أين نزلت سورة نوح؟
مكان نزول سورة نوح
إنّ مكان نزول سورة نوح هو مكة المكرّمة، حيث أخرج ابن الضريّس، والنحاس، وابن مردويه، عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- قال: "نزلت سورة {إنا أرسلنا نوحا} بمكة"، وذكر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" الاتّفاق على أنّ السورة مكيّة، فلا خلاف في مكان نزولها.
سبب نزول سورة نوح
لم يذكر أهل العلم لسورة نوح سبب نزول معيّن، فالظاهر أنّ هذه السورة الكريمة من السور التي ليس لها سبب نزول معيّن، أي لم تحدث حادثة كانت سببًا في نزولها، والله أعلم.
ترتيب نزول سورة نوح
عُدّت سورة نوح السورة الثالثة والسبعين في ترتيب نزول سور القرآن الكريم، حيث نزلت بعد نزول أربعين آية من سورة النحل وقبل سورة الطور وفقًا لما جاء في التحرير والتنوير، وقد جاء في "الموسوعة القرآنية" لجعفر شرف الدين: أنّ سورة نوح نزلت بعد سورة النحل، وكان تاريخ نزول سورة النحل بعد حادثة الإسراء وقُبيل الهجرة النبوية، ومن المتفق عليه أنّ السورة مكيّة فيكون تاريخ نزولها في هذا التوقيت أيضًا.
أمّا عن ترتيب سورة نوح بين سور المصحف الشريف فهي واقعة بين سورتي المعارج والجن، وقد ذكر المفسّرون في مناسبة سورة نوح لسورة المعارج وسبب وقوعها بعدها؛ أنّ الله -تعالى- قد قال في سورة المعارج: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ* عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}.
فالله -تعالى- يُحذّر في هذه الآيات من الاستئصال والتبديل للقوم الذين لا يتّبعون دينه ويعصون أمر أنبيائه، فتأتي سورة نوح لتذكر مثالًا عمليًا على ذلك، وهو إغراق قوم نوح والإبقاء على المؤمنين منهم فقط، وإبدال الأقوام الكافرة بأقوام خير منها، فكأنّها وقعت موقع الاستدلال على تلك الدعوى، كما أنّ السورتين قد تحدّثتا في مطلعهما عن العذاب الذي سيحل بالكافرين والتحذير منه.
أمّا عن مناسبة سورة نوح لما بعدها من السور وهي سورة الجن، فيقول سعيد حوّى في "الأساس في التفسير": إنّ سورة نوح كانت تتحدّث عن نموذج من الأمم التي لم ينفع معها الإنذار ، أمّا سورة الجن فقد عرضت مثالًا ونموذجًا لأقوام من خلق الله -تعالى- قبلوا الإنذار منذ سماعهم له، وفي هذا حثّ للمكلّفين ولمن لديهم عقول أن يفكّروا بها لقبول دعوة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والإيمان بالله وحده.
سبب تسمية سورة نوح بهذا الاسم
ذكر الفيروز آبادي "في بصائر ذوي التمييز": أنّ سورة نوح سُمّيت بهذا الاسم لأنّه قد ذُكر فيها اسم النبي نوح -عليه السلام- في مطلعها وختامها، حيث قال الله -عزّ وجلّ- في الآية الأولى منها: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، فالسورة بشكل عام تتحدّث عن قصة نوح -عليه السلام- مع قومه، وذكر ابن عاشور أنّها تُسمّى بهذا الاسم في المصاحف وكتب التفسير، وعنونها البخاري في صحيحه بـ "سورة إنّا أرسلنا نوحًا"، ولعلّ هذا الاسم الذي كان شائعًا لها في كلام السلف.
دروس مستفادة من سورة نوح
تضمّنت سورة نوح الكثير من الدروس المستفادة العظيمة ، فالعاقل من تعلّم من هذه الدروس فالتزم أمر ربّه وعَلِم ما هي أسباب سعادته ونجاته، ومن هذه الدروس ما يأتي:
- إنّ العاقل لا يتّبع من هو سبب في ضلاله وخسرانه مهما كانت مكانته في المجتمع عظيمة؛ لأنّه يُدرك أنّ اتباعه هذا لن يُنجيه من عذاب الله، فالبشر سواسية عنده سبحانه.
- إنّ التقوى وكثرة الدعاء والاستغفار والتضرّع إلى الله -تعالى- هي سبب من أسباب سعة الرزق ونزول المطر.
- إنّ التفكّر والنظر في عجائب صنع الله -تعالى- في خلقه للإنسان في مراحل وأطوار متدرّجة، وخلقه للسماوات وما فيها من كواكب، والأرض وما فيها من منافع للبشر، هو ضرورة إيمانية للعباد، لأثر ذلك في زيادة الإيمان واستصغار النفس ومعرفة حدودها.
ملخّص المقال: سورة نوح هي سورة مكيّة بالاتفاق ومكان نزولها هو مكّة المكرّمة، وهي من السور القرآنية التي تضمّنت حديثًا عن قصة نوح -عليه السلام-؛ تسليةً لقلب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وللمؤمنين عما عانوه من الأذى، فكلّ الأنبياء قد لاقوا من أقوامهم العناد والتكذّيب، والداعية الحقيقي هو من يصبر ويتحمّل، والمؤمن الصادق يثبت على دين الله مهما كانت الظروف، فالإيمان أقوى من كلّ شيء.