أهمية فلسطين الدينية
نبذةٌ عن مكانة فلسطين التاريخيّة
فلسطين مهد الحضارات وأرض الرسالات، تتميّز بتراثها العريق، حيث يعود التراث فيها إلى العصور الحجريّة القديمة والوسطى والحديثة، وفي أريحا أقدم مدينةٍ في تاريخ العالم، أوّل علاماتٍ على حياة الإقامة والاستقرار، وفي منطقة بئر السبع تمّ الكشف عن دلائل تعود إلى العصر الحجريّ النحاسيّ، يتبعه العصر البرونزيّ، كما أنّها شاهدةٌ على هجرة الكنعانيين، حتّى تسمّت بعض المدن التي سكنوها بأسمائهم، وكان أوّل اسمٍ أُطلق عليها: أرض كنعان ؛ نسبةً لهم، وتحدّث أهل فلسطين في ذلك الزمان بثلاث لغاتٍ، هي: الكنعانيّة والآراميّة والعربيّة، كما قام الكنعانيّون بإنشاء ما يزيد عن مائتي مدينةٍ، وحدث ذلك قبل مجيء اليهود بمئات السنين، وقد كان قدوم إبراهيم ولوط -عليهما السّلام- في العصر البرونزيّ الوسيط.
وقد شهدت فلسطين على ولادة إسحاق ويعقوب عليهما السّلام، وفي العصر البرونزي المتأخّر، انتهى حكم الهكسوس وخضعت فلسطين للحكم المصريّ بشكلٍ كاملٍ، وفي العصر الحديديّ كانت بداية هجرة اليهود إلى فلسطين، وتبع ذلك حدوث المجاعة التي كانت السبب في هجرة أبناء يعقوب -عليه السّلام- للتجارة وطلب الرزق، عندما كان أخوهم يوسف -عليه السّلام- عزيز مصر ؛ فاتّخذ الإسرائيليّون من مصر موطناً لهم، ولكنّ تعرّضهم للظلم والقهر من رمسيس الثاني ألجأ موسى -عليه السّلام- ومن معه إلى الهجرة بهم إلى أرض كنعان، وفي هذه الأثناء أصابهم التيه في الصحراء؛ لشدّة كفرهم واعتراضهم على أمر الله تعالى حين رفضوا دخول الأرض المقدّسة مع موسى عليه السّلام، فلم يأذن الله تعالى بدخولهم لها إلّا بعد انتصار قوم موسى ويعقوب وداود -عليهم السّلام- على جالوت، فقامت بذلك مملكة داود -عليه السّلام- في مدينة القدس، وتوالت على فلسطين بعدها الممالك والحضارات المختلفة.
أهمّية فلسطين الدينيّة
اختار الله تعالى فلسطين؛ ليكون على ثراها الطاهر ميلاد معظم الانبياء ، وشرّفها بوجود المسجد الأقصى حيث صلى جميع الأنبياء، فقد أُسري بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعرج منه إلى السماوات العلا.
وقد شهدت فلسطين حكم الإسلام واليهوديّة والنصرانيّة، وقد حكمها المسلمون بدءاً من الخلفاء الراشدين ومروراً بالحكم الأمويّ والعبّاسيّ، كما كانت تحت حكم الدولة العثمانيّة، وقد تعرّضت فلسطين إلى العديد من الهجمات من الجانب الأُوروبيّ متمثّلاً بالحروب الصليبيّة، أمّا آسيا الشرقيّة؛ فقد تمثّل هجومها على فلسطين بحروب التتار، وأمّا عن اليهود فقد تناول القرآن الكريم والسنّة النبويّة جانباً من أخلاقهم وصفاتهم بإسهابٍ كبيرٍ.
وتزداد أهمّية فلسطين الدينيّة بتعاقب العديد من الديانات على أرضها؛ كالديانة المسيحيّة، فقد أقام النصارى في فلسطين منذ القدم، مع وجود المواقع الأثريّة ذات الأهمّية العقائديّة في ديانتهم، كما شهدوا فتراتٍ غير مستقرةٍ خلال الحروب الصليبيّة، وقد تضاءل عدد النصارى في فلسطين بسبب الهجرة المفتوحة الى أوروبا.
وبذلك تكون أهمّية فلسطين منصوصاً عليها في جميع الديانات السماويّة؛ فهي أرضٌ هاجر إليها الأنبياء، وحكم منها نبيّ الله سليمان -عليه السّلام- العالم، وقد ورد وصفها في القرآن الكريم بالأرض المقدّسة؛ فهي أرض المعجزات التي احتضنت عيسى -عليه السلام- وقد ولد من غير أبٍ، كما أنّ ترابها الطاهر امتزج بدماء الصحابة الكرام.
مدينة القدس الفلسطينيّة
تتمتّع مدينة القدس بتاريخها المكتظّ بالحملات الصليبيّة التي انتهت بحصارٍ دام خمسة أسابيعٍ، وتلت هذا الحصار مذبحةٌ بشعةٌ، ارتفع فيها صوت الدمار والقتل، في حين ارتفعت أصواتٌ من الكنيسة بعبارةٍ لاتينيّةٍ تعني شكراً للربّ، كما ازدهرت هذه المدينة بالفتح العمريّ، حيث زحفت جيوش المسلمين نحوها؛ لكثرة ما تضمّ من المقدّسات الإسلاميّة؛ كالمسجد الأقصى المبارك، الذي يُعدّ أُولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والمقدسات المسيحية، مثل: كنيسة القيامة.
فأصرّ البطريرك صفرونيوس على تسليم مفاتيح هذه المدنية إلى الخليفة العادل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فجاء على راحلته؛ ليضرب للعالم أروع مثالٍ في التواضع، فتسلّم مفاتيح القدس من البطريرك مع الالتزام ببنود العهدة العمريّة، والتي تنُصّ على حفظ أموال وكنائس النصارى، وبذلك تكون مدينة القدس مدينة التسامح والسلام، تقوم الكنائس فيها بجانب المساجد.