أين دفنت السيدة زينب
آل البيت
يُمكن تعريف الآل لغةً: من الأول وهو الرجوع، وآل الرجل همّ عياله وأهل بيته ، وقد اختُلف في المقصود بآل بيت الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- على قولين؛ الأول: أنّ آل البيت هم أزواجه وذريته خاصّة، واستدلّ أصحاب هذا الرأي بروايات الصلاة على النبي في الصلاة بعد التشهّد : (اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد)، فإنّه مفسّر بمثل حديث أبي حميد: (اللهمّ صلِّ على محمّد، وأزواجه، وذريّته)، فجعل مكان الآل الذريّة والأزواج مُفسراً له بذلك، والقول الأخر أنّ آل البيت هم بنو هاشم، و بنو عبد المطلب، أو بني هاشم ومن فوقهم إلى غالب، وبعضهم أخصّ من بعض، حيث إنّ فاطمة ، وعلي، والحسن، والحسين أخصّ من غيرهم، واستدلّ أصحاب هذا الرأي بحديث زيد بن أرقم، الذي روى فيه أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خطب فيهم، وحثّهم على التمسّك بكتاب الله تعالى، ثمّ قال: (وأهلُ بيتي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذَكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي)، وسأل أحد الناس زيد بن أرقم -رضي الله عنه- من هم أهل بيته، فقال: هم أهل بيته الذين حُرّمت عليهم الصدقة من بعده، فقالوا: ومن هم؟ قال: آل العباس، وآل جعفر، وآل علي، وآل عقيل، ومن الجدير بالذكر أنّ آل البيت لهم خصائص دون غيرهم من الناس، حيث إنّ لهم فضل النسب، وطهارة الحسب، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ اصطفَى كِنانةَ من ولدِ إسماعيلَ، واصطفَى قريشاً من كنانةَ، واصطفَى من قريشٍ بني هاشمَ، واصطفاني من بني هاشمَ)، والخُمس الذي يُعطى لهم من الغنيمة والفيء، كما قال الله تعالى: (وَاعلَموا أَنَّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيل)، وتحريم أخدهم الصدقات ، حيث قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: (إنَّ الصدقةَ لا تنبغي لآلِ محمدٍ، إنّما هي أوساخُ الناسِ).
موقع دفن السيدة زينب
على الرغم من نسبة ضريحين للسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، أولهما في دمشق الشام، والثاني في مصر، إلّا أنّ الضريحين مفتقرين إلى ما يثبت صحّتهما، حيث إنّ الذين نسبوا الضريحين إلى السيدة زينب -رضي الله عنها- لم يستطيعوا الإتيان بإسنادٍ صحيحٍ لإثباتها، بل لم يسندوها إلى مؤرّخٍ متقدّمٍ، ولا راوٍ من الرواة الذين تتبعوا أحداث تلك الفترة، ويُمكن القول إنّ الذين يعتقدون بأنّها دُفنت في الشام، احتجوا بأنّ السيدة زينب هاجرت مع زوجها عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- إلى الشام، حيث كان زوجها يملك مزرعةً أو بستاناً هناك، وكان ذلك أثناء المجاعة التي أصابت المدينة المنورة ، ثمّ مرضت فتوفّاها الله، ودُفنت في الشام، وهذا إدّعاءٌ باطلٌ، لا دليل عليه، حيث لم يذكر أي مؤرخ أنّ عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه- كان يملك أيّة مزارعٍ في الشام، ولكنّه كان يفد على معاوية فيجيزه، ثمّ سرعان ما كان ينفق تلك الجوائز في سبيل الله، حيث عُرف عنه الكرم ، وإن كان الإدّعاء بأنّ عبد الله بن جعفر لديه مزارع في الشام صحيحاً، فلماذا يأخذ زوجته زينب -رضي الله عنها- إلى الشام بعدما أتوا بها إلى الشام أوّل مرةٍ أسيرة بلباس السبايا، حتى أُدخلت على يزيد ن معاوية بصورةٍ مبكيةٍ، فلا يمكن أن يُتصوّر أنّ زينب -رضي الله عنها- رغبت بالقدوم إلى الشام بعدما حصل معها في الشام ما حصل، وإن كان سبب هجرة عبد الله بن جعفر بزوجته إلى الشام هو المجاعة، فكان من الممكن أن يبيع محصول المزارع المزعومة في الشام، ويرجع إلى المدينة، وينفق على أهله، بالإضافة إلى أنّ نفقة سفر زينب -رضي الله عنها- إلى الشام أعلى من نفقة عيشها في المدينة، وهل من الممكن أن يُحضر عبد الله -رضي الله عنه- زوجته إلى الشام ويترك باقي أهله ليموتوا جوعاً، ولذلك فإنّ القول بأنّ زينب -رضي الله عنها- دُفنت في الشام لا يصحّ، والصحيح أنّها دُفنت في المدينة المنورة، حيث عاشت وماتت.
نفي دفن السيدة زينب في مصر
تجدر الإشارة إلى أنّ الضريح المزعوم للسيدة زينب في مصر غير موجود، حيث نفى بعض العلماء استناداً إلى بعض الأدلة دفن السيدة زينب في القاهرة، وفيما يأتي بعض ردودهم على ذلك:
- نفى الشيخ محمود المراكبي وجود قبر السيدة زينب في القاهرة، حيث أصدر كتاباً بعنوان: (القول الصريح عن حقيقة الضريح)، وجاء فيه التأكيد على عدم وجود قبر السيدة زينب في مصر، حيث لم يتم ذكره في أي روايةٍ من روايات الرحالة الذين رحلوا إلى مصر، وكتبوا عنها، ووصفوا مزاراتها، وآثارها، ومن أولئك الرحالة: ابن جُبير، وياقوت الحموي، والهروي، وابن بطوطة ، وابن دقماق المصري، وخليل بن شاهين، وغيرهم، بل اتفقت كلمة المؤرخين، ومنهم: ابن ميسر، ونور الدين السخاوي، وابن ظهيرة المصري، وابن تغري بردي، والحافظ السيوطي، على أنّ السيدة زينب -رضي الله عنها- لم تدخل مصر أصلاً، فكيف تُدفن فيها.
- أكّد الأستاذ فتحي الحديدي أنّ من أواخر ما نُقل عن زينب بنت علي -رضي الله عنها- كان ما ذكره الحافظ ابن عساكر في كتابه: تاريخ دمشق، من أنّ يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أمر نعمان بن بشر بترحيل زينب ومن كان معها من آل البيت من الشام إلى الحجاز، وأن يبعث معهم رجلاً أميناً صالحاً؛ حتى يوصلهم إلى المدينة ، وذلك ما حصل، ثمّ بقيت زينب -رضي الله عنها- في المدينة إلى أن توفّاها الله، ودُفنت فيها.