أول من تمنى الموت
يوسف عليه السلام أوّل من تمنّى الموت
يُعدُّ نبي الله يوسف -عليه السلام- أول من تمنى الموت، فقد جاء عن قتادة: أنّه لم يتمنَّ الموت أحدٌ قبله، وقيل: أنّه لم يتمنَّ الموت، وإنما كان المقصود أن يموت على الإسلام، وهذا هو القول المُعتبر عند أهل التفسير، وكان السببُ في تمنيه الموت؛ أنه عند اكتمال نِعم الله -تعالى- عليه؛ بِلمّ شمله، واجتماع المُلكِ له، وقُرّةِ عينه في أهله واجتماعهم له، واستشعاره بِقُرب الموت منه، وفي الغالب فإن اكتمال النِعم يُنذرُ بِقُرب الأجل، وكان ذلك في قولهِ -تعالى-: (رَبِّ قَد آتَيتَني مِنَ المُلكِ وَعَلَّمتَني مِن تَأويلِ الأَحاديثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالأَرضِ أَنتَ وَلِيّي فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ تَوَفَّني مُسلِمًا وَأَلحِقني بِالصّالِحينَ)، وقد ذكر الإمامُ القُرطبيّ أنّ تمني الموت من الأُمور المكروهة، ويُوَجَّه تمنّي يوسف -عليه السلام- ذلك الأمر؛ أنّه كان جائزٌ في شريعته، كما يُوَجّه ذلك بقول الجُمهور: أنّه لم يتمنّ الموت، وإنّما تمنى الموت على الإسلام.
تمني السيدة مريم الموت
تُعدُ السيدة مريم ممن تمنى الموت، لِقولهِ -تعالى-: (فَأَجاءَهَا المَخاضُ إِلى جِذعِ النَّخلَةِ قالَت يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هـذا وَكُنتُ نَسيًا مَنسِيًّا)،ووجّه الإمامُ القُرطبيّ ذلك من وجهين:
- الأول: الخوف من مظنّة الشّر والسوء بها في دينها، وتعييرها بذلك؛ ممّا قد يؤدّي بها إلى الفتنة.
- الثاني: الخوف من وُقوع قومها في عرضها ورميها بالزنا.
حكم تمني الموت
حكم تمني الموت حال الفتن
يجوز للإنسان أن يتمنى الموت ؛ في حال الخوف على دينه ونفسه من الفِتنة، وورد في ذلك العديد من الأحاديث النبوية، كقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بقَبْرِ الرَّجُلِ فيَقولُ: يا لَيْتَنِي مَكانَهُ)؛ وذلك بسبب كثرة الفِتن والمِحن الذي تذهب بدينه وماله وأهله، ونُقل عن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كان يقولُ في دُعائه : اللّهم، قد ضعفت قوتي، وكبرت سنين، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مُقصِّر، وذلك من باب الخوف على نفسه من التقصير والفِتنة، فكان ذلك من باب التّديُن، وكان النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يقول في دُعائه -عليه الصلاةُ والسلام-: (لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي)، وجاء في الشرائع السابقة ما يؤكّد ذلك؛ كتمنّي يوسف -عليه السلام- والسيدة مريم الموت في حال الفتن، فيجوز للإنسان تمنّى الموت إن كان من باب التّديُن، والقُرب من الله -تعالى-، وحُباً في لِقائه.
حكم تمني الموت يأساً وقنوطاً
يُنهى الإنسان عن تمني الموت؛ إن كان ذلك لأجل أمرٍ دُنيويّ، كالمرض، أو الخوف، أو الفقر؛ لأن ذلك يدُل على عدم الرضا، وفيه مُنافاةٌ للصبر الذي أمر الله -تعالى- به عباده، وفي ذلك سخطٌ على قدر الله -تعالى-، فيكون تمني الموت المنهي عنه؛ في حال القُنوط واليأس من الحياة، مع كثرة المصائب، وقلة صبرهِ عليها.