أهمية حفظ القرآن الكريم
أهميّة حِفظ القرآن الكريم
تعهَّدَ الله -تعالى- بحِفظ القرآن الكريم من التحريف والتبديل؛ لقَوْله -تعالى-: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ)، ويسَّرَ تلاوته وحِفظه لأمّة الإسلام، ويمكن الوقوف على أهميّة حِفظ القرآن الكريم فيما يأتي:
- اتِّباع سُنّة النبيّ عليه الصلاة والسلام: فقد ثبت أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يحفظ القرآن الكريم، ويعرضه على جبريل -عليه السلام- كلّ عامٍ، ويُراجعه مع الصحابة -رضي الله عنهم-؛ ولذلك يُعَدّ حِفظ القرآن الكريم اتِّباعاً لهَدْي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
- اجتناب عذاب النار: إذ إنّ حِفظ القرآن الكريم في الصدر سببٌ للنجاة من عذاب جهنّم ؛ لِما ورد عن عصمة بن مالك الخطميّ -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لو جُمِعَ القرآنُ في إِهابٍ ، ما أحرقه اللهُ بالنَّارِ).
- الفوز بتاج الكرامة: لا تقتصر أهميّة حِفظ القرآن الكريم على الحياة الدُّنيا فحسب، بل ينال العبد من فَضْل هذا العمل العظيم بعد وفاته، وعند لقاء ربّه -عزّ وجلّ-؛ فقد ثبت أنّ منزلة حافظ القرآن الكريم في الجنّة تكون عند آخر آيةٍ يقرؤها، ويلبس تاج الكرامة، وحُلّة الكرامة؛ لِما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يجيءُ القرآنُ يومَ القيامَةِ، فيقولُ: يا ربِّ حلِّهِ، فيُلْبَسُ تاجَ الكرامَةِ، ثُمَّ يقولُ: يا ربِّ زدْهُ، فيُلْبَسُ حُلَّةَ الكرامَةِ، ثُمَّ يقولُ: يا ربِّ ارضَ عنْهُ، فيَرْضَى عنه، فيقولُ: اقرأْ، وارْقَ، ويزادُ بكُلِّ آيةٍ حسنَةً).
- طلب العِلم: يُعَدّ حِفظ القرآن الكريم مرحلةً أساسيّةً ذات أهميّةٍ عظيمةٍ في طلب العلم الشرعيّ ؛ إذ إنّ الأدلّة والأحكام الشرعيّة تُستمَدّ من آياته؛ فكان العلماء يبدؤون حِفظ القرآن الكريم منذ مرحلة الطفولة، ويُتمّون حِفظه كاملاً قبل البلوغ، ثمّ يتدرّجون في طلب العلوم الشرعيّة، كما ذكر الإمام النوويّ -رحمه الله- في كتابه (مقدّمة المجموع شرح المُهذّب) أنّ حِفظ القرآن الكريم أهمّ العلوم، وأوّل ما يُبتدَأ به؛ فقد كان السَّلَف -رحمهم الله- لا يُعلّمون الفقه والحديث إلّا لِمَن حَفظ القرآن الكريم، ونُقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنّه قال في الفتاوى الكبرى: "وأمّا طلب حفظ القرآن فهو مقدّمٌ على كثيرٍ ممّا تسميه الناس علماً، وهو إمّا باطلٌ أو قليل النفع، وهو أيضاً مقدّمٌ في التعلّم في حقّ مَن يريد أن يتعلّم علم الدِّين من الأصول والفروع، فإنّ المشروع في حقّ مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن؛ فإنّه أصل علوم الدين".
- تمكين أمّة الإسلام: إذ لا بُدّ للأمّة الإسلامية من اتِّباع نَهج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، والصحابة -رضي الله عنهم-، وقد كان من هَدْيه -عليه الصلاة والسلام- حِفظ القرآن الكريم، وفَهْم معانيه، والعمل به؛ ولذلك يجدر بالأمّة تجديد إيمانها بإدراك أهميّة القرآن الكريم، والالتزام بما جاء فيه من الأوامر، واجتناب ما نهى عنه؛ لأنّ ما ورد فيه من التشريعات إنّما هي توجيهاتٌ إلهيّةٌ حكيمةٌ؛ لقَوْله -عزّ وجلّ-: (وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ وَلـكِن كَذَّبوا فَأَخَذناهُم بِما كانوا يَكسِبونَ).
- تنوير العقول: فحِفظ القرآن الكريم، والتمسُّك به، واتِّخاذه قائداً ودليلاً إلى الهُدى والحَقّ يُقوّي اليقين، وقد حَثّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على العمل بما جاء فيه، والسَّير على ما ورد فيه؛ إذ قال مُخاطباً المسلمين: (أَيُّهَا النَّاسُ فإنَّما أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُما كِتَابُ اللهِ فيه الهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا به فَحَثَّ علَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ).
- نيل الهُدى في الدُّنيا والفوز بالآخرة: إذ إنّ حِفظ القرآن الكريم، والتمسُّك به، والعمل بتشريعاته من أسباب الاستقرار، والبُعد عن الاضطراب في الحياة الدُّنيا؛ لقَوْل الله -تعالى-: (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، بالإضافة إلى أنّ الله -تعالى- وعدَ حافظ القرآن الكريم المُلتزِم بما جاء فيه بالهدى في الدُّنيا، وعدم الشقاء في الآخرة، كما قال -تعالى- أيضاً: (الم*ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ*أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
- ثمارٌ أخرى: ومن ثمار حِفظ القرآن الكريم في الصدور: التقرُّب إلى الله -تعالى-، ونَيْل رضاه، والفوز بالجنّة، والتسلُّح بآياته في مواجهة الشيطان ، والسيطرة على أهواء النفس، بالإضافة إلى تقويم اللسان، وتحقيق الفصاحة في اللغة العربيّة، وحِفظ القرآن الكريم من التحريف والضياع، وتسهيل تلاوة آياته في كلّ مكانٍ وزمانٍ، كقراءة القرآن أثناء العمل والكَسب؛ فلا يُعيق الانشغال بأمور الدُّنيا حافظَ القرآن الكريم عن القراءة، على العكس مِمَّن يُريد أن يقرأ من المصحف مباشرةً.
آداب حافظ القرآن
يُستحسَن بحافظ القرآن الكريم وحامله التحلّي بعددٍ من الآداب التي تليق به، وفيما يأتي بيان البعض منها:
- التقوى: إذ يجب على مَن زيَّنَ قلبه بحِفظ كلام الله -تعالى- أن يُتمِّمَ ما بلغَه من الكرامة؛ وذلك بالتحلّي بتقوى الله في السرّ والعَلن، ويقصد بتلاوته نَيْل رضا الله -تعالى-، والقُرب منه -سبحانه وتعالى-، وقد ورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّه قال: "لقد أتى علينا حينٌ وما نرى أنَّ أحداً يتعلّم القرآن يريد به إلاّ الله -عزّ وجلّ-، فلمّا كان هاهنا بأخرةٍ خشيتُ أنَّ رجالاً يتعلّمونه يريدون به النّاس وما عندهم فأريدوا اللهَ بقراءتكم وأعمالكم".
- الإخلاص: يجب على المسلم إخلاص نيّته لله -تعالى- في الأعمال والعبادات جميعها؛ لقَوْل الله -تعالى-: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ)، وذلك بإخلاص نيّتهم أثناء حِفظهم القرآن الكريم بشكلٍ أكبر من غيرهم؛ لأنّهم يُبلِّغون رسالة الله -تعالى- الخالدة، ولا ينبغي لهم انتظار الأجر أو الجزاء من الناس على حِفظهم، لا سيّما أنّ الله -تعالى- توعَّدَ الذين يحفظون القرآن الكريم رِياء الناس، وحُبّاً للسُّمعة والشُّهرة؛ لِما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ).
- عدم نسيان الحِفظ وتعاهدُه: إذ يجب على حافظ القرآن الكريم الاستمرار في تلاوة آياته، ومراجعتها بشكلٍ دوريٍّ؛ حتى لا يتفلّت الحِفظ ويضيع، لا سيّما أنّ القرآن الكريم سريع التفلُّت من الذاكرة؛ لِما ورد عن أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (تَعاهَدُوا القُرْآنَ، فَوالذي نَفْسِي بيَدِهِ لَهو أشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإبِلِ في عُقُلِها).
- الطهارة: على الرغم من أهميّة طهارة القلب والروح، إلّا أنّها لا تكفي؛ بل تنبغي على حافظ القرآن الكريم المُحافظة على الطهارة الخارجيّة أيضاً؛ إذ ينبغي أن يكون مُتطهِّراً من الجنابة، أمّا في ما يتعلّق بالمرأة، فيجب أن تكون مُتطهِّرةً من الحَيض والنفاس، ويُستحَبّ أيضاً التطهُّر من الحَدَث الأصغر بالوضوء ، وتجوز قراءة القرآن الكريم وحِفظه من غير وضوءٍ؛ لعدم ورود دليلٍ يشترط ذلك، ولضعف الأحاديث التي تشترط الوضوء قبل مَسّ المصحف، كما أنّ أهل العلم ذهبوا إلى جواز تعلُّم المرأة وحِفظها القرآن الكريم وهي حائض أو نفساء؛ للضرورة.
- التجويد: يُستحسَن بِمَن أراد تلاوة القرآن الكريم مُراعاة أحكام التجويد ، وقد عرّف أهل العلم التجويد بأنّه: إقامة الحروف، ومعرفة الوقوف، وقد ثبت أنّ تلاوة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كانت مُفسّرةً للآيات حَرفاً، فيجدر الاقتداء بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وعدم الإسراع في القراءة بصورةٍ تُغيّر صفات الحروف؛ فتصبح السين صاداً، والطاء تاءً، وللتمكُّن من أحكام التجويد، لا بُدّ من التمرُّن على يد شيخٍ مُتقِنٍ.
- التواضُع: فمِن أهمّ الأخلاق التي ينبغي لحافظ القرآن الكريم التحلّي بها: التواضُع للصالحين، ولِين الجانب للمسلمين؛ فلا يجوز له التعالي على مَن هو أقلّ منه، ولا على مَن هو صاحب حاجةٍ أو مريضٍ، وإنّما يجب خَفض الجناح لهم، وحَمد الله على نِعَمه.
- حضور القلب والخشوع عند تلاوة القرآن الكريم: ينبغي لحافظ القرآن الكريم تعظيم كلام ربّه -عزّ وجلّ-، والخشوع عند تلاوته، واجتناب حديث النفس، وله في السَّلَف الصالح خير قُدوةٍ؛ فقد كان أحدهم إذا قرأ السورة، ولم يكن قلبه حاضراً فيها، أعادها مرّةً أخرى.
- تدبُّر آيات القرآن الكريم: إذ إنّ الغاية من تلاوة آيات القرآن الكريم تكمُن في العمل بما ورد فيها، وتدبُّر معانيها، وقد ورد عن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّه قال في أهميّة التدبُّر: " لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَا فِقْهَ فِيهَا وَلَا فِي قِرَاءَةٍ لَا تَدَبُّرَ فِيهَا".
منزلة القرآن الكريم وخصائصه
مكانة القرآن
أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم على قلب نبيّه محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ ليكون رحمةً وهدايةً للناس؛ لقَوْله -تعالى-: (إِنَّ هـذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبيرًا)؛ إذ تضمّن القرآن الكريم الشريعة الإسلاميّة التي تُعدّ منهاج حياةٍ كاملٍ شاملٍ يُنظّم حياة الناس، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الله -تعالى- أقام الحجّة البالغة على الناس جميعاً بالقرآن الكريم؛ فجعله معجزةً خالدةً أيّدَ بها رسوله محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم-، وتحدّى الله -تعالى- العالَمين أن يأتوا بشيءٍ من مِثله، فوقف أهل البلاغة والفصاحة عاجزين أمام معجزة القرآن الكريم البلاغيّة؛ لقَوْله -تعالى-: (قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هـذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا)، والتي برهنت عَجزهم، فهو ليس كلام بَشر، وإنّما كلام الله -تعالى- الذي ختمَ به الكُتُب السماويّة،
خصائص القرآن
ومن أهمّ خصائص القرآن الكريم: سلاسة الأسلوب، وسهولة حِفظ ألفاظه؛ فجاء في قَوْل الله -تعالى-: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)، وقد فسّر الشيخ عبدالرحمن السعديّ الآية الكريمة بأنّ الله -تعالى- سهّلَ ويسّر ألفاظ القرآن الكريم للأداء والحِفظ، ومفرداته للفَهم والعلم، لا سيّما أنّ القرآن الكريم أصدق الكلام معنىً، وأحسنه لَفظاً، وأبيَنه تفسيراً.