اجعلتم سقاية الحاج
مهمة السقاية وعمارة المسجد الحرام
أخذت قريش على عاتقها مهمة سقاية الحجاج الذين يفدون إلى مكة المكرمة من جميع أجزاء الجزيرة العربية، وقد استدعت تلك المهمة حفر الآبار بشكل منتظم لتوفير المياة بشكل مستمر للحجاج في ظل شح الموارد المائية في مكة، وقد كان أول من قام بمهمة سقاية الحجاج قصي بن كلاب، وتوارث هذه المهمة من بعده ابنه عبد الدار بن قصي حتّى وصلت إلى العباس بن عبد المطلب، وقد كانت السقاية عبارة عن حياض من جلد توضع في فناء الكعبة، ويستسقى فيها الماء العذب من الآبار على الأبل، ثمّ يسقى منها الحجاج، وأما عمارة المسجد الحرام فهي مهمة أخرى كانت تقوم بها قريش تعظيماً لمكانة البيت الحرام، وقد كان الفضل في رعاية الكعبة إلى قصي بن كلاب الذي جمع قريشاً ووضع لها مساراً ومنهجاً واضحاً يعظم حرمة الكعبة من خلال منع ارتكاب المنكرات والآثام بين يدي الكعبة، ومنع استحلال هذا المكان المقدس، بل وصل الأمر إلى منع البناء بجوار الكعبة تعظيما لها، وقد تجلت مظاهر عمارة قريش للبيت الحرام حينما أخذت قريش على عاتقها مهمة ترميمه وإعادة بناء أجزاءه التي تهدمت بسبب العوامل البيئية المختلفة حيث تعاونت كل قبيلة في إعادة بناء وترميم الكعبة.
سبب نزول الآية (اجعلتم سقاية الحاج)
ذكر ابن عباس رضي الله عنه في سبب نزول قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، أنّ العباس بن عبد المطلب خاطب المسلمين حينما أسر في بدر قائلاً: لئن سبقتمونا بالإسلام والجهاد والهجرة فلقد سبقناكم بعمارة المسجد الحرام وسقاية الحجاج، فنزلت هذه الآية الكريمة لتبين خيرية الإيمان والجهاد وأنّها أفضل من أعمال السقاية وعمارة المسجد الحرام مع البقاء على الشرك، وذكر الشعبي والحسن ومحمد بن كعب القرظي أنّها نزلت في علي ابن أبي طالب رضي الله عنه والعباس وطلحة بن شيبة حيث تفاخر كل واحد منهم فقال العباس أنا صاحب السقاية، وقال طلحة أنا عندي مفاتيح البيت، وأما علي رضي الله عنه فقال أنا صاحب الجهاد وقد صليت نحو البيت قبلكم ستة أشهر.
ما يستفاد من الآية الكريمة
تدل الآية الكريمة دلالة بينة على أفضلية الإيمان بالله والجهاد في سبيله وأنّها خير من سقاية الحجاج وعمارة المسجد الحرام، فالإيمان بالله هو أصل هذا الدين، وبسببه تقبل الأعمال الصالحة، وتزكو الخصال، وكذلك الجهاد في سبيل الله فهو ذروة سنام الإسلام وبه يحفظ الدين، وأما ما تفاخر به كفار مكة من الأعمال فلا عبرة فيها بدون الإيمان لأنّها متوقفة عليه، وليس فيها من المصالح ما يتحقق من إيمان بالله وجهاد في سبيله.