أول من بنى السجون في الإسلام
أول من بنى السجون في الإسلام
يُعدّ الخليفة عليّ بن أبي طالب -رضيَ الله عنه- أوّل من بنى السّجون في الإسلام، فكان عليّ بن أبي طالب -رضيَ الله عنه- قد أعدّ للسجن داراً مخصّصاً في الكوفة وسمّاه نافع؛ وهو سجنٌ بُني من القصب في مدينة الكوفة في العراق، إلّا أنّه لم يكن حصيناً فنقبه اللّصوص وفتحوه وهربوا منه، فهدمه وبنى سجناً آخر أوثق منه من المَدَر والحجر، وسمّاه مُخيِّساً، والمُخَيّس هو من التخسيس، وسمّي السّجن بذلك لأنّه يُخيّسهم ويذلّهم، وكان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول شعراً في ذلك: "أَما تَراني كَيِّساً مُكَيّسا، بَنَيْتُ بَعْدَ نافِعٍ مُخَيَّسا، بَابًا كَبِيرًا وأَمِيناً كَيِّسا".
ولم يرد في الرّوايات أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- استعمل السّجون في عصره، وكذلك في عهد الخليفة أبي بكر -رضيَ الله عنه-، وأمّا في عهد عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- فقد كان يُعاقِب المُخطئ بحبسه في المسجد أو في خيمة، ورُويَ أنّ الحبس في زمنه كان السّجن بوضع المحبوس ببئرٍ مظلمة، كما فعل مع الحطيئة حين قال فيه هجاءً قبيحاً فحبسه في بئر، وفي عهده -رضي الله عنه- اشترى له عامِلُه في مكّة المكرّمة داراً من الصّحابي صفوان بن أميّة -رضيَ الله عنه-؛ ليتّخذها سجناً، وكان عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- يُفضّل سجن القتلة واللّصوص على نفيهم، ليتأكّد من توبتهم، وليأمن شرّهم في المكان الذي يُنفون له، وأمّا في عهد عثمان بن عفّان -رضيَ الله عنه- فقد ورد أنّه استعمل السّجن وحبس أحد لصوص بني تميم حتّى مات.
مكان السجن قبل بناء السجون في الإسلام
لم يكن هناك لزوماً من السّجن في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وفي عهد أبي بكر الصّديق -رضيَ الله عنه-، إلّا أنّه رُوي أنّ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- سجن رجلاً في المدينة المنورة بسبب القتل دون أن يتّخذ سجناً مخصّصاً لذلك، ثمّ اتّسعت رقعة الدّولة الإسلاميّة وتزايدت أعداد الرّعيّة، فاشترى عمر بن الخطّاب -رضيَ الله عنه- داراً في مكّة المكرّمة؛ ليتّخذها مكاناً لوضع المذنبين فيه، ومن ذلك حَبْسه للحطيئة كما تقدّم، فقد جُعل السّجن لمعاقبة كلّ من يرتكب الجرائم، وهو من أشدّ العقوبات وأغلظها، فقرنه الله -تعالى- بالعذاب الأليم في قوله -تعالى-: (إلّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
الهدف من بناء السجون في الإسلام
شرع الإسلام بناء السّجون لأهدافٍ وغاياتٍ نبيلة، ولتحقيق مصالح عديدة، ونذكر بعضها فيما:
- يُصلح حال الجاني بعد سجنه ويتأدّب به؛ فيتّعظّ بالسّجن ويعود بعده فرداً صالحاً.
- يكون في حماية وليّ الأمر من الاعتداء عليه ممن أخطأ بحقّهم، إلى أن يصدر به حُكماً عادلاً.
- تتحقّق به مصلحة المجتمع؛ بحفظ الأنفس الأموال والأعراض من المجرمين، فعند حبسهم يُحفظ المسلمين من الوقوع في شرورهم؛ لأنّهم إن تُركوا دون عقاب زادوا في ارتكاب الأخطاء وإضرار المسلمين.
- يُعدّ السجن أحد وسائل الدّعوة إلى الله -تعالى-، وذلك بوعظ هؤلاء السّجناء وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ومثال ذلك أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- سجن ثمالة بن آثال وقد كان مشركاً، فلمّا رأى الإسلام وسماحة المسلمين عن قربٍ اعتنق الإسلام.