أهمية علم الصرف
ما هي أهمية علم الصرف؟
إنّ علم الصّرف مأخوذٌ من "صَرَفَ" وهذه الكلمة في جميع معانيها في اللّغة تدلّ على التّحوّل والتغيّر والانتقال من حالٍ إلى حال، وصرف الدهر: حوادثه ونوائبه، والصّرفان: الليل والنهار، والصّرفة: منزلة من منازل القمر وسُمّي بذلك لانصراف البرد وإقبال الحر، وغير ذلك من المعاني الدّالة على التحويل والتّغيير.
الصرف اصطلاحًا: هو العلم الذي يبحث في الكلمة المفردة ، ويدرس تغييراتها وتحوّلاتها، في إطار مجموعة من العلل والأحوال الصّرفية، ولهذا العلم فوائد عديدة، وهذه الفوائد هي كالتّالي:
معرفة البنية الصرفية للكلمات
يُعرف من خلال علم الصرف ما أصاب الكلمة -سواء أكانت اسمًا أم فعلًا- من تغيير، ففي الأفعال قد يصيب الفعل تغيير في الحركات يؤدّي إلى تغييرٍ في المعنى والمبنى، وقد يصيب الأفعال تغيير بزيادة حروف فيصيبها زيادة في المبنى والمعنى أيضًا.
مثال التّغيير في حركات الفعل عندما يُقال: قَرَأَ، وقُرِئ، فإنّ كلًّا من الفعلين له مَبنى -شكل- مختلف عن الآخر، وكذلك أصبح هناك اختلافٌ في المعنى لمجرّد اختلاف الشّكل، فالأوّل يُسند إلى فاعلٍ معروف، والآخر يُسند إلى فاعل غير معروف.
مثال التّغيير بالزيادة: الفعل "نقل"، قد يزاد فيصبح: ناقل، أو انتقل، أو تناقل، ولكل بنية من هذه البنى الصّرفيّة معنى خاصّ بها، وعلم الصّرف يبحث في هذه الزيادات.
أمّا الأسماء فقد تتغيّر الأسماء المشتقّة من كل كلمة وذلك على نحو الفعل "قرأ" يُشتق منه: قارئ، ومقروء، ومَقْرأ، ولكلٍّ من هذه المشتقّات معنى خاص بها كما لكلٍّ منها شكل خاص.
معرفة تصاريف الكلمة وأصولها
فالكلمات في اللّغة العربيّة تتألّف من أصولٍ لا يمكن الاستغناء عنها وفروع قد زيدت لزيادةٍ في المعنى، فالحروف الأصليّة في أي كلمة تثبت في جميع تصاريفها، أمّا الحروف الزائدة فإنّها تأتي في بعضها فقط، وذلك على نحو: تناقل، وناقل، ومنقول، وانتقل، ومُنتقل.
جميع التّصاريف السّابقة قد ورد فيها ثلاثة أحرف وهي "نـ ـقـ ـل" وهي الأحرف الأصليّة للكلمة، وعلم الصّرف يدرس في المباحث التي تفرّق بين بنية الكلمة الأصليّة وما ألحق بها من أحرف زائدة.
معرفة الميزان الصرفي
إنّ الكلمات في اللغة العربيّة متعدّدة ومتنوّعة البناء، ولا بدّ من شيءٍ ليميّز بين أنواعها المتعدّدة، فكما يكون لكلّ شيء في الحياة ميزانٌ يُحتكم إليه في معرفة أوزان أو كميّة أو أطوال الأشياء، فللغة العربيّة أيضًا ميزانٌ يُعرف من خلاله أوزان الكلمات، وتظهر بواسطته الاختلافات في بناء الكلمات.
جعل العلماء كلمة "فعل" هي الميزان للكلمات، وذلك لأنّ معظم الكلمات في اللغة العربيّة مؤلّفة من ثلاثة أحرف، فقليلٌ ما يتألّف منها من أربعة أو خمسة حروف، والفائدة من هذا الميزان أنّه يحدّد صفات الكلمة وخصائصها، فيبيّن إذا ما كانت مجرّدة أو مزيدة.
كذلك يبيّن إذا ما كانت ناقصة أم تامّة، وذلك على نحو إذا قيل في وزن "استقبل" أنّها على وزن "استفعل" فإنّ الزيادة هي الألف والسين والتّاء، وكذلك إذا قيل في وزن "قُل" أنّه على وزن "فُل" عُرف أنّ عين الفعل محذوفة.
معظم الكلمات في اللغة العربيّة إمّا ثلاثية الأصل "كقرأ" فيكون ميزانها "فعل" أو رباعية الأصل "كدحرج" فيكون ميزانها فعل، ويزاد في الميزان ما يزاد على أحرف الفعل الأصليّة، وهناك أيضًا بعض الأوزان الخماسية الأصل مثل: "جَحْمَرش" وزنها "فعللل"، و"سَفَرْجَل" وزنها "فَعَلَّلْ".
معرفة المعاني المستفادة من حروف الزيادة
قد يُزاد على أصل الكلمة بعض الحروف التي تؤدّي زيادةً في المعنى، ولكلّ حرفٍ من هذه الحروف معانٍ خاصّة بها وبزيادتها، وهذه المعاني هي كالتالي:
- معاني الزيادة في "أفعل"
من معاني الزيادة في صيغة "أفعل":
- تفيد التعدية: عندما يتعدّى الفعل إلى مفعولٍ جديد بعد ما تدخل عليه همزة التّعدية، وذلك على نحو الفعل "نجح" فهو فعلٌ لازم، حيث يقال: نجح أحمد في صفّه، بينما عندما تدخل عليه همزة التّعدية يصبّح متعدّيًا إلى مفعول به، فيصبح: أنجحَ المعلّمُ أحمدَ.
- الصيرورة: وذلك على نحو: ألبن الرجل وأتمرَ وأفلس، أي صار ذا لبنٍ وتمرٍ وفلوسٍ.
- السّلب والإزالة: وذلك على نحو: أقذيتُ عين فلان، أي أزلتُ القذى عنها.
- مصادفة الشيء على صفة: وذلك على نحو: أكرمتُ زيدًا، أي صادفته على كرم.
- الاستحقاق: وذلك على نحو: أزوجتْ هند، أي استحقّت الزواج.
- التّعريض: وذلك على نحو: أبعتُ المتاعَ، أي عرّضته للبيع.
- أن يكون بمعنى "استفعل": وذلك على نحو: أعظمته، أي استعظمته.
- أن يكون مطاوعًا لـ"فعّل": وذلك على نحو بشّرته فأبشرَ.
- التّمكين: وذلك على نحو: أحفرته النهر، أي مكّنته من حفره.
- معاني الزيادة في "فاعل"
من معاني الزيادة في صيغة "فاعل":
- المشاركة: وذلك على نحو: قابلتُ صديقي.
- الموالاة: وهنا يكون بمعنى "أفعل" المتعدّي، وذلك على نحو: واليتُ الصّوم.
- معاني الزيادة في "فعّل"
من معاني الزيادة في صيغة "فعّل":
- التعدية: وذلك على نحو: قوّمتُ زيدًا.
- الإزالة: وذلك على نحو: قشّرتُ الفاكهة.
- التكثير: وذلك على نحو: طوّف، وغَلّقت الأبواب.
- الصيرورة: وذلك على نحو: حجّر الطين، أي صار كالحجر.
- نسبة الشيء إلى أصل الفعل: وذلك على نحو: كفَّرتُ زيدًا.
- التّوجه إلى الشيء: وذلك على نحو: شرَّقتُ أو غرَّبتُ.
- اختصار حكاية الشيء: وذلك على نحو: سبَّحَ، وهلّلَ.
- قبول الشيء: وذلك على نحو: شفَّعتُ زيدًا، أي قبلتُ شفاعته.
- معاني الزيادة في "انفعل"
يغلب عليه أن يكون لمعنًى واحد فقط، وهو المطاوعة، وذلك على نحو: انضمّ، وانطلق.
- معاني الزيادة في "افتعل"
من معاني الزيادة في صيغة "افتعل":
- الاتّخاذ: وذلك على نحو: اختتم زيد.
- التشارك: وذلك على نحو: اختصم زيد وعمر.
- الإظهار: وذلك على نحو: اعتذر.
- معاني الزيادة في "افعلَّ"
يأتي لمعنى واحد غالبًا وهو قوّة اللون أو العيب، وذلك على نحو: احمرَّ الوجه.
- معاني الزيادة في "تفعّل"
من معاني الزيادة في صيغة "تفعّل":
- الاتّخاذ: وذلك على نحو: توسّد ثوبه.
- التكلّف: وذلك على نحو: تصبّر.
- التدريج: وذلك على نحو: تجرّع الماء.
- معاني الزيادة في "تفاعل"
من معاني الزيادة في صيغة "تفاعل":
- التشريك: وذلك على نحو: تقابل الأصدقاءُ في الحديقة.
- التظاهر بالفعل: وذلك على نحو: تناومَ الرجل.
- معاني الزيادة في "استفعل"
من معاني الزيادة في صيغة "استفعل":
- الطلب: وذلك على نحو: استغفر، أي طلب المغفرة.
- الصيرورة: وذلك على نحو: استحجر الطين.
- اعتقاد صفة الشيء: وذلك على نحو: استحسنت الأمر.
وهكذا فإنّ لكلّ زيادة في الأفعال معانٍ متعدّدة، وقد ذُكر سابقًا بعض هذه المعاني.
التفريق بين الأسماء العربية والأعجمية
دخل على اللّغة العربيّة الكثيرٌ من الأسماء الأعجميّة واستخدمت كاستخدام المفردات العربيّة، لكنّ هذه الأسماء لا تُوزن؛ أي إنّها لا تعود إلى جذر ثلاثي فليس لها أصلٌ عربي قد اشتقّت منه، وكذلك لها إعراب خاصٌّ بها، وهذه الأسماء قد تكون بنيتها كبنية الأسماء العربيّة.
من ذلك قولهم: الشّاه، تقابل: الجاه، وقد تكون بنيتها لا توافق الأبنية العربية، وذلك على نحو: الياقوت، وللتّفريق بين هذه الأسماء العربيّة والأعجميّة كان لا بدّ من وضع قواعد تفرّق بينها وتحدّد أصلها.
فهم مفردات ومعاني النصوص الشرعية
إنّ النصوص الشّرعية من قرآنٍ كريم وحديث نبوي شريف تعتمد على الفهم والتّركيز على معاني المفردات في سياقها ضمن الجملة وبنيتها التي قد جاءت بها لإدراك المعنى الذي ترنو إليه.
لهذا لا بدّ من الاستعانة بعلم الصّرف وأحوال الكلمة في الزيادة والنقص ودراسة المعاني التي تؤدّيها الكلمات في مختلف تصاريفها لمعرفة المراد من النّص الشّرعي.
إذ يعتمدُ التّفسير بشكلٍّ أوّلي على فهم معاني المفردات بالاستناد إلى أمور أخرى، وقد ذكر النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم- ذلك صراحةً في حديثه الشّريف حيث يقول: "لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فإنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أنْ يُبَلِّغَ مَن هو أوْعَى له منه".
نصّ النبي في حديثه على أهميّة فهم النص، وهذا الفهم قد يتفاوت بين الناس بحسب معرفتهم للّغة.
الحد من الأخطاء اللغوية
عندما يكون علم الصّرف يبحث في أصول الكلمة وفي مبناها اللغوي وفي عللها، تكون دراسته دراسة حول تجنّب الأخطاء اللغوية التي يمكن أن ترد خلال الكتابة، وذلك على نحو مثلًا: الفعل "قال" إذا صيغ بصيغة الأمر يُصبِح "قُل" فتحذف الألف منه منعًا من التقاء السّاكنين.
أيضًا عندما يصاغ اسم الفاعل من "قال" فلا يقال أنّه "قايل" بل تبدل ياؤه همزة، فيكون "قائل" وعلم الصّرف يختصّ بهذه المباحث المتعلّقة بكتابة الكلمة كتابةً صحيحة وفقًا لقواعد وأصول معيّنة.