الجنة تحت اقدام الامهات
الجنة تحت أقدام الأمهات
إنّ معنى جملة "الجنّة تحت أقدام الأمّهات"؛ هو أنّ التواضع للأُمّهات سببٌ من أسباب دُخول الجنة، ويجدر بالذّكر أنّ هذه الجملة لم تثبت عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعامّة العلماء على تضعيف نسبتها لرسول الله، وجاء في بعض الروايات الصحيحة قُدوم شخصٍ للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يُريدُ الجهاد معه، فقال له: (هل لك من أمٍّ؟ قال: نعم، قال: فالزَمْها، فإنَّ الجنةَ عند رجلِها)، والمقصود من الجملة أيضاً أن يُقدّم الابن بِرّها على برِّ جميع النّاس؛ لما تحمّلته من حمله، وولادته، ورضاعه، وتربيته، بالإضافة للسعي إلى إرضائها وبرّها.
وقال ابن طاهر: إنّ هذا الحديث فيه منصور بن مهاجر عن أبي النضر الأباد، وهُما لا يعرفان، وعليه فيكون الحديث مُنكر، وأخرجه النسائيّ، وابنُ ماجه، وأحمد، والحاكم وصححه"، وقيل معناها هو أنّ دُخول الجنة لا يكون إلا برضى الأُمّ، فكأنها قاعدةٌ للوصول إلى الجنّة، بحيث لا يُمكن دُخول الجنة إلا من جهتها، يقول السّندي -رحمه الله-: "فَإِنَّ الشَّيْءَ إِذَا صَارَ تَحْتَ رِجْلَيْ أَحَدٍ فَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إِلَى آخَرَ مِنْ جِهَتِهِ".
تقديم بر الأمهات
خصّ الله -تعالى- الأُمّ في القُرآن بالمزيد من العناية والاهتمام والبرّ والإحسان؛ لما تحمّلته من الحمل وأتعابه، والرعاية في المطعم، والملبس، ولِما أعطته لأولادها من الحُب والحنان، ومن ذلك قولهُ -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)، فأمر ببرِّ الوالدين وخصّ الأُم بالذكر بعدها؛ لِما عانته من تعب الحمل؛ كالغثيان والثّقل، وكذلك التعب في الوضع؛ أي الولادة؛ كالطَّلْق وشدّته، ومما يؤكّد هذا الاختصاص لها قولُ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ).
بالإضافة لِما تُقاسيه الأمّ من آلامٍ نفسيّةٍ وجسديّة في التربية بالإضافة لمشاقِّ الحمل والإرضاع والفِطام التي ذكرناها، وجاء عن ابن البطال أنّه قال: "للاُمّ ثلاثةِ أضعاف البر الذي يكون للأب؛ لما تُعانيه من صعوبة الحمل، والوضع، والإرضاع "، فهي تنفردُ بهؤلاء الثلاثة، ثُمّ تشترك مع الأب في التربية، ولِعظم قدر الوالدين قَرَن الله -تعالى- عبادتهُ بالإحسان إليهما، ورضاه في رضاهُما، لِقولهِ -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).
فضل بر الوالدين
إنّ لبر الوالدين الكثير من الفضائل الواردة في الكتاب والسُنة، ومنها:
- بر الوالدين من أعظم العبادات والطاعات؛ فقد قرن الله -تعالى- حقّهما والإحسان إليهما وشُكرهما بعبادته وشُكره، كقولهِ -سبحانه-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا).
- بر الوالدين أفضل من الجهاد، وأعلى مراتبه، فقد جاء رجلٌ إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يُريدُ الجهاد معه، فأخبره بالرجوع وبرِّ والديه، فإنه مُعادلٌ للجهاد.
- بر الوالدين سببٌ لِرضا الله -تعالى-، ودُخول الجنة ، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (سَأَلْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ قالَ: الصَّلاةُ لِوَقْتِها قالَ: قُلتُ ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ قالَ: قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ).
- استجابة دعاء الوالدين لأبنائهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثُ دَعواتٌ يُستجابُ لَهُنَّ لا شكَّ فِيهِنَّ: دعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافِرِ، ودعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ).
- دُعاء النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- على من يعقُّ والديه، فيجب على الإنسان الابتعاد عن كُل ما يؤذي والديه، كالسَّب أو الشتم أو غير ذلك من الكلام، فهذا يُعتبر من الكبائر، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ).
- صلة أهل ودّهم من تمام صلتهم، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (إنَّ أَبَرَّ البِرِّ صِلَةُ الوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ).
- بر الوالدين سببٌ لِمغفرة السيئات، وقبول الأعمال، لِقولهِ -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ* أُولَـئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ).
- بر الوالدين سببٌ لِطول العُمر، والبركة والسعة في الرزق، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (مَن أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)، وبر الوالدين أعظم الصلة.
- بر الوالدين سببٌ لرفع البلاء، وتفريج الكُربات، ويدلّ على ذلك حديث النفر الثلاثة الذين سدّت طريقهم صخرة كبيرة في الغار، وفدعا كلّ واحدٍ منهم الله -تعالى- بأفضل أعمالهم، وكان قد دعا أحدهم ببرّه لوالديه؛ ففرّج الله -تعالى- عنهم بذلك.