أجمل قصص العرب في الجاهلية
قصة مواعيد عرقوب
كان العرب في الجاهلية يمتدحون الوفي الصادق في كلامه، ويذمون مخلف الوعد، ويتعلق بهذا الخلق المذموم لديهم قصة مشهورة صارت مثلًا يذم كل من يخلف مواعيده، فَيقال: كمواعيد عرقوب، فعرقوب كان رجلًا يهوديًا يعيش في يثرب، وله أخ محتاج، وكان لعرقوب نخلة في بيته وعد أخاه أن يعطيه شيئًا من ثمرها إذا أثمرت، فلما أثمرت النخلة، رجع أخوه ليطلب منه ما وعده به.
فقال له عرقوب: عد إليَّ إذا أصبحت الثمار بلحًا، فذهب أخوه وعاد إليه مرة أخرى عندما صارت الثمار بلحًا، فصرف عرقوب أخاه بقوله: عد إليَّ إذا أصبحت الثمار زهوًا، فذهب أخوه وعاد له وقد أصبحت الثمار كذلك.
فأطل عرقوب على أخيه وقال له: عد إليَّ عندما تصبح الثمار رُطبًا، فذهب ثم عاد إليه عندما أصبحت الثمار رطبًا، فصرفه عرقوب حتى تصبح الثمار تمرًا، فاصطبر الأخ على أمل أن يعطيه من الثمار إذا صارت تمرًا، فلما صارت تمرًا ذهب عرقوب إلى الشجرة ليلًا فقطف ثمارها، وولم يترك لأخيه شيئًا منها، فلمّا اشتهرت القصة صار عرقوب مضربًا للمثل في خلف الوعد، وقد ذمه الشعراء في أبيات مختلفة؛ لأنه عمد إلى خلف وعده مع قدرته على تنفيذه، وفي هذا مذمة لكل من يخلف وعدًا كان قادرًا على إنجازه لصاحبه.
قصة أجمل من ذي العمامة
وهو مثل اشتهر عند أهل مكة، وقيل في سعيد بن العاص بن أمية، وقد كان شديد الجمال، وكان إذا خرج من بيته تنظر إليه النساء من بيوتها، وكان إذا لبس العمامة لم يلبس أحدًا عمامة مثل لونها فلُقِّب بذي العمامة، وقيل إن هذا اللقب قد لزمه كناية عن السيادة، وكانت من عادة العرب أن تطلق لفظ "مُعمَّم"، فإذا أطلقته على فرد من أفراد قبيلة ما، قصدت بذلك أن كل جناية يجنيها الجاني من تلك القبيلة هي معصوبة برأسه، وقد خطب الخليفة عبد الملك بن مروان ابنة سعيد بن العاص، فأجابه أخوها ببيت من الشعر قال فيه:
فتاةٌ أبوها ذو العمامة
- وابنه أخوها فما أكفاؤها بكثير
قصة وافق شن طبقة
هو مثل يقال لشخصين اتفقا في الرأي والفكر، وقصته تدور حول شخصين تصاحبا في سفر، وكان أحدهما يدعى شنًا، فسأل شن صديقه في الطريق فقال له: أتحملني أم أحملك؟ فاستغرب صاحبه هذا السؤال ولم يجبه، وأكملوا طريقهما، فمروا على زرع لأناس، فسأل شن صاحبه: أَأُكل هذا الزرع أم لم يؤكل؟ فنظر إليه صاحبه باستغراب ولم يجبه، ثم ساروا في الطريق فوجدوا أناسًا يحملون جنازة، فسأل شن صاحبه: يا تُرى أحيٌّ صاحب النعش أم ميت؟ فتعجب صديقه كل العجب، وسكت حتى وصلا إلى البلدة التي يسكن فيها الرجل المصاحب لشن .
فدعاه للعشاء عنده في المنزل، ولما دخل الرجل إلى بيته ذهب لابنته؛ ليطلب منها أن تعد طعامًا لهما، وأخبرها أن هذا الرجل يسأل أسئلة غريبة وبدون معنى، وحكى القصة لابنته، فعرفت ابنته معنى أسئلة شن، فقالت لأبيها: يقصد بتحملني أم أحملك: أي تحدثني أم أحدثك حتى ننسى تعب السفر، وأما الزرع فيقصد هل باعه صاحبه وقبض ثمنه أم لم يقبض ثمنه بعد، وأما الجنازة فكان يسأل هل ترك الرجل أولادًا من بعده أم لم يترك؟
فلما جهزت العشاء، قال الرجل لشن سأخبرك بإجابة أسئلتك، فلما أخبره بها، قال له شن: من أخبرك؟ فقال الرجل ابنتي طبقة، فخطبها شن وتزوجها، فأصبحوا مضربًا للمثل عند العرب، فيقولون لمن توافقا في الرأي: وافق شنٌ طبقة.
قصة الحارث بن عباد وابن أبي ربيعة
كان الحارث بن عباد من قبيلة بكر التي اشتعلت الحرب بينها وبين قبيلة تغلب بسبب الناقة، والحرب مشهورة باسم حرب البسوس، وقد عرف عن الحارث رجاحة عقله وجميل صفاته، وقد قُتِل له ولد يسمى بجيرعلى يد عدي ابن أبي ربيعة التغلبي، فأراد أن يأخذ بالثأر، ولما خرجت قبيلته للحرب، أسر رجلًا من تغلب، وأخبره أنه سيطلق سراحه إذا دلّه على عدي بن أبي ربيعة ليأخذ ثأر ولده، فأخذ عليه الأسير العهد أن يطلق سراحه إذا دله على مكان عدي، فأجابه الحارث بأنه سيعطيه الأمان، فأجابه الأسير بأنه هو عدي بن أبي ربيعة، فأطلق الحارث سراحه وفاءً بالعهد.
قصة أجود من هَرِم
وهو مثل يقال في شدة الكرم، وقد قيل في هرم بن أبي سنان بن أبي الحارثي المري، وكان مضربًا للمثل في شدّة الكرم، وقد ذكره زهير بن أبي سُلمى في شعره، فلما وفدت ابنة هرم على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أيام خلافته، سألها متعجبًا عن الأعطية التي أعطاها أبوها لزهير حتى يذكره بأبيات من المديح، فأخبرته أنه أعطاه أشياء فانية، فقد أعطاه "أعطاه خَيْلاً تنضى، وإبلا تَتْوَى، وثيابا تَبْلَى، ومالاً يفنى" ، فقال لها عمر _رضي الله عنه_: أعطى أبوكِ لزهير ما يُنسى، وما أعطاه إياه زهير لا يُنسى، وكان زهير قد قال فيه مادحًا:
إنَّ البَخيلَ مَلُومٌ حيث كان ولـ
- ـكِنَّ الجوادَ على عِلاَّتِهِ هَرِم
هُوَ الجواد الَّذِي يُعْطيكَ نائلَه
- عَفْوًا، ويُظْلَم أحْيَانا فَيَظَّلِمُ
قصة شؤم البسوس
البسوس اسم فتاة عربية اشتهرت بالبؤس والشؤم فأصبحت مضربًا للمثل، وهي بنت منقذ التميمية، كانت ذاهبة لزيارة أختها أم جساس بن مُرَّة، ومعها جار لها من قبيلة جرم، اسمه سعد بن شمس وكانت معه ناقة له، فذهبت الناقة ترعى في مرعى لكليب وائل فلما رآها ضربها بسهم، فركضت الناقة إلى صاحبها وقد اختلط لبنها بالدم، فلما رأى صاحب الناقة ما بها ذهب إلى البسوس فأخبرها بالقصة، فأصبحت تقول: واذُلَّاه! واغُربتاه! وقالت شعرًا سمي فيما بعد بشعر الفناء.
فسمعها ابن أختها جساس وثار الدم في رأسه، فخرج حتى لقي كليب فطعنه وقضى عليه، واشتعلت الحرب بين قبيلة بكر وقبيلة تغلب بعد هذه الحادثة حتى أربعين سنة، فأصبحت البسوس مضربًا للمثل في الشؤم والقطيعة؛ لأنها كانت المُتسببة في الحرب.
قصة الخرسُ لا يبطل الزواج
وهو مثل يقال عند العرب، وقصته أنه أتى رجل لرجل آخر يخطب ابنته، فقال له: إن ابنتي خرساء اللسان، خرساء الأساور، خرساء الخلخال، فهل ترضى؟ فقال الخاطب: رضيت. وقد ظنّ أنها سمينة قليلة الكلام، فلما زفت إليه وجد أنها تعجز عن الكلام وليس قليلة الكلام فقط، فذهب إلى والدها يراجعه، فأخبره أنه لم يخفي عليه ذلك، فاحتكماه إلى أحد القضاة وقال الزوج أنه ظن أن الزوجة قليلة الكلام، وذلك أنه اشتهر عند العرب قول أخرس اللسان أي قليل الكلام، فحكم القاضي بصحة الزواج؛ لأن هذه العلة لا تمنع إتمام الزواج، فعاد الرجل إلى زوجته، وعاش معها فأنجبت له أبناءً أذكياء، وكان يتغنى بهم ويقول بهم شعرًا.
قصة ما يوم حليمة بسر
يضرب هذا المثل في اليوم المشهور، وقصته أن الحارث بن أبي شمر، كان في حرب مع المنذر بن ماء السماء، فوجه المنذر إلى الحرث بجيش يقارب المئة ألف مقاتل، فخاف الحارث على قومه، فجاءه رجل يدعى شمر بن عمر بن بكر بن وائل، وكان قد أغضبه المنذر، فأخبر الحارث أنه يستطيع أن يبطئ المنذر عن القتال، فانتدب الحارث من قومه مئة رجل وأخبرهم أن يأتوا المنذر فيخبرونه أنهم يدينون له ويعطونه حاجته.
وذهب إلى ابنته حليمة فأمرها أن تطيب الرجال أي تضع لهم الطيب، وكان من بينهم فتى يقال له لبيد بن عمرو، فلما دنت منه لتطيبه قبلها، فضربته وبكت وخرجت إلى أبيها، فشكت له: فأخبرها أن تسكت حتى يعود الرجال من الحرب، لأن هذا الفتى أذكاهم، فذهبوا إلى المنذر وأخبروه أنهم يدينون له، وانتظروا حتى غفل الحرس، فدخلوا على المنذر وقتلوه ومن كان معه، فقيل: وما يوم حليمة بسر فأصبحت مثلًا.
قصة عنترة وعبلة
عنترة الشاعر الجاهلي، الفارس الشجاع، الذي أبدى شجاعة جعلت والده ينسبه إليه بعد أن كان يرفض ذلك، وقد أحب عنترة ابنة عمه عبلة وخطبها، فرفض أبوها أن يزوجه إياها؛ لأن أم عنترة لم تكن عربية، وهو أراد لابنته فارسًا عربيًّا، أمه وأباه من قبيلة عربية معروفة، وقيل إنه حتى يُعجِّز عنترة طلب منه ألف ناقة من إبل النعمان مهرًا، إن أحضرها سيزوجه إياها، فخرج عنترة طلبًا للإبل وتحمل المشقة والتعب والأسر، وعاد ومعه مهر عبلة، لكن عمه أخلف وعده، وزوج عبلة من رجل آخر، فظل عنترة إلى آخر حياته يذكر عبلة في شعره، ويحن إلى أيام الصبا.
هذه بعض القصص التي وردت عن العرب في الجاهلية، وفيها دليل واضح على أن العرب كانوا أهل فطنة وشجاعة وكرم، ويرى القارئ أن الأمثال التي يتداولها الناس قد قالتها العرب في مناسبات مختلفة، وكان لكل مثل منها قصة، فلم يقف استعمالها عند زمانهم، بل تناقلها الخلف عن السلف، وأصبحت تراثًا، تتناقله الأجيال وتتعلم منه الدروس والعبر.