الشعر الاجتماعي في العصر العباسي
تعريف الشعر الاجتماعي في العصر العباسي
الشعر الاجتماعي هو ذلك الشعر الذي يعنى بالحياة الإنسانيّة وما يتعلّق بها من حوادثٍ وأمور، والشّعر الاجتماعي في العصر العباسي هو الذي تناول القضايا الاجتماعيّة للمجتمع آنذاك، وقد أسهم في ظهور هذا النوع من الشّعر النقلة النوعيّة التي حوّلت العباسيين من بداة إلى حضر.
بدأت أشعار الرفض والتّنديد توجّه اتّهاماتها نحو الواقع والحياة الاجتماعيّة؛ ولذا اعتمد الشّعراء موقف النقد للمشكلات الاجتماعيّة والاقتصادية والسّياسيّة، فعمدوا إلى نقد الحياة اللاهية التي توصّل إليها المجتمع الجديد والتّفكّك الاجتماعي والتّكالب على المادة، كما نقدوا كلّ ما من شأنه أن يسيئ إلى المجتمع والعادات والتّقاليد والدّين.
أسباب ظهور الشعر الاجتماعي في العصر العباسي
كان لظهور الشعر الاجتماعي في العصر العباسي أسباب مختلفة، منها:
أسباب اقتصادية
بالرغم من الغنى الذي كان موجودًا في العصر العباسي، وبالرغم من الأبنية التي بنيت في العهد العبّاسي، إلّا أنّ هذا الترف كان مختصًّا بالخلفاء دون غيرهم، ففي حين أنّ طبقة الشّعب العليا متمثّلةً بالخلفاء ومن هم في طبقتهم، كان هناك عامّة الشّعب الطبقة الدّنيا تعاني ما تعانيه من آلام الفقر والجوع والحرمان.
تلك الأموال التي كانت تُسرف على الملذات والأطعمة والأشربة واللباس والبناء والقصور والبذخ، كان لهم الحقّ الأكبر فيها، وعدا عن ذلك فقد فرضت الخلافة كثيرًا من الضّرائب على هذه الطّبقة الفقيرة حتّى ضاق ذرعها؛ لذا بدأت أشعار الشّعراء تُظهر حال هؤلاء الفقراء وتندّد بأعمال الخلفاء ومن معهم.
أسباب سياسية
يتمثّل ذلك بشكل واضح وجلي في ممارسات الخلفاء العباسيين وسياستهم الطّبقيّة، إضافة إلى ما قاموا بإسرافه من أموال طائلة وكبيرة على أشياء غير مفيدة لا تمتّ لعامة الشّعب بأيّة فائدة، فكان الخلفاء في ذلك العصر يبذخون في البناء وعمارة القصور والمدن، في حين أنّ الشّعب بحاجة إلى تلك الأموال التي كانت تضيع سدى.
من ذلك ما جاء في الروايات عن حفل إعذار ابنه المعتز، وعن كميّة التّرف والبذخ التي كانت حينها، وكذلك شغلت هذه الأمور الخلفاء عن مهمّتهم الأساسيّة في الحكم، فانصاعوا وراء رغباتهم متناسين الشعب وحاجاته.
التباين الطبقي في المجتمع
كان المجتمع العباسي موزَّعًا في ثلاث طبقات، طبقة عليا وهذه الطبقة كانت تغرق بالنّعيم، فيجمع لها الخراج من كلّ منطقة وناحية في الدّولة، وتشتمل هذه الطبقة على الخلفاء والوزراء والقواد والولاة، وغيرهم ممن يلحقون بهم من كبار الدّولة ورؤوس التّجار وأصحاب الإقطاعي وذوي اليسار.
ممّا يدلّ على ترف هذه الطّبقة ما كان للمتوكّل من قصور ما زالت حتّى يومنا هذا، وطبقة وسطى كانت قريبة إلى الطبقة العليا من حيث المدخول المالي، وهذه الطبقة تضمّ رجال الجيش وموظفي الدّواوين والتجار والصّناع الممتازين.
ثمّ طبقة دنيا، وهي التي تقوم بالأعمال كلّها، مثل: الزراعة والصناعات الصّغيرة وخدمة الطّبقة العليا، فهي التي كانت تهيِّئ أسباب العيش للطبقتين العليا والوسطى، وهذه الطّبقة تشتمل على عامة الشّعب من المزارعين وأصحاب الحرف الصغيرة، وفي هذه الطبقات أيضًا يأتي أهل الذّمّة.
خصائص الشعر العباسي الاجتماعي
للشعر الاجتماعي في العصر العباسي خصائص كثيرة ، منها ما يأتي:
الشعبية في المعنى والصورة
كانت مادة الشّاعر الأولى والأساسية في الأشعار الاجتماعية هي الشّعب؛ ولذا كانت الأشعار مجملًا والأشعار الاجتماعيّة على وجه الخصوص مستوحاة من الشّعب ومن معاناتهم، فكانت صورةً مطابقةً للواقع الذي عاشه الشّعب، فعبّرت أشعارهم عمّا ساد المجتمع من فقرٍ وظلمٍ وفساد، ليخرجوا بذلك كلّه في صورة واقعيّة تجسّد واقعهم.
سهولة الأسلوب
لمّا طال التّجديد جميع مناحي الحياة في المجتمع العباسي، فإنّ هذا التّجديد أصاب اللغة الشعريّة أيضًا، فأصبحت اللغة الشّعريّة لغة سهلة بسيطة قريبة من الواقع بعيدة كل البعد عن التكلّف والصنعة، وكذلك كان يدخل هذه اللغة شيءٌ من الألفاظ العاميّة والأعجميّة؛ نظرًا لاختلاط العرب العباسيين بالأعاجم.
استخدام بحور الشعر الخفيفة
ممّا أصاب اللغة الشّعرية أيضًا من تجديد التّجديد في الأوزان والقوافي هو استخدامهم البحور الشعرية الخفيفة، فقد عمد الشعراء العباسيّون إلى استخدام الأوزان الخفيفة؛ وذلك لسهولتها وخفّتها ومناسبتها للألفاظ واللغة السّهلة التي اتّسم بها ذلك العصر، ومن البحور التي مالوا إليها: الخفيف والرمل والمتقارب والهزج.
قصر المقطوعة الشعرية
لم تعد الأشعار تبدأ بمقدّمات ثمّ ينتقل بعدها الشّاعر إلى غرضه الأساسي، بل أصبح الشّعراء يطرقون إلى موضوعاتهم مباشرةً دون التّمهيد بمقدّمة، وهذه المواضيع لا تطول كثيرًا، فتكون في بضع أبيات؛ وذلك لأنّ الشعر الاجتماعي ليس بحاجة إلى مقدّمات، بل ينبغي أن يطرق إلى الموضوع الذي يعالجه معالجةً مباشرة.
الابتعاد عن التصنع والتكلف
كانت الأشعار الاجتماعية تتسم بالعفويّة والبعد عن التّصنّع والتّكلّف؛ وذلك لأنّ المقام يتطلّب الإيجاز والوضوح، فليس المقام مقام تصوير أو إعمال للخيال، فهو أمرٌ واقعي ينبغي أن يطرق إليه الشّاعر طَرقًا مطبوعًا، ومن أبرز الشعراء الذين حملوا هذه الراية: أبو نواس وأبو العتاهية.
رواد الشعر الاجتماعي العباسي
برز عددٌ من الشّعراء قالوا الشّعر في مواقفٍ عديدة، ومنهم ما يأتي:
- إبراهيم بن العباس الصولي
(167هـ/ 243هـ- 783م/857م) شاعر عباسي ينحدر من أصولٍ تركيّة، عاش في العصر العباسي الأوّل، وهو من الشعراء المحدّثين، كان مقلًّا لكنّ شعره وصف بالجودة.
- ابن دريد
(223هـ/ 321هـ - 837م/ 933م) أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي البصري الدوسي الزهراني، ولد في البصرة في العصر العباسي، وقد كان شاعرًا عظيمًا.
- ابن الرومي
(836م - 896م) هو علي بن العباس بن جريح، شاعر من شعراء العصر العباسي، تميّز ابن الرومي بصدقه، فابتعد عن النفاق والمراوغة والمبالغة في الوصف، وبرع ابن الرومي في فنون الوصف المتنوّعة .
- ابن المعتز
(247هـ/ 861م - 296هـ/ 909م) عبد الله بن المعتز بالله، وهو أحد الخلفاء العباسيين ، لقّب بالمرتضى بالله، وهو مؤسّس علم البديع.
- ابن وكيع التنيسي
(393هـ - 1003م) هو أبو محمد الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد الضبي التنيسي، لم يذكروا تاريخ ميلاده، كاتبٌ وشاعرٌ وأديبٌ عربي عاش في العصر العباسي، وله كثيرٌ من الأشعار في مختلف الأغراض.
نماذج شعرية اجتماعية من العصر العباسي
من النماذج الشعرية على الشعر الاجتماعي العباسي ما يأتي:
- قال ابن وكيع التنيسي في قصيدة لا تقبلنّ من الرشيد كلامه:
لا تقبلنّ من الرشيدِ كلامه
- وإذا دعاك أخو الغواية فاقبل
ودع التزمّت والتّجمّل للورى
- فالعيش ليس يطيب بالمتجمّل
واشرب مزعفرة القميص سلافة
- من صنعة البردان أو قطر بل
- قال أبو العلاء المعري في قصيدة قد علموا أن سيخطف الشبح:
قد علموا أن سيخطف الشبح
- فاغتبقوا بالمدام واصطبحوا
ما حفظوا جارة ولا فعلوا
- خيرًا ولا في مكارم ربحوا
غالوا بأثوابهم فما حسنوا
- في ذهبي اللباس بل قبحوا
دعوا إلى الله كي يجيبهم
- سيان هم والخواسئ النبح
- قال المعري في قصيدة العيش ثقل وقاضي الأرض ممتحن:
العيش ثقل وقاضي الأرض ممتحن
- يضحي ونصف خصوم المصر يشكونه
زكوه دهرًا فلما صار قاضيهم
- واستعمل الحق عادوا لا يزكونه
يصوم ناسٌ عن الزاد المباح لهم
- ويغتذون بلحم لا يذكونه
- قال المعري في قصيدة تفوه دهركم عجبا فأصغوا:
غدا أهل الشرائع في اختلاف
- تقض به المضاجع والمهود
فقد كذبت على عيسى النصارى
- كما كذبت على موسى اليهود
ولم تستحدث الأيام خلقًا
- ولا حالت من الزمن العهود