الإعجاز العلمي في القرآن
تعريف الإعجاز العلمي في القرآن
الإعجاز العلمي هو ما ذُكر في القرآن الكريم أو السنّة النبويّة الشّريفة، ثمّ أثبتها العلم بعد عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ذلك أنّ القدرات البشريّة حينها لم تُمكّن أصحابها من إثباتها، وقد أظهرت هذه الإثباتات صدق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وعرّفه الدّكتور زغلول النّجار فقال: هو ورود مجموعة من الحقائق العلميّة في القرآن الكريم قبل ورودها من قِبل العلم، ثمّ جاء العلم بعد ذلك فأقرّ بها.
أمثلة الإعجاز العلمي في القرآن
هناك العديد من الأمثلة على الإعجاز العلميّ التي وردت في القرآن الكريم وقد أثبتها العلم لاحقاً، نذكر بعضها فيما ياتي:
- الفرق بين ضياء الشّمس ونور القمر، قال -تعالى-: (هُوَ الَّذي جَعَلَ الشَّمسَ ضِياءً وَالقَمَرَ نورًا).
- أشكال الجبال الظّاهرة على الأرض والباطنة داخلها، قال -تعالى-: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا* وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا)، فإنّ بُنية الجبال تحت الأرض يُضاعف حجمها خارج الأرض أكثر من خمسة عشر ضعفاً، وهو ما وصفه القرآن الكريم بقوله: (أَوْتَادًا)، حيث إنّ الجبال تقوم بتثبيت الأرض تحت الغلاف الصخريّ، مثلها مثل الوتد الذي يمتد من باطن الأرض إلى خارجها، ويكون الجزء الأكبر منه في الدّاخل.
- مراحل خلق الجنين في بطن أمّه، حيث قال الله -تعالى-: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
- ظُلمة المحيطات والأمواج الداخليّة في المياه، قال -تعالى-: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّـهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)، وهو ما أثبته الغوّاصون الذين غاصوا إلى أعماق البحار باستخدام الآلات، فوجدوا هذه الظُّلمات التي تحدّثت عنها الآيات الكريمة.
- قدرة الله -تعالى- في خلق البعوض، وهو نوع من أنواع الذُّباب، ويُسمّى أيضاً البقّ أو النّاموس، وقد ذُكر في قوله -تعالى-: (بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا).
- قول الله -تعالى-: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ* وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ* أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ* بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ)، فقد أقسم الله -تعالى- بيوم القيامة، ثمّ أقسم بالنّفس اللّوامة، وبعد ذلك أظهر قدرته على إحياء الموتى وبعثهم، فالذي خلق أطراف الأصابع وسوّاها بعظامها الدّقيقة، والأظافر، والأعصاب الحسّاسة، مع اختلافها بين كل إنسان وآخر؛ قادر على إحياء الموتى، وبعثهم من أجل محاسبتهم على أعمالهم.
- قدرة الله -تعالى- على خلق الطّيور بما يتناسب مع طيرانها، فخُلقت عظامها خفيفة ورقيقة، وفي الوقت ذاتة متينة تُمكّنها من الطّيران ومجابهة الهواء في الجو، وخلق الله رؤوسها صغيرة خالية من الأسنان التي تزيد في وزنها فتُعيق حركتها، إضافة إلى جمجمتها الخفيفة صغيرة الحجم، قال -تعالى-: (أَلَم يَرَوا إِلَى الطَّيرِ مُسَخَّراتٍ في جَوِّ السَّماءِ ما يُمسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّـهُ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يُؤمِنونَ).
ضوابط منهج البحث فى الإعجاز العلمى للقرآن الكريم
وضع العلماء مجموعةً من الضّوابط للباحثين في مجال الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، لِئَلّا يقع الباحثون في الإفراط أو التفريط، ومن هذه الضوابط:
- وجوب الرّجوع إلى المصادر الموثوقة في تفسير القرآن الكريم، والبحث والنّظر فيها بتأنّي، والإلمام بالعلوم المتّصلة بالقرآن الكريم إلماماً شاملاً، فإن تعذّر ذلك ينبغي الرّجوع إلى أهل العلم واستفسارهم عمّا أُشكل، وكلّ ذلك في سبيل تجنّب الوقوع في الخطأ في تفسير كلام الله -تعالى-.
- العلم بتاريخ الظاهرة العلميّة التي يبحث عنها، ومصطلحاتها وما يتعلّق بها.
- التّوازن في التّأويل في الإعجاز العلميّ الوارد في القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشّريفة،وفي دلائل نبوّة سيّدنا محمد -عليه السّلام-، والابتعاد عن التّأويل قدر المستطاع، وتجنّب التّفريط في تفسير الآيات تفسيراً علميّاً وربطها بالظواهر العلميّة؛ لئلا يَخرج القرآن الكريم عن غايته الأساسية؛ وهو أنّه كتاب هداية.
- معرفة أنَّ الله -عزّ وجل- وحده الكامل، والعالم بكلّ بخلقه وكونه، وبذلك أخبر القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشّريفة، وأمّا علم الإنسان قاصرٌ يعتريه النّقص بطبعه مهما وصل به العلم، وقد جاءت نصوص الوحي مكملةً لبعضها البعض، وصحيحة توضّح إعجاز الله -تعالى- في خلقه للكون وقدرته فيه، بالرغم أنّها نزلت متفرّقةً إلّا أنّها لا تتعارض مع الحقائق العلميّة التي يتوصّل إليها البشر بشكلٍ صحيح.
- مراعاة معاني اللّغة العربيّة، والالتزام بها منذ نزول الوحي واستخدامها وفقاً لذلك، ومراعاة القواعد النحويّة والبلاغيّة، والحرص على التقيّد بالمعنى الحقيقيّ، وعدم الخروج عنه إلا بوجود قرينةٍ كافية، والعلم أنّ اللّغة تحتمل أكثر من وجه، والقرآن الكريم بطبعه مرن يقبل هذه الوجوه جميعاً، فينبغي عرض الكلمة على جميع معانيها، ومطابقة المناسب منها وإن تعدّد.
- حقائق القرآن ثابتة لا يُدلى فيها برأي، فما وافقها أُخذ به، وما عارضها لم يُؤخذ به، ذلك أنّ القرآن الكريم وحيٌ من الله -تعالى- لا شكّ ولا غلط فيه، ولا يُفسّر القرآن الكريم إلّا بالثابت من العلم، ويُتجنّب تفسيره بما هو قيد النّظر والبحث.
- القرآن الكريم كتاب هداية للنّاس، فلا بد من القيام بالغاية التي خلقنا الله -تعالى- من أجلها، وهي عبادته وعمارة الكون، قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، فانصبّ القرآن الكريم في أساليبه من أجل تحقيق هذه الغاية من خلال لفت النّظر إلى الكون بأجزائه والإنسان بمكنوناته، فيجب أن تكون الدّراسات والأبحاث في القرآن الكريم ضمن هذا النّطاق، ولا تؤثر على الغاية الأساسيّة منه.
- معرفة القرآن الكريم لا يتعارض مع الحقيقة العلميّة الثابتة، فإن كانت الحقيقة العلمية واردة في القرآن الكريم بدلالةٍ قطعيّة وتَوصّل إليها العلم البشريّ استناداً على جهود العلماء المختصّين فلا يُمكن أن يحدث تصادم بينهما، وإن وقع ذلك فقد يكون النّص القرآني ظنيّ الدّلالة، أو أنَّ الحقيقة ما زالت في مرتبة النّظرية ولم تصل إلى الحقيقة، وذلك لأنَّ القرآن الكريم من عند الله -تعالى-، والكون من خلقه وتدبيره وتصرفه، قال -تعالى-: (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا).
- كما أنّ الحقائق العلميّة لا يمكن نقضها، لكنّها تتطور ويكتشف العلماء المزيد من تفاصيلها ودقائقها، وذلك نتيجة تطوّر العقل البشريّ، واكتسابه المزيد من العلوم التي تساعده على ذلك، ولا يُعدّ ذلك منقصة في العلم وقصوراً فيه، بل التّطور واكتشافه المزيد منه يعدّ من حقيقته وأساس تكوينه.
- سلوك منهج البرّ والحكمة في البحث العلميّ، وعدم استعجال نتيجة العلم؛ لأنّ الزّمن هو أفضل مفسّرٍ للقرآن الكريم، وتذكّر قول الله- تعالى-: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، والحرص على استخدام ما سخّره الله -تعالى- في الكون والاستفادة من خيرات الأرض من أجل تيسير الحياة دون النّظر إلى المعتقد والدّين، فإنّ الله -تعالى- يُعطي الدّنيا للمؤمن وغيره، أمّا الآخرة فلا يعطيها إلا للمؤمنين.
- فَهم أسباب النّزول، والنّاسخ والمنسوخ، والمطلق والمُقيّد، والعام والخاص، والمجمل والمفصّل من آيات القرآن الكريم.
- الرّجوع إلى تفسير الآيات الوارد منذ زمن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، مروراً بالصّحابة الكرام، والتّابعين وتابعيهم إلى الزّمن الحاضر.
- الإلمام بالقراءات الصحيحة المتعلقة بالآيات إن وُجدت.
- جمع الآيات المتعلّقة في الموضوع بجميع مواضعها، وتفسير بعضها ببعض، وتوظيف أحاديث النبيّ -عليه الصلاة والسّلام- المتعلّقة بها من أجل توضيحها وفهمها.
- التّعامل مع النصّ القرآنيّ المتعلّق بالظاهرة العلميّة كوحدة واحدة، وتجنّب تجزئته وأخذ بعضه دون بعض.
- العمل بقاعدة "العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب".
- تجنّب الخوض بالأمور الغيبيّة من الدين؛ كالذّات الإلهيّة، والرّوح، والملائكة ، والجنّ، والجنّة والنّار، وعالم البرزخ ، ويوم القيامة، وغيرها، والتّسليم لها والإيمان بها إيماناً مطلقاً، والاعتراف بالعجز عن الوصول إليها دون إخبار من الله -تعالى- عنها.
- العلم أنّ يوم القيامة له سنن، ولا ترتبط هذه السّنن بما في الدّنيا ولا علاقة لها بها، قال -تعالى-: (يَسأَلونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرساها قُل إِنَّما عِلمُها عِندَ رَبّي لا يُجَلّيها لِوَقتِها إِلّا هُوَ ثَقُلَت فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ لا تَأتيكُم إِلّا بَغتَةً يَسأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنها قُل إِنَّما عِلمُها عِندَ اللَّـهِ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ)، ورغم ما أظهره الله -تعالى- لنا في الكون من الإشارات الدّالة على اليوم الآخر، إلّا أنّ موعده لا يعلمه إلا هو -سبحانه وتعالى-.
- التمكّن العلميّ الدّقيق في المجال والتّخصص الذي تعرضه الآية الكريمة، وعدم الخوض فيه من قِبَل غير المتخصّصين.
- التّفريق ما بين الناقل، والمحقّق، والمفسّر، فيجب على الناقل إسناد ما يقوم بنقله إلى صاحبه بكلّ أمانة .
- الأخذ بعين الاعتبار أنَّ الباحث يُمكن له أن يتّخذ الآيات القرآنية منطلقاً له من أجل الكشف عن قضيّة علميّة لم يتوصل العلم إليها بعد، فالقرآن الكريم هو الكتاب الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
- تقدير جهود العلماء السّابقين في العصور السّابقة في تفسير الآيات الكريمة وبيان إعجازها، وعدم التّقليل من شأنهم، فالزّمن يتطوّر ودائرة المعرفة تتّسع والعقل البشريّ يتقدّم.
- التّفريق بين الإعجاز العلميّ، والتّفسير العلميّ للقرآن الكريم، فالإعجاز هو ما تظهره الآية القرانية من مظاهر الكون ومعجزاته ممّا لم يصل إليه العلم بعد، أمّا التفسير العلميّ فهو محاولة البشر وبذل الجهد في فهم النّص القرآنيّ، وقد يُصيب وقد يخطئ.
فوائد الإعجاز العلمي في القرآن
توجد العديد من الفوائد التي تنتج عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، نذكر بعضها فيما يأتي:
- إثبات التّوافق بين الحقائق التي يعرضها القرآن الكريم والحقائق التي يُثبتها العلم، وإظهار نوع جديد من أنواع إعجاز القرآن الكريم.
- تأليف قلوب غير المسلمين للإسلام، بإظهار الوجوه العلميّة في القرآن الكريم، وإثبات الحجّة عليهم.
- زيادة الإيمان بالله -تعالى- واليقين به بعد التّعرف على ما يظهره القرآن الكريم، ويكشفه من أسرار خلق الله -تعالى- في الكون.
- حثّ المسلمين على التّفكر، وفتح مدارك العلم والمعرفة لهم، ودعوتهم إلى البحث فيها، وقبول كل جديد من العلوم، قال -تعالى-: (قَد فَصَّلنَا الآياتِ لِقَومٍ يَفقَهونَ).
- إثبات أنّ الدّين الإسلاميّ هو دين العلم، فقد حثّ الإسلام على العلم وأمر به، وبيّن فضله وفضل العلماء ، وقد ذكر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العديد من الحقائق العلميّة التي ما زال العلم يُوافقها، ولم يعارضها أحدٌ من الخلق.
- إظهار معجزة القرآن الكريم الباقية الخالدة إلى يوم القيامة، واستمرار ظهور المعجزات العلميّة منه، قال -تعالى-: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّـهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ).