الشعر الديني في العصر المملوكي
موضوعات الشعر الديني في العصر المملوكي
نشط الجانب الديني في عصر المماليك نشاطًا كبيرًا، خاصة في مصر التي كانت المُنطلق الأساسي للخلافة العباسية، كما توافد عليها المسلمون من مختلف المناطق، وتم إعمار الأبنية الإسلامية، وانتشرت في أنحاء القاهرة والمناطق المصرية والشامية الأخرى، وكان من أهم ما حصل في العصر المملوكي تأثّر الشعر بالموضوعات الدينية المختلفة التي ظهرت فيه، والتي تمثلت بشعر الزهد و المديح النبويّ .
شعر الزهد
جاء في كتاب آفاق الشعر العربي في العصر المملوكي: "أما الشعراء فريقان فريق أمل من دنياه كل خير ورجاء فغرق في ملذاتها، وصال وجال في ساحاتها وطرقاتها بحثًا عن المال والجاه، وفريق زهد في ذلك كله، فلم يلتفت إلى الدنيا إلا عرضًا وللتزود بقوت المسير إلى العالم الآخر، إذا أنه الوقود الذي لا بد منه لاجتياز الرحلة وإنجاز العبور، وأما أكثر الزهاد من العلماء وأقلهم من الشعراء" ومن نماذج شعر الزهد:
- ما قاله إبراهيم بن أحمد بن ناصر الباعوني:
سئمت من الدنيا وصحبة أهلها
- وأصبحت مرتاحًا إلى نقلتي منها
ووالله ما آسى عليها وأنني
- وإن رغبت في صحبتي راغب عنها
فما زالت الأكدار محفوفة بها
- وما زال عنها دائمًا ذو النهي ينهى
- وما قاله نقي الدين السبكي :
لعمـرك إن لي نفسًا تـسامى
- إلى ما لم ينل دارا بن دارا
فمن هـذا أرى الدـيا هـباء
- ولا أرضى سوى الفردوس دارا
المديح النبوي
أشهر النماذج على هذا النوع هي همزيّة البوصيري المعروفة بالبردة ، والتي قال فيها:
محمدٌ سيدُّ الكونينِ والثَّقَلَيْنِ.
- والفريقينِ من عُربٍ ومن عجمِ
نبينَّا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ
- أبَرَّ في قَوْلِ «لا» مِنْهُ وَلا «نَعَمِ»
هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ
- لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ
دعا إلى اللهِ فالمستمسكونَ بهِ
- مستمسكونَ بحبلٍ غيرِ منفصمِ
فاقَ النبيينَ في خلْقٍ وفي خُلُقٍ
- ولمْ يدانوهُ في علمٍ ولا كَرَمِ
وكلهمْ من رسول اللهِ ملتمسٌ
- غَرْفاً مِنَ البَحْرِ أوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ
وواقفونَ لديهِ عندَ حَدِّهمِ
- من نقطة العلمِ أومنْ شكلة الحكمِ
فهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصُورَتُه
- ثمَّ اصطفاهُ حبيباً بارئ النَّسمِ
مُنَّزَّهٌ عن شريكٍ في محاسنهِ
- فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فيهِ غيرُ مُنْقَسِمَ
دَعْ ما ادَّعَتْهُ النَّصارَى في نَبيِّهِمِ
- وَاحكُمْ بما شِئْتَ مَدْحاً فيهِ واحْتَكِمِ
وانْسُبْ إلى ذاتِهِ ما شِئْتَ مِنْ شَرَفٍ
- وَانْسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ
فإن فضلَ رسولِ اللهِ ليسَ لهُ
- حَدٌّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بفَمِ
لو ناسبتْ قدرهُ آياتهُ عظماً
- أحيا اسمهُ حينَ يُدعى دارسَ الرِّممِ.
نماذج من الشعر الديني في العصر المملوكي
- قال إبراهيم بن أحمد بن ناصر الباعوني:
إذا استغنى الصديق وصا
- ر ذا وصل وذا قطع
ولم يبدا احتفالا بي
- ولم يحرص على نفعي
فأنأى عنه واستغني
- بجاه الصبر والقنع
وأحسب أنه ما مرّ
- في الدنيا على سمعي
- قال ابن نباتة المصري :
عفتُ الإقامةَ في الدنيا لو انْشرَحت
- حالي فكيف وما حظِّي سوى النكد
وقد صدِئتُ ولي تحتَ الترابِ جلاً
- إنَّ الترابَ لجلاَّءٌ لكلِّ صدي
لا عارَ في أدبي إن لم ينل رتباً
- وإنَّما العارُ في دهري وفي بلدي
هذا كلامي وذا حظِّي فيا عجباً
- منِّي لثروةِ لفظٍ وافْتقارِ يدِ
- قال شرف الدين البوصيري:
وما خُلُقِي مَدْحُ اللَّئِيمِ وَإنْ عَلَتْ
- بهِ رُتَبٌ لا أَنَّني مُتَكَبِّرُ
وَلا أَبْتَغِي الدُّنيا ولا عَرَضاً بها
- بَمَدْحِي فَإِنِّي بِالقَنَاعَةِ مُكْثِرُ
لِيَعْلَمَ أَغْنَى العالَمِينَ بِأَنَّهُ
- إلَى كَلِمي مِنِّي لِدُنْياهُ أَفْقَرُ
- قال الصاحب الأنصاري:
تذكر الموت وأهواله
- ينسى به قلبك آماله
وخذ كفاف القوت واقنع به
- واترك لذي العزة أمواله