العفو في الإسلام
العفو في الإسلام
العَفْوُ في اللغة: الصَّفْحُ عَن الجانِي، وتَرْكُ عُقُوبَةِ المُسْتَحِقِّ، وقد عَفَا عَنهُ، وعَفا لهُ ذَنْبَهُ، وَعَن ذنْبِهِ: ترَكَهُ وَلم يُعاقِبْه، وفي الاصطلاح: قال ابن الأنباري: العفوُ بمعنى السهولة، وعفوتَ عن الحق أسقطتَّهُ، فالعفوُ عن الذنب ترْكُ ما يستحق المذنب من العقوبة ويشمل محو الذنب ، والإعراض عن المؤاخذة، والعفو إسقاط العقاب.
العفو في القرآن الكريم
ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحث على العفو والصفح والمسامحة، فمن ذلك:
- ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾.
- ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، وفي الآية لفتةٌ جميلةٌ إلى أن العفو عن الناس قيمةٌ أخلاقيةٌ عاليةٌ، سواءٌ كان الذي عفوتَ عنهُ مسلمًا أو غير مسلم، وهذا ما تشير إليه كلمة (الناس).
- ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وتشير الآية إلى أن العفو سببٌ لمغفرة الله -تعالى- ونيل عفوه وصفحه، فإذا أردتَ أن يشملكَ عفوُ الله تعالى فاعفُ عن عباده، وتَخَلَّق بهذا الخُلُقِ الرَّفِيع.
العفو في الحديث الشريف
حثَّ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- على خُلُقِ العفو؛ لأنه من مكارم الأخلاق ، كما أنه سببٌ لنيل رحمة الله -تعالى- ومغفرته، ويُكرم الله أهل العفوِ بالعزِّ والرفعةِ في الدنيا والآخرة، ومن الأحاديث التي تحثُّ على العفو:
- (ارْحَموا تُرحَموا، واغْفِروا يَغفِرِ اللهُ لكم).
- (كانَ تاجِرٌ يُدايِنُ النَّاسَ، فإذا رَأَى مُعْسِرًا قالَ لِفِتْيانِهِ: تَجاوَزُوا عنْه، لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَتَجاوَزَ عَنَّا، فَتَجاوَزَ اللَّهُ عنْه).
- (ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ).
من أسماء الله تعالى (العفوّ)
من أسماء الله تعالى (العفوّ) وقد ورد هذا الاسم في الكتاب العزيز خمس مرات، منها قوله -تعالى-: ﴿إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً﴾، فيخطئ العباد ويذنبون، ثم يندمون ويستغفرون، فيعفو الله عنهم ويسامحهم، وإذا تابوا توبة نصوحًا، وعملوا الصالحات بدَّل الله سيئاتهم حسنات، وهذا من عظمة عفو الله تعالى وغفرانه، وينبغي أن يتخلق المسلم بهذا الخلق العظيم، فيعفو عمن أساء إليه، ويصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه.
قصص العفو من السيرة النبوية
في السيرة النبوية الشريفة نماذجُ كثيرةٌ تتجلى فيها صورٌ رائعةٌ للعفو، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوةٌ للأمة في كل خلقٍ كريمٍ، لتتأسى به الأمة، وتترسَّم خُطاه، ومن ذلك خلُق العفو، فمن تلك النماذج البديعة:
- أمسكَ الصحابةُ ثُمامة بن أُثال من بني حنيفة، وقد كان يكيدُ للإسلام وأهله، فعفا عنه -صلى الله عليه وسلم- فانطلق إلى نخلٍ قريبٍ من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد فأسلم ثم قال: والله ما كان على وجه الأرضِ أبغضُ إليَّ من وجهك، ولا من دينك، ولا من بلدك، فأصبح وجهك ودينك وبلدك أحبَّ إليّ من كل شيء.
- وعندما فتح -صلى الله عليه وسلم- مكة، ووقف أمامه أهلُ مكة الذين كذَّبوه وحاربوه، قال لهم: (يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ، قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
وكم رأينا من الصحابة قبل إسلامه قد جاء ليقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ليسيء إليه؛ فعامله الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالعفو والصفح، وعفا عنه رغم قدرته على معاقبته، فانقلب العدوُّ صديقًا، وغدا المعتدي رفيقًا، وهذا درسٌ مهمٌ للأمة؛ بأنك تستطيع أن تمتلك قلب عدوك بالأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة.
من ثمرات العفو
حين تسود ثقافة العفو يغدو المجتمع مثاليًا، تنتشر فيه المودة والمحبة، فكم من عدوٍ أصبح بالعفو حبيبًا، وكم من حاسدٍ غدا بعد العفو قريبًا، وللعفو ثمراتٌ عديدةٌ منها:
- العفوُ سببٌ لنيل مغفرة الله -تعالى- وعفوه.
- العفو يؤدي إلى تخفيف العداوة بين أفراد المجتمع
- العفو سببٌ للرفعة والعزة التي يُكرم الله بها أهل العفو؛ في الدنيا والآخرة.
- العفو يؤدي إلى كسب الكثير من الأصدقاء والأحبة
- العفوُ دليلٌ على رسوخ الإيمان في القلب.