أهمية الآثار
الآثار
دورةُ الحياة تقتضي أن يقومَ كلّ جيل بتعمير الأرض وَفقَ شروطه، ومتطلّباته، وإمكانيّاته، وبعدَ أن يفنى أَبناء ذلكَ الجيل تبقى ممتلكاتهم موجودة؛ حيثُ يمكن للأجيال اللّاحِقة أن تستخدمَها وتستفيد منها بشكل جيّد. الآثار هو مصطلح يُطلَق على كلّ ما تبقّى مِن ممتلكات مادّيّة للأجيال القديمة؛ فلا تكاد تخلو منطقة في العالم من الآثار ؛ إلّا أنَّ مقدار هذا التّواجد للآثار مختلف بشكل نسبيّ من منطقة إلى أخرى، فبعض المناطق تكاد تخلو من القطع الأثريّةِ إلّا من عدد بسيط جداً؛ حيثُ تُعتبَر مثل هذه المناطق مناطق فقيرةً تاريخيّاً وحضاريّاً، بعكس مناطق أخرى تُوجد فيها الآثار بشكل كبير جِدّاً، الأمر الذي يعكس مدى غنى هذه المناطق، وحجم الثّروة التّاريخيّة والحضاريّة التي تمتلكها.
ولأهمية الآثار على عدّة أصعِدة؛ برز علم جديد يُسمّى بعلم الآثار (بالإنجليزية: Archeology)، وهو علم يهتم بدراسة ماضي وتاريخ المجموعات الإنسانية السابقة، والموروث المادي للإنسان، والذي يشمل جميع أدواتِه ومسكنَه، ويمتدّ إلى الفنّ الذي استخدمه الإنسان ودراستَه، ويُعد العرب من أبرز المُساهمين في تأسيس علم الآثار، عن طريق البعثات الاستكشافية التي كانوا يقومون بها، بالإضافة إلى المتاحف التاريخية التي أنشؤوها للاحتفاظ بالآثار التاريخية، والكُتب والمؤلفات التي صَدَرَت في هذا الشأن. يُعدّ موفق الدين عبد اللطيف البغدادي أول آثاري عربي (1162م - 1231م) وصَفَ الآثار بشكل تفصيلي، ووثّقَها، وحللها.
نشأة علم الآثار
لم يبدأ علم الآثار بصورته التي نعرفُها اليوم؛ ففي بداياته كان يقتصر على دراسة الآثار الظاهرية من مبانٍ شامخة ولم تتعرض لأي عملية من الدفن، ثم تطوّر ليُصبح أكثر اعتماداً على دراسة الوثائق بأنواعها. مؤخراً، شهد علم الآثار تطوراً كبيراً، فأصبح يعتمد على على منهجية البحث والتنقيب بشكل رئيسي، واستفاد علم الآثار من العديد من العلوم الأخرى لمساعدته في منهجيته الجديدة، ومن أهم هذه العلوم: الجيولوجية والجيومورفولوجية، وعلم البيئة (إلإيكولوجية)، والأنتروبولوجية، والإتنولوجية، وعلم التقويم (الكرونولوجية)، وغيرها من العلوم.
كما عُرِفَ علم الآثار عند الغرب منذُ ما قبل الميلاد؛ حيث يُذكر أن الشاعر اليوناني هوميروس الذي عاش في القرن التاسع قبل الميلاد على أنه من أقدم الأثريين في التاريخ الغربي؛ إلى جانب أقرانه اليونانيون القدماء مثل توقيديدس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ووصف الآثار اليونانية، والرحّالة هيرودوتس، وشهدت فترة ما بعد الميلاد وصف للآثار اليونانية القديمة من قِبَل بوزانياس، وكزنوفون، واسترابون. كما قام الرومانيون بكتابة المُؤلفات عن الآثار القديمة، ومنهم فيتروفيوس الذي كتب مؤلف شهير عن فن العمارة ، وبلينوس الذي قام بتأليف كتاب التاريخ الطبيعي.
أهمية الآثار التاريخية
لا يُمكِنُ أنْ نَعُدَّ الآثارَ شيئاً ثانويّاً؛ فالعديدُ من الأشخاصِ خاصّةً في مُجتمعاتِنا العربيّةِ يَنظُرونَ إلَيها نظرةً عادِيّةً ولا يُولونَها الكثيرَ من الأهمّيّةِ مع أنَّها تحتلُّ مكانةً عظيمة، فهي أولاً وقبلَ كلّ شيء تُعتبَرُ الدّليلَ الماديَّ على وُجودِ الشّعبِ وأحقِّيَّتِهِ بأرضهِ التي يُقيمُ علَيها، ولولا الآثارُ العربيّةُ الإسلاميّةُ والمسيحيّةُ في فلسطينَ لَبدأَ العربُ والمسلمونَ أنفسَهُم يشُكّونَ في أنّ فِلسطينَ لَهُم. وتجدُر الإشارة هنا إلى وجود اختلاف بين دراسة الآثار والتاريخ، لكن لا يُمكن استغناء أحدهما عن الآخر؛ بسبب اعتماد كل من العِلْمين على الآخر.
كما يُمكن للآثار أن تُعطينا فكرةً عنِ الحِقب التّاريخيّةِ القديمةِ وشكلِها، وطبيعتِها، وعن طبيعة حياة الأجيال التي عاشت فيها يوماً ما، وللآثارِ أهمّيّة في ربط الماضي بالحاضر والمستقبل، فمعرفة الإنسان لماضيه وحاضرِه يُمكّنه من صياغة مستقبله ومستقبل الأجيال من بعدِه، ومن أبرز أوجه الآثار التاريخية هي التراث العمراني؛ الذي يُشكل حلقة وصل بين الماضي والحاضر، ويُساهم في تعريف الناس في حضارة أجدادهم وتاريخهم، ممّا يُخلِق رابطة قوية بين الوطن والمواطن، ويُسهم في تعريف جميع المواطنين بتاريخهم وحِفْظه من خلال تناقله بين الأجيال.
أهمية الآثار الاقتصادية
تكمُن أهميّة الآثار الاقتصادية في كونِها مُساهِماً رئيسياً في دعم الاقتصاد ، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن أبرز الأوجه الاقتصادية التي تُساهم الآثار فيها هي توفير فُرص عمل ودعم المجتمع من حيث تقليل نسبة البطالة ؛ حيثُ يؤدي استثمار الآثار والمواقع الأثرية المختلفة -خاصةً في المناطق والمحافظات والمدن والقرى النائية والبعيدة- إلى إيجاد أدوار وظيفية اقتصادية للشباب في تلك المناطق؛ الأمر الذي يُحقق الاستقرار السكاني ودعم العائلات المُحتاجة.
في هذا النطاق، يُعدّ القطاع السياحي القطاع الأول في إيجاد فرص العمل على مستوى العالم، وذلك وَفقاً للمجلس العالمي للسفر والسياحة، حيث تُشير الأرقام إلى أنّ الوظائف التي يُساهم القطاع السياحي في توفيرها تتراوح بين 2.1٪ - 6.5٪ من إجمالي حجم التوظيف في سوق العمل، التي تعبّرعن نسبة عالية من الوظائف التي يتطلّبها مجال الخدمات السياحية، والتي تُشكّل الآثار والتراث أحد عناصر الجذب الأساسية فيها، وبذلك؛ يُساهم استغلال الآثار بالطريقة الصحيحة في إيجاد اقتصاد قوي ومُتكامل، ودعم طاقات الشباب.
أهمية الآثار الاجتماعية
تلعب الآثار دوراً مهماً من الناحية الاجتماعية؛ حيثُ إنّ مكانتها وأهميتها الاجتماعية تكمُن في الدور الذي تلعبُه في تكوين هُوية المواطن، وتعريفه بتاريخه وحضارته وقيَم أجداده وطُرق حياتهم؛ الأمر الذي ينعكس إيجاباً على زيادة الانتماء لدى المواطنين لبلدِهم وحضارتهم، وتُسهِم في تقريبهم من تاريخ وطنهم، كما تُعزز غرس القيم الوطنية ، وتُرسّخ الاعتزاز بالوطن، مما يَنتُج عنه التلاحم القوي بين أبناء الشعب الواحد. تُساعد المحافظة على الآثارعلى المُحافظة على التاريخ؛ باعتباره مصدراً رئيسياً لحفظ تاريخ البلاد وتاريخ الشعوب التي عاشت فيها، ويعكس حضارتها الأصيلة التي قامت فيها منذُ القِدَم.
أهمية الآثار السياحية
للآثارِ دورٌ مهمٌّ وحيوي في جَذب السُّيّاح وبالتالي تَحسين اقتصاد الدُّول؛ فالسّياحة تُشكّل مصدر دخل مهمّ وحيويّ وفعّال في المجتمعات والدّول المُختلفة -خاصّةً في المناطقِ التي تحتوي على العديدِ من المَعالِمِ الأثريّةِ المهمّةِ والحيويّةِ- ذلك أنَّ النّاس بمختلَف أَنواعِهِم وأصنافِهِم يتهافتون على رُؤية العَظَمَة في البناء، والدّقّة في التّصميم، والأفكار الخلّاقَة التي كانت موجودة عندَ الأقوام والحضاراتِ المُندَثِرَة، ممّا يَعمل على تنشيط الحركة الاقتصاديّة في الدّول التي يزورونَها؛ حيثُ تتوفّر العديد من فُرَص العمل، كما تَنشَطُ الحركة التّجاريّة في المواسم السّياحيّة، بالإضافةِ إلى إقبال السّيّاح على المرافق السّياحيّة المختلفة ممّا يُؤدّي إلى ضَخّ الأموال بكثرة إلى الدّول السّياحيّة.