أهم أعمال علي بن أبي طالب
أعمال عليّ بن أبي طالب في عهد النبيّ
يُعَدّ علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة إلى عدنان أحدَ العشرة المُبشَّرين بالجنّة ، وهو رابع الخلفاء الراشدين، كان قد استخلفه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على أهل بيته في المدينة في غزوة تبوك في العام التاسع للهجرة، فلمّا بلغ ذلك المنافقين وجدوا الفرصة الكبيرة للإساءة إلى عليّ -كرّم الله وجهه-، فأخذوا يقولون إنّما تُرِك لثِقَله على النبيّ، فلمّا سمع بذلك عليٌّ ذهب ليلحق بالجيش، فيغزوا معهم، فقال له رسول الله -عليه الصلاة والسلام- حينها: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبيّ بعدي)، ويُذكَر أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان قد أرسل عليّاً بن أبي طالب إلى همدان اليمن؛ ليدعوَ القبائل هناك إلى الإسلام؛ فجمع الناس، وصلّى الفجر، ولمّا فرغ قرأ عليهم كتاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- حتى أسلمت همدان كلّها في يومٍ واحدٍ.
ويُشار إلى أنّ عليّاً بن أبي طالب من الصحابة الذين بادروا في غسل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عند وفاته، فقال: (غسلتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذهَبتُ أنظُرُ ما يكونُ منَ الميتِ فلم أرَ شيئًا، وكان طيبًا حيًّا وميتًا)،، وبعد أن انتهوا من غسله -عليه الصلاة والسلام- اهتمّ عليٌّ وثلّةٌ من الصحابة الكرام بدَفنه، وكان ممَّن شارك في إنزال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى القبر، ويُذكَر أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان قد كلّف عليّاً بعدّة أمور، منها: أنّه كان ممّن كلّفهم بكتابة ما نزل من الوحي من آيات قرآنيّة، كما كلّفه أن يكتبَ كتاب الصُّلح مع المشركين في صلح الحديبية ، فعن أبي إسحق قال: (سمعت البراء بن عازب يقول: كتب عليّ بن أبي طالب الصلح بين النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وبين المشركين يوم الحديبية، فكتب: هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله، فقالوا: لا تكتب رسول الله، فلو نعلم أنّك رسول الله لم نقاتلك، فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لعليٍّ: امحه، فقال: ما أنا بالذي أمحاه، فمحاه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بيده)؛ فقد امتنع عليّ -رضي الله عنه- عن محو كلمة (رسول الله)؛ تعظيماً، وإجلالاً لصفة الرسالة التي آمن باصطفائها لمحمدٍ رسول الله، ولم يكن رفضه لمَحوها ناتجاً بسبب امتناعه عن أمر النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.
أعمال عليّ بن أبي طالب في عهد أبي بكر الصديق
بايع عليٌّ بن أبي طالب أبا بكرٍ على خلافته، وكان مُخلصاً له في نُصحه لما فيه مصلحة الإسلام وجماعة المسلمين؛ فعندما قرَّر الخليفة أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- محاربة المُرتَدّين بنفسه، وقيادة الجيوش العسكرية ليواجههم، اعترض عليّ -رضي الله عنه- على ذلك؛ حفاظاً على الخلافة، واجتماع شَمل المسلمين، فقد قال له مُعترضاً على خروجه: (إلى أين يا خليفة رسول الله؟! أقول لك ما قاله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يوم أحد، لُمّ سيفك، ولا تفجعنا بنفسك، وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظامٌ أبداً)، فسمع منه أبو بكر، ورجع، ويُذكَر أنّ الخليفة أبا بكرٍ خشي أن يقع في المدينة ما وقع من المُرتَدّين بعد وفاة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فنصّب عليّاً بن أبي طالب، وعدداً من الصحابة؛ لحراسة المدينة ليلاً، وقد شهد التاريخ عُمق العلاقة بين الخليفة أبي بكر وعلي بن أبي طالب على مَرّ سنين خلافته -رضي الله عنهما-؛ فقد عيّنه كاتباً له، ومستشاراً في بعض الأمور، كغزو الروم، وبعض المسائل الفقهيّة، والتي كان أبو بكرٍ يرجع إلى عليٍّ وعمر بن الخطاب فيها.
أعمال عليّ بن أبي طالب في عهد عمر بن الخطاب
تابع عمر بن الخطاب في خلافته منهج الخليفة السابق أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-؛ فكانت إدارته للدولة الإسلامية لا تخلو من مجلس الشورى الذي كان يضم ثُلّةً من الصحابة الكرام، وكان من بينهم عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-، والذي اشتُهِر بالقضاء، فقال فيه عمر بن الخطاب : "أقضانا عليّ"، وعلى الرغم من أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أشاد بعِلم عمر، وحسن دينه؛ إلّا أنّه لم يتخلَّ عن مشورة عليّ بن أبي طالب في كثيرٍ من القضايا، حتّى قالوا إنّ عمرَ -رضي الله عنه- لم يكن يقطع برأي في الأمور المهمّة قبل أن يستشير عليّاً بن أبي طالب، فقد كان لعليٍّ رأياً وجيهاً يراه الخليفة عمر آنذاك، وبرز دوره الجليّ في التنظيمات الإداريّة والماليّة في الدولة، فكان -رضي الله عنه- من الصحابة الذين شاركوا في تحديد مبلغ الكفاية للخليفة -أي راتبه- من بيت مال المسلمين، ومقدار نفقته على نفسه، وأهل بيته من المال، وقد كان البدء بالتأريخ الإسلامي يعود في تحديده إلى رأي عليّ بن أبي طالب ومشورته في ذلك؛ إذ جمع عُمر الناس، وسألهم: "من أيّ يومٍ نكتب التاريخ؟"، فأشار عليه علي بن أبي طالب أن يكون من يوم هجرة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وتركه أرضَ الشرك، ففعل ذلك عمر -رضي الله عنه-.
أعمال عليّ بن أبي طالب في عهد عثمان بن عفان
بعد تولّي عمر بن الخطاب الخلافة أعلن أنّ الخليفة من بعده سيُحدَّد بالشورى، إذ كان قد رشّح ستّاً من الصحابة؛ لاختيار أحدهم خليفةً على المسلمين، وكان من بينهم عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وكانت البيعة له، وكان علي بن أبي طالب من أوائل الصحابة الذين بايعوا عثمان؛ فقد كان ثاني من بايعه بعد عبدالرحمن بن عوف، وكان علي من الصحابة الثقات عند عثمان بن عفان؛ فكان يستشيره في أغلب الأمور المهمة، حتى أنّ أبرز الأحداث التي سُجِّلت في خلافة عثمان كان لعليٍّ فيها شورى ورأي، كجمع القرآن الكريم على قراءةٍ واحدةٍ؛ حتى لا يختلف الناس فيه، وممّا يُذكر لعليٍّ في خلافة عثمان حرصُه على توجيه المشورة والنصيحة عند وقوع الفتنة، فكان باب إصلاحٍ بين الناس عندما انتشرت الفتنة بينهم، وأخذ يُرسل الماء إلى عثمان -رضي الله عنه- عندما مُنِعت عنه.
أعمال عليّ بن أبي طالب في خلافته
عناية عليّ بن أبي طالب بالمسلمين وغيرهم
كان عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- حريصاً على أن يُعيّن في موسم الحجّ من يقيم للناس حَجّهم؛ فقد كتب ذات مرّة لأحد الولاة بأن يُقيم للناس الحجّ، وأن يُذكّرهم بأيّام الله، وأمره بقضاء الوقت معهم، وإفتاء من يطلب الفتوى، و تعليم من جهل منهم، وقد أولى أهمّيةً كبيرةً لعمارة المنطقة بما بتناسب مع خدمة السكّان، ومصالحهم؛ فحرص على بناء المساجد ، والحصون، وكلّ ما يحتاجه المسلمون من أدوات لعَيش كريم يُعينهم على بناء الإنسان، والأوطان، ونشر الإسلام وتعاليمه في منطقتهم، كما كتب إلى أحد الولاة بأن يُعيد حفر أحد الأنهار، وعمارته في أرض لأناس من أهل الذمّة، إلى جانب كونه مُفيداً للمسلمين؛ لينظرَ فيه ويصلحه، وفي ذلك دليلٌ جليٌّ على حرصه على مصالح المسلمين، وغيرهم، بالإضافة إلى أنّه كان يهتمّ بالطرقات وبمَمرّات المياه؛ فكان يأمر بإبعاد المياه الجارية التي تسيل في الوادي عن طريق المسلمين إذا كانت تقطعها، وإبعاد أماكن قضاء الحاجة عن الطرقات أيضاً.
حرص عليّ بن أبي طالب على قضاء حوائج المسلمين
كان الإمام عليّ -رضي الله عنه- حريصاً كلّ الحرص على رعيّته؛ فلا يَدع للمحتاج حاجةً إلّا قضاها له، حتى أنّه كان يحبّ أن يبدأ بفعل الخير من تلقاء نفسه، فيتعلّم منه الآخرون، كما حدث عندما تصدّق بقطعة أرضٍ كان قد كتبها له الخليفة السابق عمر بن الخطاب؛ حيث حفر فيها عين ماء، وجعلها سبيلاً للفقراء والمحتاجين، وكان يعتقد بأنّ ما يحتويه بيت مال المسلمين إنّما هو حقٌّ للفقراء والمساكين ، إلى جانب القضاء على الفقر بين الناس، وقد أخبر بمَنهجه عامّة الناس حين قال: "إنَّ الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقيرٌ إلَّا بتخمة غني"، بالإضافة إلى أنّه كان شديد الحرص على تربية أبنائه على العدل، والمنهج القويم؛ إذ جمع الحَسن مالاً، وأخبر الناس بتوزيعه، ولمّا حضروا وزّعه على الفقراء منهم، وهذا دليل حِرصهم على القضاء على الفقر، وإغناء المحتاجين عن السؤال.
حرص عليّ بن أبي طالب على المال العام
عُرِف عن عليّ بن أبي طالب وَرَعه، وزُهده في مال الدنيا مقابل حُسن مقامه في الآخرة، وكان يُفضّل معيشة الفقراء على معيشة المسلمين الأغنياء؛ مواساةً لهم، وعِظةً لأغنيائهم، فقد رُوِي عنه أنّه قال: "أشدّ الأعمال ثلاثة: إعطاء الحقّ من نفسك، وذكر الله -عزّ وجلّ- على كلّ حالٍ، ومواساة الأخ في المال"، كما كان يحرص على أن يكون عائد الخراج لأهل الخراج، فيُصلح حالهم اقتصاديّاً، حيث ذُكِر أنّه كان يُوصي من يُولّيه على الناس بأن يكون نظره مُتّجهاً نحو عمارة الأرض التي يحكمها، فلا يكون منظوره مادّياً، وإن هو أخذ الخراج، عمّرَ فيه الأرض، واتّخذَ المال لخدمة أهل المنطقة، وعدم اتِّخاذه لنفسه إلّا بالحقّ.
حرص عليّ بن أبي طالب على أموال المسلمين
كان عليّ بن أبي طالب كثير العطاء في فترة خلافته؛ فكان كثير الإنفاق على المسلمين من بيت مال المسلمين، واتّبع منهجَ الخليفة أبي بكر -رضي الله عنه- في إدارة أموال الدولة؛ فقد كان يساوي في الإنفاق بين الجميع، وقد كان -رضي الله عنه- يُولي الخراج أهمّيةً كبيرةً؛ وهي الأموال التي تُفرَض على الأراضي التي فتحها المسلمون، فأصبحت وَقفاً لجماعة المسلمين؛ إذ كان يكتب إلى عُمّال الخراج ينهاهم عن أن يبيعوا لأرباب الخراج ما هو من الضرورة لهم، كالملبس، والمأكل، والمشرب.
حرص عليّ بن أبي طالب على الأمن
تابع عليٌّ -كرّم الله وجهه- ما بدأه عمر -رضي الله عنه- من تخصيص شرطة لحراسة بيت مال المسلمين، وحراسة السجن، وقد خصّص ذلك ونظّمه بشكلٍ أدقٍّ في خلافته، فجعل رئيساً للشرطة أُطلِق عليه اسم (صاحب الشرطة)، كما أسَّس سجناً في الكوفة، إلّا أنّه كان ضعيفَ البناء، فهدَمه، وبنى مكانه سجناً آخر مُستحكَم البناء، إلى جانب أنّه أقرّ في خلافته مجموعةً من العقود والمعاهدات التي ورد تعيينها في عهد الدولة الإسلامية منذ بعثة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى عهد خلافته -كرّم الله وجهه-، وهذا يُثبت حرص عليّ بن أبي طالب في السير على نَهج من سَبقه من الخلفاء الراشدين؛ فقد كان حريصاً على تأكيد التطوُّر الإداريّ الذي بدأه من سَبقه من الخلفاء.
عناية عليّ بن أبي طالب بالقضاء بين الناس وباللغة العربية
يُعَدّ عليّ بن أبي طالب أوّل خليفةٍ يُخصّص يوماً للنظر في المظالم، والنظر في أمور الناس، وقد نُقِل أنّ قواعد علم النحو وُضِعت في عهده -كرّم الله وجهه-؛ فقد دخل عليه يوماً أبو الأسود الدؤليّ، وكان بيده رُقعة كُتِب عليها شيء من قواعد اللغة العربية، فاستفسر عن بعض الأمور فيها، وأخبره بأن يضع قواعد النحو؛ لأنّه خاف على ضياع اللغة العربية؛ بسبب دخول الأعاجم في الإسلام، واختلاطهم بالمسلمين العرب؛ ممّا يمكّنهم جميعاً من الرجوع إلى مرجع واحد في اللغة العربية.
للمزيد من التفاصيل عن خلافة علي -رضي الله عنه- وأعماله فيها الاطّلاع على مقالة: (( خلافة علي بن ابي طالب )).
وللمزيد من التفاصيل عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الاطّلاع على المقالات الآتية:
- (( سيرة علي بن أبي طالب )).
- (( قصة علي بن ابي طالب )).