الرسائل الديوانية في العصر العباسي
مفهوم الرسائل الديوانية في العصر العباسي
الرّسائل الدّيوانيّة هي الرّسائل الّتي تُرسل من إدارات الدولة وشخصيّاتها المُختلفة، وتَهتمّ بشؤون الدّولة وإدارتها وما يَتّصل بها من أمور السّياسة والحكم، ويُعتبَر الدّيوان مصدرها الأساسيّ، كما سُمّيتْ بالرّسائل الرّسميّة لما تناولته من أعمال الدّولة كتولية الولاة، وأخْذ البيعة للخلفاء، ومن الفتوح، والجهاد، ومواسم الحجّ، والأعياد، وغيرها من أخبار الولايات والوصايا، إضافةً إلى دورها في الشّعر من تهنئاتٍ، وتعزياتٍ، وشُكرٍ.
مَثّلت الكتابة في الدّيوان جسرًا للوصول إلى المناصب العُليا في ذلك الوقت، الأمر الّذي شَجّع الكُتّاب على الكتابة الدّيوانيّة من كلِّ حَدْبٍ وصَوْبٍ؛ ذلك لأنَّ الكتابة في الدّيوان كانت من الوظائف المُهمّة في الدّولة لأجل ذلك كان الخُلفاء والولاة يُحسِنونَ الاختيار لكتّابهم.
موضوعات الرسائل الديوانية في العصر العباسي
اتّخذتْ الكتابة الدّيوانيّة عدّة أشكال أهمّها:
- الرّسائل المتبادلة المتعلقة بشؤون بالدّولة.
- رسائل التّهديد.
- رسائل البشائر.
- التّوقيعات الّتي تُكتَب للردّ على ما يُرفَع للوزراء والخلفاء من كتابات.
- العهود بالخلافة وبولاية العهد، وغيرَ ذلك من ولاية البلدان، وولاية القضاء.
- عهود الأمان الّتي تُعطَى لأهل البلدان أو للأفراد.
عناصر الرسائل الديوانية في العصر العباسي
كانت الرّسائل الدّيوانيّة في بداية كتابتها خاليةً من التّهويل والمُبالغات والخيال، فلمّا كَثُرَ كُتّابها وافتَتَنوا بأساليبها، وجوّدوها تبيّن أنَّ الخيال قد لَعب دوره، وظَهرتْ المُحسّنات البديعيّة فيها، وأوجزوا الكلام عندما اقتضى الأمر الإسهاب، وأسهبوا في مواضع اقتَضتْ الإيجاز.
امتازت هذه الرّسائل بسماتٍ فنيّة وخصائص شكليّة كالخصائص الّتي امتازت بها الرّسائل في العصور السّابقة كعصر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-، والعصر الراشدي، و العصر الأموي ، إلا أنّها تَغيّرت واتّخذت طابعًا خاصًّا في العصر العبّاسيّ ، نَذكر بعضًا من هذه الخصائص الشّكليّة:
- تَبدأ الرّسائل بالبسملة
بسبب ذلك يَظهر أثر الجانب الإسلاميّ ودوره في تحقيق السّلام، وهذا ما امتازت به الرّسائل الرّسميّة في هذا العصر والعصرَينِ اللذين سبقاه خاصّة الرّسائل الّتي تَصدر عن الدّيوان الإسلاميّ الرّسميّ، لكن في بعض الأحيان قد تَنزاح عن هذه السّمة، وذلك في رسائل التّهديد والوعيد.
- الصّلاة على النبيّ محمد عليه الصّلاة والسّلام
وهي مُقترنة بالبسملة تَأتي بعدها مباشرة، وتُمهّد لعنوان الرّسالة.
- ذِكْر عنوان الرّسالة
أي من فلان إلى فلان، وتَتّضح أهميّة الرّسالة بأهميّة الشّخص المُرسِل أو المُرسَل إليه، وعادةً ما يَكون هذا العنوان مُختصرًا، كالرّسالة الماهانيّة التي كتبها عُمارة بن حمزة لعامل كي يَستشير عيسى بن ماهان، وفيها يَقول على لسان الخليفة "أمير المؤمنين لا ينكر قرب الطاعة من المعصية قُرْبَ بعض الأمور من بعض".
- التّحميد
كالاستفتاح في الرّسائل، وقد كَثُرَ استعماله في العصر العبّاسيّ، ويَقع في حدود صفحة أو عدّة صفحات، مثل أبي عبيد الله معاوية بن عبيد الله الّذي اشتُهر بالتّحميدات في الرّسائل والكتب.
- فصل الخطاب
بعبارة (أمّا بعد)، ويُفصَل بين المُقدّمة الّتي تَبدأ بالصّلاة والسّلام على النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- والمُرسِل والمُرسَل إليه والتّحميد وبين مضمون الرّسالة.
- مضمون الرّسالة
أي الهدف والغرض الذي كُتبت الرّسالة لأجله، ويَطول مضمون الرّسالة ويَقصُر حَسْبَ الموضوع والمُراد، كالرّسالة التي كَتبها محمد بن حجر كاتب ولاة أرمينية والشّام وفيها يُوثّق البيعة لوليّ العهد الجديد في قوله "قد أتتنا بيعة هارون على حين ظمأ إليها وتطلع نحوها".
- الخِتام (الخَتم)
ويَكون بأيّ عبارة تَتضمّن معنى السّلام، باستثناء رسائل مُعيّنة تَحمِل معاني التّهديد والوعيد مثل الكِتاب الّذي جاء إلى هارون الرّشيد وقَلبه على ظهره، وكَتب عليه "بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور، قد قَرأتُ كِتابك، والجواب ما تراه لا ما تسمعه".
- التّذييل
ويَكون بتاريخ الرّسالة بالطّريقة الهجريّة، أو أنْ يَتِمُّ التّذييل باسم كاتبها (لا مُرسِلها ولا المُرسَل إليه)، أو أنْ يَكون التّذييل باسم المُرسِل.
خصائص الرسائل الديوانية في العصر العباسي
تتجلّى سمات الرسائل الديوانية العباسية بالآتي:
- الوضوح
أي أنّ المعنى في ظاهر لفظها، وهذه الرّسائل لا تُكتَب إلّا من قبل شخصٍ ذي بلاغةٍ واسعةٍ وثقافةٍ عاليةٍ.
- الإيجاز والدّقة
وُجِبَ تحرّي الإيجاز في الموضوع والدّقة في اختيار الألفاظ عن الموضوع المُراد حتّى لا يُفهَمُ بشكلٍ آخرٍ.
- المُحسّنات البديعيّة
كالازدواج، والمُقابلة، والتّرادُف، والسّجع، والطّباق، وغيرها من الفنون البديعيّة، فتَظهر لنا القطعة النّثريّة وكأنَّها أبيات من الشّعر لتأنُّقها وحُسن ألفاظها.
- الصّور البيانيّة والتّخييل والخيال
صور بسيطة حياتيّة ليست بعيدة أو خياليّة، بل لها صِلة بالواقع يَستخدِمها الكاتب في مضمون الرّسالة.
- الشّعريّة
من حيثُ: اختيار الألفاظ، والتّخييل والتّصوير، والجِرْس الموسيقيّ لِتَبدو في ظاهرها قطعة نثريّة وهي أقرب ما يَكون إلى الشّعر بألفاظها وأسلوبها.
- التّضمين والاقتباس
الاقتباس عند الكُتّاب من القرآن الكريم فيَختتمون به الرّسالة أو يَستفتحونها بالآيات الكريمة، أمّا التّضمين فلا حدود له: إمّا من الحديث النّبويّ ، أو من الحِكَم، أو الأمثال، أو الأشعار.