الفرق بين الحمد والتسبيح
الفرق بين الحمد والتسبيح
يُعرف التسبيح؛ بأنه تقديس الله -تعالى- وتنزيهه عن كل عيب، وبُعده -سبحانه وتعالى- عن كلّ نقص وسوء، ويقول الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى- مفسّراً لقوله -تعالى- في آخر سورة الصافات: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، قرن الله -تعالى- في كتابه الكريم بين التسبيح والحمد في مواضع كثيرة؛ لأنّ كلّ منهما يعدّ مكمّلاً؛ فالتسبيح يتضمّن معنى التنزيه والتقديس لله -تعالى- عن كلّ عيب أو نقص، وهذا المعنى يستلزم إثبات الحمد، وصفات الكمال لله -تعالى-، وكذلك الحمد فإنّه يشتمل على إثبات كلّ صفات الكمال المطلق لله -تعالى-، وهذا المعنى يستلزم نفي جميع صفات النقص والعيب عن الله -تبارك وتعالى-؛ فإثبات الكمال يستلزم نفي النقص والسوء، وانتفاء النقص يستلزم إثبات الكمال.
ويعرف الحمد بأنّه الثناء بالجميل على الجميل على وجه المحبّة والتعظيم، ويكون الحمد بذكر الصفات الحسنة في الغير لما تفضّل به من نعمة أو فضل أو غير ذلك، ويستحقّ الغير الثناء على ما يمتلك من جميل الصفات الذاتية؛ كصفة العلم، والشجاعة، والإقدام، والصبر ، والحلم، والرحمة، كما ويستحق الغير الثناء على معونته التي تفضّل بها، وتكرّم على غيره من الناس، ولا يتوجّه الحمد إلّا للحيِّ العاقل.
والتسبيح مقدّم رتبة على التحميد، وذلك لأنّ التسبيح يدلّ على تقديس الله -تعالى- وتنزيهه عن كل ما لا يليق، وأمّا التحميد فيدلّ على أنّ الله -تعالى- هو المعطي لكلّ الخيرات، والواهب لكلّ الحسنات، وتنزيه الله -تعالى- في ذاته مقدّم على وصفه بالإعطاء، والإسعاد؛ فوجود الشيء بذاته مقدّم رتبة على إيجاد غيره، ووقوعه في ذاته مقدّم على تأثيره في وقوع غيره، وتسبيح الله -تعالى- يعمّق في قلب العبد المسلم تقديس الله -تعالى-، وترفيعه عن كلّ سوء، وقد دعا جميع الأنبياء والمرسلين أقوامهم إلى تسبيح الله -تعالى-؛ وذلك لما يطغى على قلب الإنسان من تأثير الحواس التي تثير معاني التشبيه فيه، وأمّا الحمد فإنّه يزيد في إيمان القلب وشعوره بأنّ المنعم الوحيد هو الله جلّ في عُلاه، وقد حثّ الله -تعالى- على حمده، وذلك لأنّ القلب يطغى عليه شعور بوجود منعم سوى الله -تعالى-.
من أنواع الأذكار التسبيح والحمد
تُعرف الأذكار المأثورة؛ بأنّها الأذكار التي جاء الأمر بها من النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو جاء حثٌّ منه على تعلُّمها، أو نقل عنه -صلى الله عليه وسلم- أنّه قالها في واقعة خاصَّة، أو غير خاصّة، وتعدّ الأذكار القرآنية كالتسبيح والتحميد من أنواع الأذكار المأثورة، ولكلّ نوع من أنواع الأذكار المأثورة تأثير خاصّ على قلب العبد المسلم؛ كالزيادة في صلته بربه -تبارك وتعالى-، أو زيادة الحرص على القيام بواجب العبودية لله -تعالى- على أكمل وجه.
ويقول الله -تعالى- في كتابه العزيز: (فَسُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ* وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ)، وقد عبَّر الله -تعالى- بصيغة الخبر المتضمّن لمعنى الأمر والطلب بالتسبيح؛ فقال -جلّ وعلى-: (فَسُبْحَانَ اللَّـهِ)، وكذلك قوله -تعالى-: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فإنّ إخبار الله -تعالى- بثبوت الحمد له على جميع أهل السماوات والأرض متضمّنٌ لمعنى الأمر بالحمد له على وجه التأكيد، ولقد ورد الحمد في القرآن الكريم بعد التسبيح في عدّة مواضع، والحكمة من ذكر الحمد بعد التسبيح أنّ التحلية لا تكون إلّا بعد التنزيه والتصفية؛ فالحمد هو التحلية، والتسبيح هو التنزيه والتصفية.
فضل التسبيح والتحميد
للتسبيح والتحميد فضائل كثيرة نصّت عليها أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- التي جاء ذكرها في كتب السنّة النبويّة ، ومنها ما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ)، وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها).
وجاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ)، وعن جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- قالت: انطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- من عندي، وأنا في مُصلاي، ثم عاد حين ارتفع النهار، وأنا لم أزل في مصلاي، فقال لي: لم تزالي في مصلاك منذ خرجت؟ فقلت له؛ نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لقَدْ قُلتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لو وُزِنَتْ بما قُلْتِ مُنْذُ اليَومِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ).
وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال في فضل التسبيح والتحميد: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى من الْكَلامِ أَرْبَعًا: سُبْحانَ اللهِ، وَالحَمدُ لِلهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ ، ثُمَّ قالَ: من قَال سُبْحانَ اللهِ كُتِبَ لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً، وَحُطَّ عنهُ عِشْرُونَ سَيِّئَةً، ومن قَال اللهُ أَكْبَرُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، ومن قَال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ، ومن قال الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمينَ من قِبَلِ نَفْسِهِ كُتِبَ لَهُ بِها ثَلاثونَ حَسَنَةً وَحُطَّ عنهُ ثَلاثونَ سَيِّئَةً)، وللتسبيح والتحميد فضل، وخير لمن نزل به كرب، أو أصابته شدّة، فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: (لقَّنَنِي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هؤلاءِ الكلماتِ وأمرني إن نزل بي كربٌ أو شدَّةٌ أن أقولهُنَّ لا إلهَ إلا اللهُ الكريمُ الحكيمُ سبحانَهُ وتبارك اللهُ ربُّ العرشِ العظيمُ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ).