احترام الآخرين في الإسلام
مفهوم احترام الآخرين في الإسلام
إنَّ احترام الآخرين له أهمية كبيرة في الإسلام، وقد سنَّ الله -عزَّ وجلَّ- احترام الآخرين ومعاملة الغير على أُسسٍ واضحةٍ، وبأخلاق رفيعة، فمن فعل ذلك في تعامله مع الغير يُثاب، قال -عزَّ وجلَّ-: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً).
والاحترام في الإسلام له أبعاد عدة؛ فمنه أن نتحلَّى بالكلام الطيب، واللّين في معاملة الناس ونُصحهم للخير، بل وتمنِّي الخير لهم، واقترنت هذه القاعدة بكمال الإيمان كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)، وقيل إنَّ هذا الحديث يُمثِّل رُبع الإسلام أي من أصل أربعة أحاديث لا يكتمل إيمان الفرد إلا بهنَّ.
مظاهر احترام الآخرين
أمر الإسلام باحترام الآخرين، ومن مظاهر وصور ذلك ما يأتي:
احترام آرائهم وأديانهم
حث الإسلام على احترام آراء الناس وأديانهم، ومن أبعاد ذلك أنه نهى عن إكراه الآخرين للدخول في دين الله، يقول الله -عزَّ وجلَّ-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وهذا نهجٌ واضحٌ في الإسلام حول القواعد العامة التي وضعتها الشريعة الإسلامية فيما يتعلق باحترام الآراء والمعتقدات الأخرى، كما أن فيها دحض للشبهة التي نُسبت للإسلام حول إكراه جزيرة العرب على الدخول في الإسلام.
عدم التعدي على أموالهم وأرواحهم
وضع الإسلام قاعدة عامة تتعلق بحرمة أموال الناس وأرواحهم، الأمر الذي بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في حَجّة الوداع حينما قال: (ألا إِنَّ أحرمَ الأَيَّامِ يومُكُمْ هذا ألا وإِنَّ أحرمَ الشُّهورِ شَهْرُكُمْ هذا ألا وإِنَّ أحرمَ البَلَدِ بَلَدُكُمْ هذا ألا وإِنَّ دِماءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ عليكُمْ حرامٌ كَحُرْمَةِ يومِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا ألا هل بَلَّغْتُ قالوا نَعَمْ قال اللهمَّ اشْهَدْ)، وهذا يدل على أن الإسلام يُحرّم التعدي على ممتلكات الغير وأرواحهم.
احترام أقوالهم وأفعالهم
من صفات المؤمن أنه يحترم أقوال الآخرين وأفعالهم ولا يستهزأ بهم، فالمؤمن ليس صاحب خُلق سيء يظهر في أفعاله ومعاملته من الغير؛ كأن يَشتم أحدهم أو يستغيب آخر، وهذا ما نهى عنه -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: (ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البذيء).
من صور احترام الآخرين عدم إيذاء شعورهم أو الإستهزاء بهم، ومن ذلك أيضاً عدم الغيبة، والبهتان، فالغيبة: أن تقول ما فيه دون علمه، والبُهتان: أن تقول ما ليس فيه، ومن احترام الآخرين لبعضهم البعض عدم التكبُّر وعدم احتقار أقوال الآخرين وأفعالهم.
توقير كبيرهم ورحمة صغيرهم
حثَّت الشَّريعة الإسلامية على توقير الكبير والعطف على الصغير، وأدلّة ذلك كثيرة منها:
- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليس منَّا مَن لم يُوقِّرِ الكبيرَ ويرحَمِ الصَّغيرَ ويأمُرْ بالمعروفِ ويَنْهَ عن المنكَرِ)، وهذا زجرٌ من شريعتنا الإسلامية بقول النبي (ليس منَّا) أي ليس من المسلمين من لم يُوقِّر الكبير ويرحم الصَّغير.
- عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-: (أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بشرابٍ فشَرِبَ منه، وعن يمينِه غلامٌ، وعن يسارِه الأشياخُ، فقال للغلامِ: أَتَأْذَنُ لي أن أُعْطِيَ هؤلاءِ؟ فقال الغلامُ: واللهِ، يا رسولَ اللهِ، لا أُوثِرُ بنصيبي منك أحدًا. قال: فتَلَّه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في يدِه)، في هذا الحديث صورة من صور احترام الصغير وتقديره والعطف عليه، والحرص على مشاعره، بالإضافة إلى زيادة شعوره بالثقّة بنفسه وتعزيز كرامته.
- عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (ليسَ منَّا من لم يرحَم صغيرَنا ويعرِفْ شرَفَ كبيرِنا)، أي بمعنى أنّه ليس من أخلاقنا من لا يحترم الكبير، ومن لا يرحم الصغير.
- قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أنا وكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ هكذا وأشار بالسَّبَّابةِ والوُسْطى)، ففي هذا حثٌّ على العطف على الصغير اليتيم بشكلٍ خاصٍّ، ومنه الحثُّ على الصغير بشكلٍ عامٍّ.
إلقاء السلام عليهم
الأصل أن يتمَّ إفشاء السَّلام بين المسلمين، فتحيَّة الإسلام وإفشائها فيها فائدةٌ عظيمةٌ بين المسلمين، لما لها من إنزالٍ للمحبِّة والطمأنينة بينهم، ودوام الألفة والمودَّة، وذلك مصداقاً لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ).
ما أهمية الإحترام بين الناس؟
إنَّ احترام الآخرين له أهمية بالغة ومن جوانب ذلك ما يأتي:
- الاحترام مطلب لا غنى عنه في جميع معاملات الفرد المسلم التجارية والاجتماعية وغيرها.
- الاحترام وسيلة أساسية في حمل الدعوة الإسلامية التي كلفنا بها.
- الاحترام يجعل العديد من الأخلاق المذمومة تختفي؛ كالتسلُّط والتعالي على الغير.
- الاحترام وسيلة لكسب القلوب ويؤدي إلى التقارب بين جميع الأطراف.
الاحترام قيمة عظيمة في الشريعة الاسلامية ويظهر أبعاده في جميع معاملات الحياة، وقد بيّن لنا الإسلام أهمية الاحترام وربَطَه بالإيمان، ولا تقتصر مظاهر الإحترام على مناسبةٍ أو وقتٍ معين، بل هو سلوكٌ وأسلوب عام في التَّعامل مع الغير، وهذا من حقِّ المسلم على المسلم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ، وعِيَادَةُ المَرِيضِ، واتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وإجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وتَشْمِيتُ العَاطِسِ).