الفرق بين السفينة والفلك في القرآن الكريم
الفرق بين السفينة والفلك في القرآن الكريم
يقول الله -جل وعلا-: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، ويلفت الله -تعالى- العقول والأفكار إلى نعمة الفلك التي سخرها لعباده وهداهم إلى صناعتها فتنقلهم من مكان لآخر؛ لتلبية حاجاتهم المتنوعة من صيد السمك، واستخراج اللؤلؤ وأغراض الزينة وغيرها من الاحتياجات.
والفلك هنا جاءت بمعنى السفن، ولقد وردت في آيات الكتاب الحكيم على صيغة المذكر والمؤنث، وبمتابعة نصوص الآيات وجمعها والنظر في سياقاتها تم التوصل إلى أنه إذا جاءت (الفلك) في كلام الله -تعالى- مذكّرة فإنها تعني السفينة الواحدة المفردة، وإذا وردت بصيغة المؤنث في كلام الله -تعالى- فإنها تعني أكثر من سفينة؛ أي تدل على الجمع.
ومن الأمثلة على ذلك: قول الله -تعالى-: (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ)، فقول الله -تعالى-: (مِنْ مِثْلِهِ) الضمير المتصل (الهاء) في كلمة (مثله) يعود على الفلك والصيغة التي تظهر لنا هي المذكر؛ فدل ذلك أن المعنى هو سفينة واحدة مفردة والسياق يتحدث هنا عن سفينة نوح -عليه السلام-.
ومثال آخر على صيغة التأنيث حيث قال الله -تعالى-: (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ)، فأتت كلمة (تَجْرِي) بتاء التأنيث والفعل هنا للفلك، فدل السياق على أن معنى الفلك هنا هي مجموعة سفن.
معنى الفلك عند السلف الصالح
وسئل السلف الصالح من الصحابة -رضوان الله عليهم- عن معنى قوله -تعالى-: (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: هي السفينة الكبيرة الموقرة الممتلئة، وجاءت الفُلك بمعنى السفينة في عشرين موضعاً وأما (مشحون) فلم تأتِ إلا مع الفُلك في ثلاث آيات وتفسير الفُلْكِ بالسفينة هو المعنى القريب الذي يقع في ذهن القارئ والمستمع، ويستأنس إليه أن القرآن الكريم استخدم (السفينة) في قصة نوح والطوفان و قصة أصحاب الكهف .
الجوارِ من أسماء والسفن
لقد أورد القرآن الكريم لفظة (الجاريات) و(الجوار) و(الجارية) وعنى بذلك السفن والمراكب التي يستخدمها الناس في البحر، كما جاء في قوله -تعالى-: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ)، ولقد وردت في أكثر من موضع من مواضع القرآن الكريم، و(الجوار) جمع جارية وتعني المركب؛ لأنها صفتها الغالبة لجريانها في البحار والأنهار.
وقد جاءت كلمة (الفلك) بصورة خاصة معبراً بذلك عن سفينة سيدنا نوح في قصة الطوفان الذي عم الأرض وأغرق العصاة، ويبيّن بعض أهل التفسير أن السفينة أي (الفلك)، حيث كانت مكوناتها حينما صنعت من الأخشاب الصلبة المصفوفة بطريقة متقنة وتثبيتها بالمسامير، وورد في القرآن الكريم ما يبيّن أن الجريان في البحار صفة ملازمة للفلك حيث يقول الله -تعالى-: (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ)
استعمال كلمة الفلك في أشعار العرب
حيث إن كلمة الفلك لم تغب عن أشعار العرب وقصائدهم؛ فقال قائلهم:
جوافل في السراب كما استقلت
- فلوك البحر زال بها الشرير
والشاعر هنا جمع الفلك بالفلوك وأما الشرير؛ فهي الأشجار الثابتة في البحار، ويتضح كذلك أن (الفلك) هي نوع من أنواع السفن العملاقة التي تسير في البحار وقد شحنت وحمّلت بكل ما يحتاج إليه الناس.