأ، وإزالة أثره من النفس، وترك التأنيب أي محو الخطأ كأن لم يكن، ويدل على ذلك قوله -تعالى-: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ)، فالعفو ترك المؤاخذة بالذنب، والصفح إزالة أثره من النفس وقد يكون في الصفح بعض العتاب.
العفو والصفح في القرآن الكريم
ورد في القرآن الكريم عدد من الآيات التي تحدثت عن العفو والصفح؛ نذكر منها:
- قال -تعالى-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
- قال -تعالى-: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ).
- قال -تعالى-: (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ).
- قال -تعالى-: (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ).
- قال -تعالى-: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ).
- قال -تعالى-: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
- قال -تعالى-: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).
صور من العفو والصفح
العفو خلق من أخلاق الأنبياء المرسلين؛ ويتمثل ذلك في سلوك قدوتنا وحبيبنا سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ أجمل الناس صفحاً وعفواً، وقد بلغ القمة العالية في ذلك كما هو شأنه في كل خلق من الأخلاق الكريمة؛ وقد كان عفوه يشمل الأعداء فضلاً عن الأصحاب، وقد كان يتلقى من قومه الأذى والعداء فيعرض عن ذلك، ثم يعود إلى دعوتهم ونصحهم كأنه لم يلق شيئاً منهم.
وكذلك سيدنا يوسف -عليه السلام- التي وردت قصته في القرآن الكريم ما فعل به إخوته؛ فلمّا مكّن الله له وجاؤوا إليه يعتذرون فقد قابل إخوته بالعفو، والصفح، والإحسان على الرغم ما فعلوه به من عذاب وإهانة.
ومن صور العفو عند الصالحين؛ عندما سجن الإمام أحمد بن حنبل في عهد الخليفة المعتصم، وضُرب وسال الدم من جسده، كان يقول: "قد جعلت أبا إسحاق يعني المعتصم في حل" وعفا عنه، وكذلك الإمام مالك فقد ضُرب بالسياط حتى انخلعت يده من كتفه، ومع ذلك فقد عفا عمن ضربه.
آثار العفو والصفح
إن التحلي بصفتي العفو والصفح له آثار كثيرة تنعكس على حياة المسلم ومجتمعه، نذكر منها:
- تبديد العداوة بين الناس إلى محبة وألفة، كما ويبعدهم عن الحقد والبغضاء.
- غفران الذنوب
بالعفو والصفح تنغفر الذنوب؛ وما أحوج المسلم إلى غفران الذنوب ونيل رضا الله -تعالى-.
- نيل المسلم العزة والشرف
فبالعفو ينال المسلم حسن العاقبة، ومحبة الله والناس إليه، وهو بذلك يقتدي بالرسول -صلى الله عليه وسلم-.
- العفو من الله
فالجزاء من جنس العمل؛ فمن عفا سامحه الله، وعفا عنه في الدنيا والآخرة.
- راحة البال
فمن يعرض عن العفو والصفح يبقى قلقاً، تراوده الهواجس للانتقام؛ وهو بذلك يبتعد عن عبادة الله، ويقع في الندم.