آثار الحروب على الإنسان
الآثار الصحية للحروب على الإنسان
تطال الحروب الإنسان فتتسبب له بالعديد من الآثار الصحيّة، وفيما يأتي بعض منها:
- تُسبب الحروب إصابات جسدية بين الأفراد مدنيين كانوا أم عسكريين، والتي تكون نتيجتها إما إعاقة أو وفاة.
- تؤثر الحروب على الصحة النفسية للإنسان، بما ينتج عنها من اضطرابات نفسية وعقلية قد تمتد لفترات زمنية طويلة، والتي قد ينتقل أثرها من جيل إلى آخر.
- ينتج عن الحروب تدمير للبنية التحتية التي تدعم الصحة العامة للمجتمع مثل: قطاعات الأنظمة الغذائية، والرعاية الطبية، والنظافة، والنقل، والاتصالات، والطاقة الكهربائية.
الآثار النفسية للحروب على الإنسان
الآثار النفسية على الجنود وعائلاتهم
للحروب آثار نفسية عديدة على الجنود وعائلاتهم، ويظهر الجزء الأكبر من هذه الآثار بعد عودة الجنود إلى منازلهم وعائلاتهم، وفيما يأتي بعض النقاط التي توضح هذه الآثار على الجندي وأفراد عائلته:
- الأثر النفسي على الجندي نفسه: يشعر معظم الجنود أثناء ابتعادهم عن أوطانهم بالوحدة الشديدة والرغبة المُلحّة في العُزلة نتيجة لعوامل عديدة، إلّا أنّ مثل هذه الأعراض يمكن تقليصها بتواصل ذويهم معهم ومسنادتهم لهم عبر وسائل التواصل المتاحة حينها، فيما قد يواجه الجنود مرحلة جديدة من الأزمات النفسية التي قد تظهر على شكل اكتئاب، واضطرابات، وقلق، بالإضافة إلى معاناتهم من إصابات أُخرى في مناطق مختلفة من الجسم نتيجة لهذه الحروب.
- الأثر النفسي على علاقة الجندي بشريكه: سيواجه الشريك مسؤوليات كبيرة أثناء غياب شريكه عن المنزل تتمثل في أمور رعاية الأطفال، والاهتمام بشؤون المنزل، والإدارة المالية لدخل الأسرة، حيث تنعكس هذه المسؤوليات على شكل قلق وضغط نفسي كبير على الطرفين، أمّا بعد عودة الجندي ستنعكس حالاته النفسية على العلاقة مع شريكه، حيث سيترتب على الاضطراب الذي يُعاني منه كلا الطرفين مشاكل زوجية قد تتطور إلى عنف أُسري.
- الأثر النفسي على الأطفال: تبدأ الآثار النفسية بالظهور على أطفال المجنّد أثناء غيابه، فيما تختلف ردود أفعال الأطفال حسب الفئة العمرية لكل منهم، فقد تظهر آثار غياب أحد الوالدين على شكل اضطراب وقلق، أو نوبات غضب، أو تغيرات عديدة في الحالة المزاجية، أو اختلاف في عادات الأكل، أو في حدوث حالة من عدم المبالاة لدى الطفل.
الآثار النفسية على المدنيين
نالت الحالة النفسية للمدنيين اهتماماً واسعاً من قِبل العديد من المؤسسات الدولية، حيثُ قدّر البنك الدولي وجود أكثر من مليار شخص حول العالم ممن عاشوا في مناطق متأثرة بالنزاعات المسلحة والحروب، ومن جانب آخر قدّرت المفوضية العُليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أنّ هُناك ما يُقارب 60 مليون مدني قد نزحوا ورُحّلوا قسراً من ديارهم إلى مناطق أُخرى بسبب الحرب التي جعلت حياتهم مُعرضة للخطر وذلك اعتباراً من عام 2015م، ويُعتبر هذا الرقم أكبر عدد لاجئين سُجّل منذ الحرب العالمية الثانية، وأثارت هذه الأرقام الضخمة اهتماماً واسعاً، وذلك لوضع سياسات للتعامل مع الاضطرابات النفسية التي قد تظهر على المدنيين نتيجة للحرب، حيثُ أثبتت العديد من الدراسات والأبحاث أنّ الأشخاص المدنيين الذين عاشوا الحرب، أو نزحوا من بلادهم هم أكثر عُرضة للإصابة بحالات الاكتئاب والصدمات النفسية، والضيق النفسي الشديد من غيرهم من الأشخاص الذين لم ينزحوا من بلادهم، أو يعيشوا ظروف الحروب القاسية.
الآثار النفسية على الأطفال
تختلف الآثار النفسية الناتجة عن الحروب على الأطفال تبعاً للمرحلة التي يمر بها الطفل، مما يوجب التعامل مع الأطفال بطريقة خاصة ومختلفة عن غيرهم، وذلك لأنهم ما زالوا يمرون بمرحلة نضوج فكري، وجسدي، وعاطفي، واجتماعي، وينجم عن تعرض الطفل لضغوطات الحروب آثار عديدة وبعيدة المدى، فالحروب تؤثر على تطوير شخصيته وبنائها، وعلى المعايير الداخلية للصواب والخطأ لديه، كما تؤثر على ضبط ردود أفعاله العدوانية، بالإضافة إلى ما تخلّفه له من مشاكل صحية تؤثر على الأعصاب، وكما ذكر الكثير من المختصين عدم إدراك الطفل -في أغلب الحالات- لماهية الوضع الذي يعيشه أثناء الحروب، ومن ناحية أُخرى قد تنعدم قدرة الطفل على التعبير عن آلامه وأحزانه التي مرّ بها أثناء ذلك، وتتحول صراعاته الداخلية ومشاعره إلى كلمات تدفعه لاستخدام أساليب أُخرى في التعبير عنها قد تظهر على شكل سلوكيات عدوانية فيما بعد.
الآثار الاقتصادية للحروب على الإنسان
تؤدي الحروب إلى خسائر وتكاليف اقتصادية كبيرة جداً تبدأ من فقدان البلاد للبنية التحتية ، وعدد كبير من المباني، وخلق حالة من عدم اليقين لدى المواطنين، وارتفاع الدين العام على الدولة، بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي تتسبب بها، وفيما يأتي توضيح لبعض الآثار المترتبة على الحروب:
- التضخم: يُمكن أن تؤدي الحروب في كثير من الظروف إلى حدوث تضخّم اقتصادي، وهو الأمر الذي سيجعل النظام المالي يفقد ثقة المواطنين، ففي الحرب الأهلية الأمريكية مثلاً، واجهت الكونفدرالية تكاليف الحرب الباهظة التي فاقت قدراتها في ذلك الوقت بطباعة النقود بهدف دفع رواتب الجنود المستحقة عليها، مما نتج عنه هبوط حاد في قيمتها، وهو الأمر الذي جعل قيمة الأموال المدّخرة لدى المواطنين من الطبقة الوسطى تحديداً لا تساوي شيئاً، ويُعدّ التضخم المفرط بهذه الصورة إحدى علامات انتهاء الحرب، ففي عام 1946م شهدت المجر والنمسا أعلى معدلات للتضخم في نظامها الاقتصادي.
- ارتفاع مديونية الدولة: غالباً ما تشهد الدول خلال الحروب ارتفاعاً سريعاً للدين العام في القطاع الحكومي؛ وذلك لأنّ الدولة تكون على استعداد للاقتراض بصورة تفوق المعتاد من أجل دعم نظامها وتعزيزه أثناء الحرب، فعلى سبيل المثال: واجهت المملكة المتحدة ارتفاعاً حاداً في الدين الوطني خلال الحربين الأولى والثانية، حيث وصل الدين الوطني للمملكة المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى 150%، وزاد في فترة الخمسينات حتى بلغ 240%، وكان السبب في ذلك الاستفادة من هذه النفقات في إعادة الإعمار وخلق دولة على مستوى معيّن من الرفاهية، حيثُ اعتمدت المملكة المتحدة على قروض من الولايات المُتحدة الأمريكية للتعامل مع هذه الأزمات، فيما استغرق منها سداد هذه القروض عدّة عقود.
- الحروب الأهلية: تُعدّ الحروب الأهلية واحدة من أكثر الأمور التي تشكل خطراً على أي دولة، فهذا النوع من الحروب يُعدّ عاملاً أساسياً في تدمير الاقتصاد، لما تشهده البلدان خلالها من تراجع في الاستثمار على الصعيدين المحلي والأجنبي، وما تواجهه من تضعضع في قطاع السياحة الداخلية، فكما وَرد في تقرير " مليارات أفريقيا المهدورة" فإنّ حجم المُساعدات الدولية المقدمة لأفريقيا يُساوي تكلفة الحرب نفسها، وللحروب الأهلية آثار عديدة، حيثُ اختبرت جمهورية الكونغو الديمقراطية حرباً أهلية في منتهى الصعوبة كان قد نتج عنها مقتل ما يقارب 4 ملايين إنسان، بالإضافة إلى خسائر مالية بلغت 9 مليارات جنيه استرليني.
- حجم التكاليف: ينتج عن الحروب حجم كبير من التكاليف المالية، وتختلف هذه التكلفة تبعاً لمدة الحرب ونوعها، ومجرياتها وما آلت إليه من نتائج، كما تختلف النفقات أيضاً تبعاً للأضرار الناجمة، حيث تؤخذ الأموال التي تُصرف في إصلاح الدمار الناجم عن الحرب في عين الاعتبار، بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي لا يمكن تعويضها.
آثار الحروب على المدى البعيد
للحرب آثار عديدة تظهر على المدى القريب، إلا أنّ تأثيرها على المدى البعيد كارثي أيضاً، فالحرب لها تأثير كبير على صحة الأفراد في المجتمعات ورفاهيتهم، حيثُ أظهرت العديد من الدراسات أن الحروب تسببت في وقوع عدد من الوفيات والإعاقات يفوق أي عدد قد سببه أي مرض خطير آخر، وتكمن خطورة الحروب بأنها تدمّر الأسر التي تعد أساس المجتمعات، وهو الأمر الذي ينتج عنه خلل في النسيج الاجتماعي للدولة، بالإضافة إلى ما سلف ذكره من آثار مادية ونفسية تخلّفها على الأفراد، ينتج عن الحروب انخفاض كبير في رأس المال المادي والبشري، فبالإضافة إلى ما تتسبب به هذه الحروب من إزهاق مباشر لأرواح الأفراد هُناك دراسات -وإن كانت غير قاطعة- تشير إلى ارتباط الحروب بظواهر خطيرة أخرى مثل انتشار الفقر، وسوء التغذية، والإعاقات المختلفة، والأمراض النفسية والاجتماعية، وعدد كبير من المشكلات التي لا حصر لها.
الحروب
يُشير لفظ الحروب إلى تلك الصراعات الناشئة بين جماعات سياسية مختلفة، والتي يُمارس خلالها أعمال عدائية غير مشروعة ينتج عنها أضرار كبيرة، وتُعرّف الحرب وفقاً لعلماء الاجتماع بأنها صراعات تقوم بين كيانات مختلفة مستقلة، ومعترف بها دولياً، فليست كل النزاعات تُسمى حروباً، إذ إنّ الاختلاف في طبيعة الأطراف المتنزاعة ينتج عنه اختلاف في مسميات هذه النزاعات، فيُطلق على النزاعات المُسلحة التي تنشأ بين الدول القوية والشعوب الضعيفة غير القادرة على الدفاع عن نفسها مثلاً اسم الحملات العسكرية أو الاحتلال، فيما يُطلق على نفس النوع من النزاع اسم (حرب) إذا استمرت المقاومة خلالها لفترة طويلة من الزمن.
أثارت الصراعات المتعددة على مر العصور اهتمام الخبراء وصنّاع القرار في العالم؛ مما دفعهم لسنِّ البرامج والقوانين والتشريعات التي تحفظ حقوق الإنسان أثناء نشوبها، فوضعوا العديد من القوانين التي تحفظ هذه الحقوق، فكان منها قانون حقوق الإنسان، وقانون اللاجئين، والقانون الأساسي، وهي القوانين التي تحظر أعمال العنف والتمييز والتعذيب، وتوضح طريقة سير النزاعات، وكيفية التعامل مع الأسرى، وحماية شعارات الصليب الأحمر، وغيرها من الأمور التي تتعلق بسير الحروب، إلّا أنّ ذلك لم يمنع انتهاك الحروب لحقوق الإنسان، وتسببها بالعديد من الآثار السلبية قريبة وبعيدة الأمد.