أثر اللغة العربية في اللغات الأخرى
أثر اللغة العربيّة في اللغات الأخرى
اتّصل العرب منذ العصور الغابرة بالأمم المجاورة، ففي العصر الجاهلي احتكّ العرب بالفرس، والروم، والأحباش،... وتداخلت اللغات بعضها ببعض، وكنتيجة حتميّة أثّرت اللغة العربيّة باللغات الأخرى وتأثرت بها.
أثر الدين الإسلامي في انتشار اللغة العربيّة
أثّر انتشار الدين الإسلامي بشكل كبير في اللغة العربيّة، وساهم في تخطيها حدود شبه الجزيرة العربيّة إلى آفاق واسعة رحبة، وتخطيها آفاق الزمن إلى أزمان حتّى قيام الساعة، فلا يسلم فرد جديد حتّى يتمكن من أداء الصلاة، والقيام بفروض الإسلام، وعمّت اللغة العربيّة بلاداً غير بلادها، فأقبل أهل البلاد التي دخلت في الإسلام على لغة الإسلام يتعلمونها، ويتقنون غريبها حتّى برز فيها الكثير من العجم أمثال: سيبويه، وابن جني...وغيرهم، وأصبحوا أعلاماً في اللغة، تشدّ إليهم الرحال، ويتعلم على أيديهم الكثير من الناس، وهكذا أصبحت اللغة العربيّة لغةً تكتسب بالتعلم والدراسة بعد أن كانت تؤخذ وراثة من الأهل، والعشيرة كملكة راسخة، وستظل كذلك إلى قيام الساعة.
نبذة في مسيرة اللغة العربيّة
لقد استطاعت اللغة العربيّة أن تكون لغة العلوم كلها خلال العصور الإسلامية، وإن تصبح وسيلة للتعبير عن الأفكار منذ القرن الأول للهجرة. لقد تمكنت العربيّة أن تصبح لغة العلم في أقطارها الجديدة، وأن تنتقل من كونها لغة ذات أصول بدوية، إلى لغة أممية باشرها العرب وغير العرب من مسلمين وغيرهم في معاملاتهم، وكتاباتهم.
لقد أتيح للمجتمع العربي الإسلامي في العصر العباسي أن يتصل بطائفة من الأمم، ذلك أن بغداد قد اجتذبتهم إليها، وكان لا بد أن يشارك هؤلاء في إقامة الصرح الثقافي للدولة الإسلامية، وكان لا بد لهم أيضاً من أن يتأثروا بمفردات عربيّة، فقد كتبت باللغة العربيّة العلوم المختلفة من فيزياء، وكيمياء، وطب، وصيدلة، وهندسة، وفلك، ورياضيات.
مراجع علمية ضخمة كتبت باللغة العربيّة
سجل ابن الهيثم كتابه العظيم: البصريات باللغة العربيّة، وتناول فيه الوضع الظاهري للصورة المنعكسة في المرآة، وانكسار الصورة، والحجم الظاهري للأشياء، وسجل فيها أبناء موسى بن شاكر في عصر المأمون كتابهم في علم الحيل (الميكانيك)، وكتب فيها جابر بن حيان في الكيمياء، مؤلّفاته تشكل موسوعة حقيقية، وكتب فيها أبو بكر الرازي كتابه المشهور الحاوي في الطب، وكان ابن أعظم طبيب ظهر في تاريخ المسلمين كتب مؤلفه القانون في الطب باللغة العربيّة، كما وصف ابن النفيس الدورة الدموية، وهو من الأطباء العرب المشهورين، قبل أن يكتشفها الغربيون.، وكتب الخوارزمي كتابه الجبر والمقابلة، وهو أول كتاب في موضوعه، وفي الهندسة وضع العلامة البيروني كتابه الإسطرلاب، واستطاع أن يضع نظرية لاستخراج محيط الأرض.
أنجبت الأندلس أطباء ذوي شهرة عظيمة من بينهم ابن زهر الاشبيلي وما قدمه في علم الجراحة، وقد ازدهرت العلوم وتطورت في الأندلس التي كانت مقصداً لكثير من طالبي العلم من شتى أنحاء المعمورة، وكان عليهم إتقان اللغة العربيّة كي يدرسوا العلوم المختلفة بها في جامعات الأندلس، وانتشرت مصطلحات علمية باللغة العربيّة، في وقت كانت فيه اللغة العربيّة لغة عالمية، وفي المقابل كانت أوروبا تغرق في عصر الظلمات.
مصطلحات علمية عربيّة مستخدمة حتّى يومنا هذا
لو استقصينا ما كتبه العلماء المسلمون من عرب وغير عرب باللغة العربيّة، في سائر العلوم، لما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وقد استمرت اللغة العربيّة تستجيب للروافد الحضارية التي تنصب في المجتمع دون أن تتخاذل أمام هذه التجارب، ومن أجل ذلك بقيت هذه اللغة الكريمة لغة العالم المتحضر طوال قرون عديدة، ولم تنل منها الصدمات العاتية شيئاً.
الخوارزمي على سبيل المثال أدخل كلمات لا حصر لها في اللغة اللاتينية، والإنجليزية منها: algebra، وهذه الكلمة مأخوذة من كلمة الجبر التي تعني إعادة وصل الأجزاء المكسورة، وفي علم الكيمياء أضيفت العديد من الكلمات منها كلمتا elixir الإكسير وtalisman الطلسم هما في الأصل كلمتان عربيتان استخدمتا في علم الكيمياء القديمة، وقام الأستاذ تيلور بتقديم بحثً عنوانه (الكلمات العربيّة في اللغة الإنجليزية) (Arabic Words In Inglis)، وذكر فيه ما يزيد على ألف كلمة عربيّة في الطب والكيمياء والفلك والبيولوجيا والجراحة دخلت اللغة الإنجليزية، كما لا بد من الإشارة إلى ابن الهيثم الذي وضع أساسيات في علم البصريات ساهمت في صناعة الكاميرا، وأطلق عليها اسم "القمرة" والتي تعني الحجرة المظلمة، ومنها اشتق مصطلح الكاميرا بالانجليزية.
إنّ اللغة تنمو وتزدهر بجهود أبنائها، وقد كانت اللغة العربيّة أداة لكتابة العلوم ما يزيد عن عشرة قرون، واليوم هي ليست عاجزة ولا قاصرة، لكن أبناءها عاجزون.