احترام الكبير والعطف على الصغير
احترام الكبير في الإسلام
لقد جاء هدي الإسلام يحض المسلمين على احترام الناس ، وأهمها احترام الكبير؛ وإنه ليعد من الأصول الأخلاقية الكبرى التي تعطي للمسلم هويته في المجتمع الإسلامي، ومن فقدها انخلع من عضوية هذا المجتمع، كما قرر ذلك رسولنا الكريم بقوله: (ليس منَّا مَن لم يوَقِّرْ كبيرَنا، ويرحَمْ صغيرَنا).
ف إن احترام الكبير في المجتمع، وتقديمه على من هو أصغر منه دليل رقي المجتمع، وآية فهم أعضائه لقواعد الأخلاق الإنسانية، وعلامة على سمو نفوسهم وتهذيبها، ومن أجل ذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحرص على أن يؤكد هذا .
الحكمة من احترام الكبير في الإسلام
لقد حثّتنا الشريعة الإسلامية على رعاية الكبير واحترامه، بدءا بالوالدين ثم الذين يلونهم من كبار السن رجالا ونساء، فالإنسان عند كبره يحتاج للرعاية والعناية، وهذا دليل على عظمة الإسلام الذي لا يُلقي كبارنا في دور الرعاية دون تقدير لما قدموه لنا، ووفاء لماضيهم وجهودهم، فجاء الإسلام يحثنا على احترامهم وتقديرهم للحفاظ على مشاعرهم ورداً لجميلهم: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
مظاهر احترام الكبير في الإسلام
إنّ من كمال الإسلام علينا أنه دين واقعي، لا يفرض النظريات؛ وإنما يجسدها على أرض الواقع، وشملت رعايته للمسنين عمومًا، ثم الذين يلونهم ضعفا وعجزا وسنَا ومكانة، واتخذت هذه الرعاية أشكالًا وأساليب كثيرة، فمن مظاهر رعاية الكبير ما نذكره فيما يأتي:
- البدء بالقاء التحية على الكبير والسؤال عن حاله.
- تقديم الكبيرفي الحديث، وعدم الخوض في أمر دون الكبير: وقد وجه النبيُ صلى الله عليه وسلم بهذا حين قال لصغير تحدث عنده: (كبر الكُبر)، يعني: لِيَلي الحديث الأكبرُ.
- أن يُقدم الكبير في المجلس والمأكل والمشرب.
- الدعاء له بالصحة والعافية، وأن يطيل الله في عمره؛ ويكرمه بالعمل الصالح.
- تقديم المساعدة للكبير فيما يعجز عنه من الأمور.
العطف على الصغير في الإسلام
العطف على الصغير يقصد به: إعانته؛ فهو لا يملك الخبرة في كافة شؤون الحياة، فمن العطف عليه الحرص على توجيهه برفق، وحسن معاملته ومجالسته، فقد قال -صلى الله عليه سلم-: (ليس منَّا مَن لم يوَقِّرْ كبيرَنا، ويرحَمْ صغيرَنا) .
الحكمة من العطف على الصغير في الإسلام
إن الإسلام دين رحمة فلا يكلف نفساً إلا وسعها، ولأن الصغير لا يمتلك القدرة على فهم كل ما يحيط به لبراءته وغفلته، فكان من باب أولى أن يحثّنا على إعانته والعطف عليه بتعليمه وإرشاده للصواب وعدم محاسبته ، ودليل ذلك حين لم يكلّفه الإسلام بالعبادات إلا حين بلوغه ورشده، أي عندما أصبح مدركاً يكتسب المهارات ويحسن التفكير والتصرف.
مظاهر العطف على الصغير في الإسلام
كان خلقه -صلى الله عليه وسلم- القرآن، فمن أجمل مظاهر العطف على الصغار حين كان يصلى رسولنا الكريم وأقبل ابن ابنته الحسن أو الحسين وارتحله، ففي الحديث الشريف: (يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ سجَدتَ بينَ ظَهْرانَيْ صلاتِكَ سَجْدةً أطَلتَها، حتى ظنَنَّا أنَّه قد حدَثَ أمرٌ، أو أنَّه يُوحَى إليكَ؟! قال: كلُّ ذلكَ لم يكُنْ؛ ولكنَّ ابني ارتَحَلني، فكرِهتُ أنْ أُعجِّلَه حتى يَقْضيَ حاجتَه). ويكون العطف بعدة مظاهر منها:
- الإحسان إليه بتقديم حاجياته بأكمل وجه وعدم إهماله من تأمين أساسيات الحياة.
- توجيهه فيما لا يعلم برفق وعدم رفع الصوت ونهره.
- مداعبته والسماح له بالمشاركة في الحديث.
- عدم التفرقة بين الصغار عند اجتماعهم في مكان ما.
- رفع معنوياته وإعطائه حس المسؤولية ليشعر أن له دوراً مجتمعياً مهماً.
أدلة على احترام الكبير والعطف على الصغير
الرحمة صفة حميدة، وصفة جليلة يتراحم بها الناس ويتعاونون، وهي في الإنسان رقّة في القلب تحمله على التفضل والإحسان، وهي من السمات التي زيّن الإسلام بها الحياة، فبالرحمة نعطف على أبنائنا الصغار، ونحسن الى آبائنا الكبار ونوقرهم، و قدوتنا المثل الأعلى -صلى الله عليه وسلم-، حيث يجسّد بسيرته نماذج شتى من احترام الكبير والعطف على الصغير، ومما يدلّ على ذلك:
- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم-: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولم يرحم صغيرنا).
- عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسول اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلم-: (أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَلاَ تَحُتّ ورقها، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ النَّخْلَةُ، فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا، لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: مَا مَنَعَنِي إِلَّا أَنِّي لَمْ أَرَكَ وَلاَ أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا فَكَرِهْتُ).
- عن عائشة، قالت: (قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالُوا: لَكِنَّا وَاللهِ مَا نُقَبِّلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ. وقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ) .