فضل العمل في شهر رمضان
العمل في رمضان
فضل العمل في رمضان
يحرص العباد على الإكثار من أعمال الخير في شهر رمضان المبارك؛ كمجالسة الصَّالحين، وتدبُّر القرآن ودراسته، والقيام، والصِّيام، وغيرها من الأعمال الصَّالحة، وذلك تأسِّياً واقتداءً بالرَّسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان أجود ما يكون خلال شهر رمضان بدليل ما أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بالخَيْرِ، وَكانَ أَجْوَدَ ما يَكونُ في شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ كانَ يَلْقَاهُ، في كُلِّ سَنَةٍ، في رَمَضَانَ حتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عليه رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ)، والعمل في رمضان يحظى بفضائل كثيرةً، وبيان بعضها فيما يأتي:
- مغفرة الذُّنوب، وسببٌ من أسباب العِتق من النَّار، فقد أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)، وقد أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- أيضاً في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن قامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
- مضاعفة الأجر والثَّواب الذي يناله العبد بسبب قيامه بالأعمال الصَّالحة والعبادات .
- نيل الفوز العظيم في الآخرة المُتمثل بجنَّات الخلد، حيث قال -تعالى-: (فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
أفضل الأعمال في رمضان
إنّ من أفضل الأعمال التي يقوم بها المسلم لله -تعالى- في رمضان ما يأتي:
- الصِّيام: وهو في رمضان فرضُ عينٍ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، حيث قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
- الصَّلاة: فعند أداء العبد عبادة الصَّلاة بخشوعٍ وخضوعٍ يستشعر خلالها عظمة الله -تعالى-، فيؤدي ذلك إلى ابتعاده عن ارتكاب المعاصي والمنكرات، حيث قال -تعالى-: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
- الاعتكاف والدّعاء وتحرّي ليلة القدر: حيث يحرص العبد على الاعتكاف في رمضان، وخصوصاً في العشر الآواخر منه تحرِّياً لليلة القدر، وقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مواظباً على الاعتكاف في شهر رمضان، وروت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ).
- ويكون الاعتكاف وإحياء ليلة القدر بالقيام والذِّكر وقراءة القرآن الكريم، وفي إحيائها خيرٌ عظيم، فهي خيرٌ من ألف شهرٍ، وتتنزَّل فيها الملائكة، قال الله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
- وأفضل ما يُقال في ليلة القدر هو ما علَّمه الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- عندما سألته: (قلتُ يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إن عَلِمْتُ أيُّ لَيلةٍ لَيلةُ القَدرِ ما أقولُ فيها قالَ قولي اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ كَريمُ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي)، ومن ظفِر بإحياء ليلة القدر غُفر له ما تقدَّم من ذنبه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
- ذكر الله -تعالى-: بحيث يشغل العبد نفسه بالذِّكر، كما ذكر ابن تيمية -رحمه الله- بعض أنواع الذِّكر؛ كأذكار الصَّباح والمساء والاستيقاظ وغيرها من الأذكار المأثورة الواردة عن الرَّسول -صلى الله عليه وسلم-، والحرص على ملازمة الذِّكر خلال اليوم من تهليلٍ وتسبيحٍ وتكبيرٍ وحوقلةٍ، وقد وردت العديد من النُّصوص الشَّرعيَّة التي تحثُّ على الذِّكر، كقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا).
- وروى أبو هريرة -رضي الله عنه-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ علَى جَبَلٍ يُقَالُ له جُمْدَانُ، فَقالَ: سِيرُوا هذا جُمْدَانُ سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ). فالذِّكر عبادةٌ يسيرةٌ وفيها الخير العظيم، وهو يُقرَِّب العبد من ربِّه وينال العبد به رضا ومحبَّة الله -تعالى-، والذِّكر سببٌ في حصول السَّكينة والطمأنينة والسُّرور في قلب العبد؛ فهو يُزيل الهمَّ والغمَّ ويُبعد وساوس الشَّيطان ويحطُّ من السيئات.
- الصدقة : وهي تطهِّر القلب وتقي النَّفس من الشُّحِّ والبُخل، فعلى المسلم أن يحرص على تفقُّد أحوال الفقراء والمساكين، وسدِّ حاجاتهم من مالٍ وطعامٍ ولباسٍ وغيره، ومحاولة المواظبة عليها خلال أيام الشَّهر المبارك، فالصَّدقة سببٌ في مغفرة الذُّنوب، بدليل قوله -تعالى-: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّـهُ سَميعٌ عَليم).
- قراءة القرآن : يعدُّ شهر رمضان شهر قراءة القرآن، كما أنَّه الشهر الذي نزل فيه القرآن على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، لذلك يحرص العبد فيه على الإكثار من تلاوة كتاب الله -تعالى- خلال أيام الشَّهر الفضيل لما فيه من الأجر والثَّواب العظيم.
- وقد ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ)، ولا يقتصر ذلك على التِّلاوة فقط، بل على التدبُّر والمذاكرة والمدارسة أيضاً، وقد كان جبريل -عليه السلام- يتدارس القرآن الكريم مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- كلّ سنةٍ في شهر رمضان المبارك.
- صلة الرحم: وهي من أعظم العبادات وأجلِّها، وهي وسيلةٌ للتقرُّب من الله -تعالى-، وهي من الأمور التي تدفع البلاء عن العبد وبأدائها تحصل البركة في حياته وعمره، وقد حثَّ الله -تعالى- العباد على صلة الرَّحم في قوله: (وَالَّذينَ آمَنوا مِن بَعدُ وَهاجَروا وَجاهَدوا مَعَكُم فَأُولـئِكَ مِنكُم وَأُولُو الأَرحامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعضٍ في كِتابِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ).
- ودلت النصوص من السنَّة النبوية على فضل صلة الرَّحم، ومن ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)، وقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبيّ أنّه قال: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ).
- العمرة: إنَّ أداء العمرة في بيت الله الحرام في رمضان تعدل حجَّة، فقد أخرج الإمام مسلم -رحمه الله- حديث النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فإنَّ عُمْرَةً فيه تَعْدِلُ حَجَّةً).
أهمية التقرُّب إلى الله في رمضان
يحرص العبد على التقرُّب إلى الله -تعالى- خلال أشهر السَّنة عامَّةً وفي شهر رمضان المبارك خاصَّةً؛ لِما له من أهميَّةٍ تنعكس على حياته في الدُّنيا والآخرة، إذ ينال العبد السَّعادة الحقيقيَّة والحياة الطيِّبة التي تتحقَّق بتقرُّبه من الله -تعالى- من خلال قيامه ومواظبته على الأعمال الصَّالحة والعبادات والإكثار منها، وقد بشَّر الله -تعالى- عباده بالفوز بسعادة الدارين في الدُّنيا والآخرة في كتابه في قوله -تعالى-: (أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّـهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ* الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ* لَهُمُ البُشرى فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبديلَ لِكَلِماتِ اللَّـهِ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ).