نص إنشائي عن التسامح (لطلاب الثانوي)
المقدمة: التسامح خلق الكرام
إنّ خلق التسامح يعني أن يكون المرءُ ذا قدرة عالية على العفو والغفران والتّغاضي عن أخطاء الآخرين والتجاوز عنها قدر الإمكان، ويعدّ التسامح خلق الكرام الطيبين الذين يمتلكون قيمًا إنسانيّة وحياتية راقية وذات مستوى رفيع، فالإنسان المُتسامح ينسى الأحداث الماضية التي سبّبت له الأذى يومًا، كما يتجاوز عن تلك المواقف التي آلمته، إذ يكون تفكيره إيجابيًا تجاه الآخرين، فلا يُصدر أحكامًا متهوّرة عنهم، أو يتّخذ قرارات مُجحفة تجاههم، أو يُفكّر بالانتقام من أولئك الذين أخطأوا في حقّه يومًا.
العرض: التسامح نبذ للكراهية والعنف
يتّخذ التسامح العديد من الأشكال في حياتنا ولكنه بمضمونه العام يكون نبذًا للكراهية والعنف والحقد، كما أنّ للتسامح أساسًا مهمًّا وهو اليقين أنّ البشر جميعهم خّطاؤون بطبيعتهم، وينبغي على الإنسان العاقل التماس العذر للآخرين والتّعامل معهم بعطف ورحمة، فعندما يكون المرء متسامحًا وعطوفًا تجاه الآخرين يكون قد اختصر الكثير من المشكلات الاجتماعية التي قد تنتج عن العنف والكراهية، ومن المعلوم أنّ هاتين الصفتين تُؤدّيان للعديد من المشكلات المقيتة التي قد تُدمّر المجتمع، كما ينتج عن العنف تحديدًا آفات مجمعية خطيرة وانتشار للجريمة.
جاء الإسلام ليُنظّم علاقات الناس ببعضهم بعضًا، ويرسخ شعورهم بالتآخي والمحبة فيما بينهم، وقد دعا أيضًا إلى الصفح والعفو عند المقدرة، وأن المُتسامِح مع الآخرين يكون ذا خلق رفيع وشأنٍ عظيم مترفعًا عن الدنايا، وقد ضرب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أعظم الأمثلة في التسامح مع الآخرين خاصة مع غير المسلمين، فالعفو عن الآخرين وعدم رد الإساءة لمن أساء إليك من الصفات الجميلة، ولكن في الوقت ذاته يُتيح الإسلام رد الإساءة ومعاقبة المسيء بمثل ما تسبّب لنا من أذى، ولكن التسامح هو المثل الأعلى للإسلام، وقد أمر الله عز وجل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يكون ليّن الجانب متواضعًا مع المسلمين ويحسن معاملتهم.
ما أشد احتياجنا في عصرنا هذا إلى خلق التسامح ذلك الخلق العظيم والصعب في الوقت ذاته؛ إذ يكون أحيانًا من الصعب على الإنسان أن يكون متسامحًا في كثير من المواقف والأحداث، ولا يتحلى بهذا الخلق العظيم إلا الكرماء من الناس والطيّبون الذين ليس لديهم ضغائن أو أحقاد، كما يتّصف المتسامحون بأنّ قلوبهم سليمة لا يعانون من حالات نفسية، إضافة إلى أنّ لديهم القدرة على مواجهة الحياة بقلب نقيٍ صافٍ؛ إذ يستطيعون درء الأفكار والمشاعر السلبية سريعًا، وللإنسان المتسامح مكانة رفيعة في قلوب الآخرين فهم دائمو التقرب منه، يرتاحون بجواره ويشعرون بالطمأنينة تجاهه، فهو قدوتهم التي يقتدون بها وما أجملها من قدوة تستطيع منح الآخرين العديد من الفرص ليراجعوا أنفسهم ويفكروا في أخطائهم!.
إنّ العنف والتعصب والتطرف من الظواهر القديمة التي ارتبطت بالعديد من المعتقدات مثل التمييز العنصري والطائفي والديني والجنسي، وينبثق التعصب عن شعور داخلي يجعل الإنسان يعتقد أنه على حق وصواب، وأن الآخرين مُخطئون جميعًا، ويظهر سلوك التعصب على الفرد من خلال تصرفاته وممارساته ومواقفه المتزمتة حيث يحتقر الآخرين ولا يعترف بحقوقهم، وقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن جميع الناس مُتساوون في كرامتهم وحقوقهم فهم يولدون أحرارًا، وينبغي عليهم معاملة بعضهم بعضًا بروح الإخاء، خاصة أنّ الله وهبهم العقل جميعًا، فلا تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي، كما أنه لا تفريق بين الرجال والنساء.
من المعلوم أنّ التّعصب يتخذ أشكالًا متعددة مرتبطة ببعضها بعضًا منها: التعصب الديني الذي لا ينبغي أن يكون من طباع المسلم الحقيقي المتسامح، كما أنّ الإسلام ينبذ العصبية كما تنبذها الأديان السماوية كافة، فهي طبائع شاذة، وللأشخاص المتعصبين صفات سيئة مثل: التسلط والجمود الفكري، واستخدام العنف في تحقيق غاياتهم، واعتدادهم بأنفسهم وعدم تقبل الحوار مع الآخرين، ونرى هنا أنّ للتسامح دورًا مهمًّا في نبذ العصبية والعنف اللذين يُنتجان العديد من المشكلات المجتمعية، ومن ثم انتشار وتفشي حالات العنف والتي قد تقود إلى حصول جرائم بشعة ويصبح المجتمع مهترئًا خاليًا من معاني الرحمة والمودة، وتشوبه السوداوية والحقد والغل والكراهية.
يأتي التسامح بالعديد من الآثار الإيجابية التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير والصلاح، ومن آثاره أنه ينبذ العنف والكراهية بين الناس، وسلامة النفس وسعة الصدر، كما أنه يسهم في نشر المحبة والإخاء ويُحقّق سبل التعاون فيما بين الناس، ويسهم في تقوية الشخصية وزيادة تقدير المرء لنفسه، ويقلل من الأمراض الخطيرة والمزمنة التي تتسبب بها السلوكيات الشاذة مثل الكره والغل والحقد، إذ إنّ لهذه المشاعر آثارًا سلبية شديدة على صحة القلب وضغط الدم، ويمحي التسامح الكراهية ويزيد الحب والوئام، ويزرع الثقة في نفوس المتسامحين، فيشعرون أنّهم أعلى مكانة من كل الضغائن والأحقاد ومن العنف والكراهية، كما يتمتع المتسامح بالعزة والشموخ والرقي الذي يبعده عن أسباب العنف والكراهية.
للتسامح آثار إيجابية تعود على أفراد المجتمع ككلّ، فهو يجعل من هؤلاء الأفراد يدًا واحدة، وجسدًا واحدًا، وفي حال انقطعت تلك اليد أو ذوى ذلك الجسد وجدت أنّ أفراد المجتمع أصبحوا ضحايا لكل آفات الحقد والكراهية والعنف التي تفتك بأي مجتمع مهما كانت درجة تعليمه ومستواه الاقتصادي والفكري؛ لذا ينبغي التسلح بخلق التسامح والابتعاد عن كل ما يتسبب بالأذية للمجتمعات كافة، فهو أساس قيام الحضارات وهو أفضل طريق يوصل إلى الإنسانية والسلام، ويفتح أبواب التقدم والنجاح.
إنّ لخلق التسامح مزايا أخرى متعددة تُسهم في في بناء المجتمعات ورقيها ومن أهمها استقامة نظام المجتمع، حيث لا يكون هناك حرية في رد الإساءة وانتقام المرء لنفسه، ونشر المحبة بين الناس أجمعين، انتشار وشيوع المودة بينهم، وإصلاح العلاقات الاجتماعية بين الناس في أي مجتمع، إلى جانب نقاء المجتمع ورقيه وسيادة أخلاق الود والمحبة ونبذ الكراهية والعنف والإرهاب، كما أن التسامح الذي قد يحصل فيما بين المسلمين وغيرهم من غير المسلمين ويقوي العلاقات بينهم، ويؤدي إلى تقوية العلاقات فيما بين الدول وتبادل العلاقات معها من كافة النواحي، وزيادة الأنشطة فيما بينهم كالأنشطة التجارية والسياحية، مما ينفع الدول ماديًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا.
قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، تعرض هذه الآية الكريمة ثواب التّسامح كما اشتملت على أعظم القيم والمبادئ الإسلامية كالإنفاق والتقوى في السراء والضراء والرخاء والشدة، وقد ذكرت العفو عن الناس بكظم الغيظ، كما وضّحت جزاء المتسامح أنّ له مغفرة من الله تعالى لذنوبه كافة، وجنة عرضها السماوات والأرض، لأن عدم التسامح يقود إلى انتشار الأحقاد والمشكلات الاجتماعية المتعددة، كانتشار العنف والكراهية والجرائم البشعة.
وفي زماننا هذا نحتاج إلى نشر خلق التسامح إلى حد بعيد؛ وذلك لأنّ طباع الناس قد تغيرت بدرجة كبيرة وأصبح هناك تأثيرًا خارجيًّا على سلوكيات الناس، إذ ينتقل ذلك التأثير عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال الألعاب الإلكترونية السيئة التي اجتاحت البيوت وباتت سمًا زعافًا في أيدي الكثير من الناس وخاصة صغار السن والشباب اليافعين وحتى الكبار، إذ تُعلّمهم على العنف والقتل واستعمال الأسلحة، مما ينطبع في أذهانهم ويدفعهم نحو تطبيق تلك السلوكيات على أرض الواقع، إذ يصبح هؤلاء الأشخاص غير قادرين على التسامح، إنما على استعداد لرد الأذية في أي وقت وبسرعة ودونما تفكير.
قد سمعنا مؤخرًا عن العديد من الجرائم وحوادث العنف المؤسفة، خاصة وأن خلق التسامح لم يعد سائدًا في يومنا هذا كما كان من قبل، وأهم سبب لذلك هو أن العديد من الآباء لا يعرفون قيمة التسامح ولا يتعاملون به كما يجب، بل أصبح اليوم دلالة على ضعف الشخصية، وضعف الإمكانيات وأصبح الإنسان المتسامح يُعاير بتسامحه مِن قِبَل الآخرين، وأصبح عيبًا عليه عدم رد الأذية، ولكن ذلك غير صحيح ولا يمت للإسلام بصلة، وقد بعث النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ليتمم مكارم الأخلاق، وقد كان خير مثالٍ للتسامح -عليه أفضل الصلاة والسلام-، فما أجملها من قدوة وما أحسنها من سيرة!.
الخاتمة: مواقف وعبر عن التسامح
كثيرة هي المواقف والعبر التي مرّت في سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وفي سيرة صحابته الكرام، التي ينبغي على المربين والآباء تتبعها ودراستها بعقلٍ واعٍ وتعليمها للأجيال الحديثة، ويمكن ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي نفسها التي كانت سببًا في زيادة حالات العنف، كما ينبغي عقد حلقات تعليمية خاصة بتوضيح قيمة التسامح والعمل على نشره بين الأمم، وهي ليست من الأمور الصعبة ولكنها تحتاج إلى الجِد والمثابرة والعمل الدؤوب من أجل السير بالأمة نحو المعالي ونبذ العنف.