أهمية وثيقة المدينة
أهميّة الوثيقة المدينة
كانت وثيقة المدينة التي وضعها الرسول -صلى الله عليه وسلّم- بمثابة الأساس الذي يمثّل دستور الدولة الإسلامية الجديدة، فقد نظّم خلالها العلاقة بين المسلمين أنفسهم وبين المسلمين وغيرهم من اليهود المقيمين في المدينة المنوّرة آنذاك، ووضّح التزامات كل طرف من الأطراف المقيمة في المدينة عبر ترسيخ مبدأ الحقوق والواجبات.
وجاءت بنود الوثيقة مبيّنة ما كانت عليه الدولة الإسلامية في تلك المرحلة الجديدة من التأسيس من الحرية والديمقراطية القائمة على المشاركة والتعايش بين شرائح المجتمع مع المحافظة على ضرورة احترام الآخر وقبوله، فضلًا عن قيام الوثيقة على مبادئ من العدل وردّ الظلم عن المظلوم وحفظ الحقوق للمسلمين وغيرهم.
وكان هذا العهد الذي أُبرم من قبل أشرف الخلق والمرسلين -صلى الله عليه وسلّم-، الوثيقة الأولى التي يتمّ توقيعها مع غير المسلمين للتشييد ما يسمى برباط المواطنة الذي يحفظ الدولة والمجتمع، وقد اعتمد الكثير من الدارسين والبحاثين على هذه المعاهدة في دراسة الهدي النبوي في صنع الدستور الدولي وتنظيم الدولة الإسلامية.
أبرز بنود وثيقة المدينة
جاءت وثيقة المدينة التي وضعها الرسول -صلى الله عليه وسلّم- بمجموعة من البنود التي تنظّم الدولة الإسلامية، وفيما يأتي أبرزها كما وردت نصًا:
- المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أمة واحدة من دون الناس.
- هؤلاء المسلمون جميعاً على اختلاف قبائلهم يتعاقلون بينهم، ويفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
- المؤمنون لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه في فداءً أو عقل.
- المؤمنون المتقون، على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.
- لا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن.
- إن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
- ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، والمؤمنون بعضهم موالي بعض دون الناس.
- لا يحل لمؤمن أقرّ بما في الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو أن يؤويه، وإنَّ من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة لا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
- اليهود ينفقون مع اليهود ما داموا محاربين.
- يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ -أي يهلك- إلا نفسه وأهل بيته.
- على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
- كل ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله -عز وجل- وإلى محمد رسول الله.
- من خرج من المدينة آمن ومن قعد آمن، إلا من ظلم وأثم.
- إنَّ الله على أصدق ما في الصحيفة وأبره، وإن الله جار لمن برّ واتقى.
وقفة مع وثيقة المدينة
يُستوحى من المعاهدة التي أرسى رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- قواعدها في المدينة المنوّرة مجموعة من الأمور، بيانها ما يأتي:
- النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- هو الرئيس الأول للدولة الإسلامية الجديدة
وبناءً على ذلك؛ لا يجوز لليهود خوض الحروب إلا بإذنٍ منه حتى لا يؤثر ذلك على سلامة المجتمع المدني، ويجب أن تقوم العلاقات على التوادّ والتناصح والتعاون في جلب الخير ودفع الشر.
- يهود المدينة خاضعون للنظام العام
وعلى ذلك؛ لا يكون لليهود أحكام خاصة، بل تنطبق عليهم أحكام الوثيقة في ما يخص النظام العام؛ من حرمة الدماء والظلم ونحوه، أما في شؤونهم الخاصة فيحتكمون فيما بينهم إلا إن طلبوا حكم الرسول -صلى الله عليه وسلّم-، وحكم بينهم فيما فيه مصلحة، مع المحافظة على حرية الاعتقاد الديني لليهود.
- التعاون بين العشائر
وذلك بأن تحمي العشيرة من بها من الضعفاء، وتناصر المظلومين، وتفكّ أسر أسراها، وتنشر الفضيلة فيما بينها، وتدفع ديات القتلى، وغير ذلك مما فيه مصلحة.
- التعاون العام
وذلك بأن تتعاون شرائح المجتمع كلّها على جلب الخير والمصلحة ودفع الأذى والضرر، كما أنّ ذلك يستوجب أن لا يناصر اليهود المشركين لأنّهم أعداء الله ورسوله -صلى الله عليه وسلّم-، فبنود الوثيقة تؤكد على ضرورة أن يكون ولاء المسلمين واليهود واحد، ليتحقق الأمن القومي.
أهم مبادئ وثيقة المدينة
تضمنت بنود معاهدة المدينة في ثناياها مجموعة من المعاني والمبادئ الواضحة، وهي كما يأتي:
- ضمان حرية الاعتقاد.
- المحافظة على حريّة التملّك واستقلال الذمم المالية.
- التناصر في الدفاع عن الوطن في حالة الحرب.
- العدل والإنصاف بين جميع شرائح المجتمع.
- التناصح والتعاون في سبيل المحافظة على الوطن.
- المرجعية القضائية والقانونية في جميع الأحوال واحدة؛ وهي شريعة الإسلام.
- كفالة حقوق غير المسلمين المقيمين في دولة الإسلام.